أثارت أفكار برنارد لويس صعود التطرف الإسلامي والنظم الاستبدادية في المناطق الغنية بالنفط والغاز للعب على وتر مظلومية الأقلية مقابل شيطنة الأكثرية، وعقدة الغرب في الدعم والتعصب لرسم سياسية عزرائيل ووكلائه، فكانت رساله برنارد واضحة: "كونوا حازمين أو اتركوا المنطقة، فزرع الديمقراطية في دول الشرق الأوسط وسيلة للقضاء على الإرهاب، فإذا ظل الشرق الأوسط يسير في هذا المنحى فإن المهاجم الانتحاري سيصبح رمزاً لكل منطقة الشرق الأوسط ولن يكون هناك مخرج من مستنقع الكراهية والبغضاء والغضب وجلد الذات والفقر والطغيان".
وقد أثارت آرائه غضب العديد من الأكاديميين في بريطانيا وأوروبا لاستعداد هؤلاء المحاربين نقل ولائهم من جماعة مسلحة لأخرى ينتفع منها أردوغان والأسد وبوتين في تدمير طموحاتهم السياسية في سوريا والعراق كما دمر المشروع الأميركي لعبد الناصر وصايتهم بتحوله إلى رمز للقومية العربية.
ومع استمرار بريطانيا في إجراء تعديلات استراتيجية مع مجلس التعاون الخليجي، في إطار السياسة الخارجية الجديدة لما بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، في محاوله لاستعادة أمجادها في الشرق الأوسط من خلال اتفاقية قواعد بحرية في الكويت، أتساءل: هل لآراء برنارد لويس في إدارة النزاع بين الإسلام الراديكالي والغرب تأثير مباشر في إدارة هنري كيسنجر لملف الكورد عندما أبرم اتفاق السلام بين الرئيس العراقي الأسبق صدَّام حسين وشاه إيران عام 1975 لإيقاف عملية تقودها وكالة الاستخبارات الأميركية بهدف مساعدة الكورد، ثم دعم صدام لتدمير الكورد عام 1991 بعد أن نصحوهم بالتمرد عليه عقب تحرير الكويت، فهل نشهد اليوم تكرار السيناريو العراقي الكوردي الذي يجعل الكورد في شمال سوريا يعتقدون أنهم آمنون من حكومة بشار الأسد في دمشق؟.
مشروع التسوية التركي الروسي، والروسي الأميركي في سوريا، أوقف تدفق اللاجئين السوريين إلى تركيا وأجهض المشروع القومي الكوردي باتفاقية منبج عبرَ حصار قوات سوريا الديمقراطية وإخراجها من المناطق العربية السورية للشريط الحدودي السوري التركي بموافقة أمريكية وتفاهم تركي روسي غير معلن لإيقاع الأسد بين فكي كماشة روسية إيرانية، تضغط الأولى لرفض القواعد الإيرانية، وتحث الثانية لقبولها، فتبدو عملية الحرب انتصاراً سورياً غير مباشر، عبر لجوء حزب العمال الكوردستاني للانضمام إلى قطعات الأسد في صد الحرب التركية، في حين تتقدم القوات التركية في مناطق "درع الفرات" وعفرين وإدلب لتحكم الحصار على "المتمردين"، فتحقق واشنطن وحلفاؤها الغربيون إجراءات الضغط على موسكو ودمشق وطهران للبقاء عسكرياً شرق سوريا لحماية الأقلية بإنشاء 5 نقاط مراقبة وحظر جوي في مدينة تل أبيض، شمالي الرقة، وعين العرب (كوباني) وشرقي حلب شبيه بما حصل في شمال العراق في نهاية عقد التسعينات، مكملةً بذلك خارطه برنارد الإدارية للتقسيم لمحمية غرب العراق وشرق سوريا على غرار التجربة الكوردستانية لمساعدة المجتمعات السنية لتتمكّن من العيش خارج نطاق سيطرة "الميلشيات" والأسد.
وما إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أبريل الماضي برغبته في سحب قواته من سوريا وتراجعه بعد ستة أشهر ثم التصريح بسحبها اليوم بعد إنهاء وجود داعش، إلا دليلاً على الوفاق الثلاثي الأميركي الروسي التركي بدخول السعودية الحليف الأمني لحماية إسرائيل من الوجود الإيراني لقطع الممر السككي البري الإيراني الذي نال في 9 آب 2018، موافقة منظّمة التنمية الاقتصاديّة لمنطقة آسيا والمحيط الهادىء APEC، للالتفاف على العقوبات الأميركية بإيجاد البديل البري لمياه الخليج للحضور الفعال في مياه المتوسط بربط ميناء اللاذقية-طرطوس-حلب بمدينتي الموصل وبغداد وأم قصر، وصولاً إلى إيران، كمنفذ اقتصاديّ وعسكري يعزز التعاون مع الكويت في خط الحرير بحماية بريطانية بعد توقيع اتفاقية تعاون عسكري لحماية عروش آل صباح من الحضور الإخواني العميق في قطر والكويت، فالتبادل التجاري القطري والكويتي في بريطانيا مؤثر إلى درجة أنه إذا وجّهت السعودية غضبها للنظام السياسي في الكويت، فإن بريطانيا هي الدولة التي يمكن أن تتصدى لردع الخطر العثماني القادم من الدوحة من قاعده الريان التركية.
في المقابل، تتبع موسكو سياسة القضم العسكري والتشتيت السياسي بين حلفاء المعارضة لاستعادة الحكومة السيطرة على جميع الأراضي السورية لفتح حوار سوري - سوري يلزم أنقرة باتفاق سوتشي الخاص بإدلب، على أمل لعب تركيا دوراً أكبر في تشتيت الأميركيين شمال شرقي سوريا لإخراجهم من المنطقة، ومن جهة أخرى تقرب موقف دول أوروبية مثل ألمانيا وفرنسا من خيارات روسية في الإعمار والمساعدات في البنية التحتية السورية .
هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر شبكة رووداو الإعلامية.