نسف الفرعون محمد صلاح ومن قبله محارب الصحراء رياض محرز، كل المُعتقدات الخاطئة والانطباع السيئ المعروف عن العرب المحترفين في أوروبا، بوصول الاثنين لهرم العالمية بالتزام وانضباط واحترافية سواء في التدريبات أو المباريات الرسمية، ليأتي اليوم الذي يفخر فيه المشجعين العرب، بامتلاكهم أسماء لا تَقل شعبية ولا موهبة ولا تواضع خارج الملعب، عن أعظم وأشهر نجوم اللعبة الشعبية الأولى في العالم، بما فيهم كريستيانو رونالدو وليو ميسي.
بداية على طريقة العظماء
كالطفل الفقير رونالدو الذي عاش تحت خط الصفر في مدينة ماديرا، والبرغوث الذي انتشله برشلونة من براثن الفقر في بلاد التانجو، وجُل أساطير الكرة الذين حققوا المجد بعد كفاح مع ظروف معيشية صعبة في الطفولة، فكان الطفل رياض محرز، على موعد مع صدمة العمر قبل أن يُكمل ربيعه الـ14، بصعود والده إلى بارئه نتيجة مضاعفات في عملية جراحة في القلب بعمر 54 عامًا.
آخر أخبار 2018 تُؤدي لغضب جماهير ميلان، لكن البريميرليج رفض أن يُنهي العام إلا وهو مسيطر!
رجل الأسبوع لاعب غير معهود أبدًا، فمن كان يا تُرى؟ #YallaGoal pic.twitter.com/w2AxbJ593y — جول العربي - Goal (@GoalAR) December 25, 2018
محارب الصحراء لم يقف مكتوف الأيدي في حي "سارسيل" –منبع الجرائم في فرنسا ، بعدما أصبح العائل الوحيد للأسرة في سن مُبكرة، على الفور، عرض نفسه على فريق كويمبر الناشط في دوري القسم الرابع الفرنسي، وبمفضل موهبته التي تتحدث عنه، التقطته كشافة نادي لوهافر عام 2010، ورغم تأخر انضمامه للفريق الأول، إلا أن بمجرد حصوله على الفرصة، تمسك بها بشكل شبه مثالي، ليُصبح في فترة زمنية قياسية محط أنظار عمالقة الليج1 في مقدمة مارسيليا وليون.
أزحم قطار في الشرق الأوسط
في نفس الوقت الذي كان يشق فيه محرز طريقه نحو الملاعب الكبرى في فرنسا، والتي من خلاله انتقل إلى أعرق دوري كرة قدم في العالم عبر بوابة ليستر سيتي، أيضًا في منطقة الدلتا المُكتظة بالسكان في مصر، كان أبو صلاح على موعد مع مغامرة يومية مع أزحم خط قطار في الشرق الأوسط، الذي يربط بين طنطا والمنصور بالعاصمة، والأصعب من ذلك ارتياد ما يقرب من 10 مواصلات 3 أو 4 مرات أسبوعيًا في هذه الرحلة التي تزيد عن 300 كيلو متر.
أول الغيث قطرة
بمُجرد أن تم تصعيده للفريق الأول للمقاولون العرب، بدأ يتخلص من كابوس ارتياد وسائل المواصلات التعيسة، بإقامة شبه دائمة في القاهرة، ومع الوقت، أصبح اسمه مألوفًا في الدوري المصري، إلى أن حدثت مجزرة ملعب "بورسعيد"، التي عجّلت بخروجه من البلاد، مع رفض رئيس نادي الزمالك الأسبق ممدوح عباس ضمه، ليجد فرصة بازل، التي وضعته على الطريق الصحيح.
الموهبة وتجاوز المحن
هناك عوامل أخرى مُشتركة بين صلاح ومحرز بعيدًا عن البداية الصعبة، منها على سبيل المثال، تجاوز المحنة والتعلم من الأخطاء، كما فعلها المصري بالخروج من النفق المُظلم في عامه الحزين مع تشيلسي، إذ أحيا مسيرته بتجربة إعارة مع فيورنتينا، تبعها بتجربته الأهم مع روما، التي خرج منها بمكاسب بالجملة، بتواجده مع عقل مثل الأسطورة فرانشيسكو توتي، ومع نادٍ كبير يلعب معه بصفة مُستمر تحت الضغط، ، بخلاف الاستفادة الفنية من لوتشيانو سباليتي، الذي حّول صلاح من لاعب عاشق للمساحات، للاعب ماكر قادر على استغلال عقله وسرعته في نفس التوقيت في آخر 20 متر في الملعب، ليُثبت بشكل عملي أنه يملك من العقلية والذكاء ما يكفي لتصحيح أوضاعه وإنقاذ مسيرته في أوروبا، قبل أن يتسبب مورينيو في ضياعها.
كذلك محرز. بعد وصوله لعنان السماء في موسم معجزة ليستر سيتي، الذي ساهم فيه رفقة نجولو كانتي والهداف جيمي فاردي في تحقيق اللقب للمرة الأولى وربما الأخيرة في تاريخ ثعالب "كينج باور"، هو الآخر تعرض لفترة صعبة، حيث تراجع مستواه بشدة في الموسم التالي، وظن كثيرون أنه لن يعود إلى الأضواء مرة أخرى، وما زاد الطين بلة، ما حدث معه في الشتاء الماضي، عندما استعاد جزء كبير من مستواه الذي كان عليه في موسم 2015-2016، بتسجيل 8 أهداف وصناعة مثلهم في النصف الأول من الموسم الماضي، ثم تفاجأ برفض إدارة ناديه عرض انتقاله إلى مانشستر سيتي بيب جوارديولا.
أمثلة يحتذي بها
كما كان متوقعًا. أنهى محرز الموسم الماضي بشكل مأساوي، بعد تحطيمه نفسيًا ومعنويًا، بعرقلة انتقاله إلى ملعب "الاتحاد"، لكن المفاجأة السارة، أتت بعد ذلك، بإصرار بيب جوارديولا على طلبه مُجددًا، لتتم الصفقة بنجاح، لتأتي لحظة الاعتراف بالجميل، في المشهد الخالد، الذي اصطحب فيه والدته، ليرد الدين لها أمام الجميع، عرفانًا بالجميل والدعم المعنوي والمادي الذي وجده من أغلى البشر في حياته في مرحلة الطفولة والشباب، قبل أن يُصبح صانع ألعاب أحد أقوى وأشهر الفرق الإنجليزية والأوروبية.
أما أبو مكة، فأكمل ما بناه محرز عام 2016 حين فاز بجائزة أفضل لاعب في البريميرليج، حيث اكتسح المصري الأخضر واليابسة الموسم المنقضي، باحتكار كل الجوائز الفردية المرموقة في بلاد مهد كرة القدم، كأفضل لاعب من قبل رابطة اللاعبين، ورابطة النقاد والشركة الراعية للمسابقة، ناهيك عن جائزة الهداف، وتحطيم الرقم القياسي المُسجل لأفضل هداف في تاريخ البريميرليج، بتوقيعه على 32 هدفًا، رقم لم يَصل إليه حتى رونالدو في أوج مجده مع الشياطين الحُمر.
فضلاً عن جائزة الكاف كأفضل لاعب أفريقي، وكذلك جائزتنا (جول 25) المُستحدثة في نسختها الأولى، ليُصبح بطل قومي في مصر وقدوة ومثال يُحتذي به للأطفال والشباب الذين يَحلمون بالنجومية والوصول لهرم كرة القدم، والأمر كذلك ينطبق على رياض محرز الذي كسر كل الحواجز والقيود بين اللاعبين العرب والأوروبيين واللاتينيين بتفوقه عليهم عام 2016، ليكون مُلهم حقيقي لكل العرب في إنجلترا وأوروبا، بإثباته العملي أنه لا مستحيل في الكرة ولا فارق بين عربي وأجنبي إلا بالالتزام والموهبة.