مشكلة الكورد في كوردستان سوريا هي مع دمشق وليس أنقرة

آخر تحديث 2018-12-30 00:00:00 - المصدر: رووداو

رغم أن قرار دونالد ترمب سحب قوات بلاده من سوريا، كان غير متوقع إلى حد بعيد، خاصة بعد زيادة عدد قواتهم هناك مؤخراً، والرد على التهديدات التركية على أعلى مستويات المراكز الأمريكية الرئيسة، وإعلانها أنها لن تسمح لتركيا باجتياز الحدود السورية والقيام بعمليات عسكرية في مناطق تواجد القوات الأمريكية، ومع ظهور ردود فعل في الداخل الأمريكي واعتبار قرار ترمب خطيراً، لكن الأخير لم يقدم على جديد في الواقع.

أكد ترمب عشرات المرات على أنه لا حاجة لأن تلعب أمريكا دور الحارس لأي شخص ولا ينبغي أن نضحي بجنودنا لتنام شعوب المنطقة مطمئنة، بل على تلك الشعوب أن تدافع عن نفسها. في العام الماضي، وفي وقت متأخر من الليل اتخذ نفس القرار، ولكنه تراجع عندما دفعت له السعودية جزءاً من نفقات بقاء جنوده هناك. إنه ينظر إلى المعادلات من زاوية تجارية ويتجه صوب المكان الذي يجد فيه فرصة كسب اقتصادي موقت. لهذا يجب أن يكون طبيعياً أن يصدر قرارات مشابهة ومخالفة للمبادئ العامة التي تتبناها أمريكا، بين ليلة وضحاها.

الذي ليس طبيعياً هو توقعاتنا من أمريكا ترمب، وأن نريد منها الوقوف إلى جانب مطالبنا ومصالحنا وتمارس السياسة حسب ما نهوى، وتدير ظهرها للدول المتسلطة على المنطقة، في حين توجد مصالح وروابط عديدة تربطها بتلك الدول. ليس المقصود تركيا وحدها، والتي تمثل جزءاً هاماً من قوات ناتو، بل حتى سوريا وإيران يمكن أن تكون لهما روابط ومصالح مع أمريكا بصورة أسهل مما يمكن أن تكون لنا نحن الكورد. كما ليس مستبعداً أن يتغير موقف أمريكا من إيران من خلال بيان مفاجئ، وأن تعقد اتفاقاً جديداً معها، أو تقر بأن الاستقرار في سوريا رهن ببقاء الأسد ويجب احترام سيادة تلك الدولة.

هذه هي حقيقة ترمب وستراتيجيته في العمل، وكل المراكز الهامة في أمريكا وفي حزبه يعرفون هذا ويسايرونه حتى الآن، وعملهم يتركز على أين تتوقف أمريكا بين المصالح الاقتصادية الآنية والمصالح الستراتيجية. أما نحن الذين نعلق الآمال على السياسة الأمريكية الحالية، فنترقب إلى أين توصلنا هذه السياسة، ومهمتنا تكمن في التوصل إلى إجابة منطقية تضمن بقاءنا في المنطقة. أمريكا تبحث عن مصالحها، ونحن وأمريكا لا نرى معادلات المنطقة من نفس الزاوية، لذا يجب أن تعلمنا تجارب منتصف سبعينات القرن الماضي، والتي تكررت بعد نحو أربعين سنة في 16 أكتوبر، وفي احتلال عفرين، ليتبعها في الغد تغاضي أمريكا عن تركيا لتحتل مناطق أخرى، بأنه لا مستحيل في اتفاقيات هذه الدول، بل المستحيل هو أن تعمد أمريكا والمجتمع الدولي إلى تخريب علاقاتها مع هذه الدول خدمة لمصالحنا.

رغم أن قرار الانسحاب الأمريكي من سوريا يصور الآن في كثير من المراكز الأمريكية والأوروبية كنوع من نكران لجميل الكورد من جانب أمريكا، ولا يستبعد أن تؤدي تداعياته إلى تراجع ترمب عن قراره، أو اضطرار أمريكا على الأقل لمنع تركيا حالياً من مهاجمة كوردستان سوريا، لكن ذلك سيكون وقتياً ولن يحل المشكلة. حتى الأمل المعلق على فرنسا وأوروبا، بعد ردود أفعالهم على قرار ترمب، هو أيضاً شبيه بالآمال التي كانت معلقة على أمريكا في ما مضى. يجب على الكورد أن يعودوا إلى أصول المشكلة بين تركيا وكوردستان سوريا، يجب عليهم محو الأعذار التي تتذرع بها تركيا لمهاجمة كوردستان سوريا، فقد تبين أن أمريكا وروسيا والمجتمع الدولي، يعتبرون تركيا في النهاية أهم منا نحن الذين لا دولة لنا.

يجب أن نفكر بوضوح، ما هو الإطار لإيماننا بالقضية الكوردية، وهل أن القضية الكوردية واحدة؟ أم أنها قضايا متعددة في دول متعددة؟ وحتى لو كنا جميعاً نتطلع في صميمنا إلى أن نكون كوردستانيين بلا حدود، ولا نؤمن بالحدود الدولية التي تفصل بين الدول المحتلة لأجزاء كوردستان، فإنه لا توجد بيننا في الواقع العملي قوة سياسية أو فكر يعمل في هذا الاتجاه. ما هو قائم الآن هو أن لكل جزء من كوردستان قواه وحركاته السياسية وأحزابه وتنظيماته الفكرية والسياسية الخاصة به. لذا يجب أن نقبل بحقيقة تتمثل في أن مشكلة الكورد في كل جزء، هي مشكلة بينهم وبين الدولة الحاكمة وليس مع بقية الدول المحتلة بالمفهوم الأوسع.

يجري قمع واضطهاد الكورد في الدول الأربع، ومن قبل السلطة في كل واحدة منها، بنفس المستوى ونفس الدرجة، وإن كان هناك القليل من الحرية أو التقدم في المسألة الكوردية، فإن ذلك لم يكن فضلاً ومنحة من تلك الدولة للكورد، بل تحقق بفضل دماء وتضحيات وظروف خاصة. فحيثما واتت الفرصة الدولة الحاكمة، لم تقصر في مصادرة تلك الحرية المحدودة. لذا لا يوجد أي اختلاف بين الدول التي تتقاسم كوردستان، لكن الدول في بعض الأحيان، وبسبب خلافاتها، أفادت من الحركة الكوردية لإيذاء بعضها البعض، وأفاد الكورد من تلك الخلافات بدورهم.

من هذا المنطلق، نظرت الحركة الكوردية في جزء من كوردستان، نظرة مختلفة إلى الدولة المحتلة لجزء آخر من كوردستان، وقد حقق هذا مكاسب للكورد في الماضي. لكن لم يحدث على مر التاريخ أن تعمد حركة تحررية كوردية في جزء من كوردستان، لم تحقق أياً من الحقوق أو الحريات في الجزء الذي تنتمي إليه، ولم تقر بها أو بحقوقها الدولة المتسلطة على ذلك الجزء، إلى تحويل الحركة الكوردية والدولة المتسلطة في جزء آخر لمعاداة الدولة الأولى.

ورغم أن هذا لن يغير من هوية وعقلية تركيا المعادية بشدة وإصرار للكورد، لكن ينبغي أن نصحح الوضع ونعلم أن مشكلة الكورد في كوردستان سوريا هي مع دمشق وليس مع أنقرة، ويجب أن نعمل من خلال الحرب أو السلم، أو بأية طريقة للتوصل إلى حل لمشاكل الهوية، حقوق المواطنة، مشكلة الأراضي، الحكم الذاتي، والشراكة في الحكم، وفي هذا يجب أن تكون سوريا، لا تركيا، هي وجهة الكورد في كوردستان سوريا. ما تتذرع به تركيا الآن وتجذب به انتباه القوى العظمى، هو توسع وتسلط حزب الاتحاد الديمقراطي وارتباطه بحزب العمال الكوردسستاني، وقد جاء تغاضي المجتمع الدولي عن احتلال عفرين، كنتيجة لاقتناعهم بذلك العذر.

لذلك، وقبل أن نلوم السياسة الأمريكية، أو نعلق الآمال على أوروبا، يجب أن نلوم أنفسنا ونعلق الآمال على وحدتنا، فليس ممكناً منع العديد من الأحزاب السياسية من العمل السياسي في كوردستان سوريا، وتحويل القضية الكوردية في ذلك الجزء إلى صراع مع تركيا، ثم نطالب العالم بدعمنا.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر شبكة رووداو الإعلامية‬‬‬.