في عام 1789، استدعى ملك فرنسا لويس السادس عشر قيادات الطبقة الارستقراطية ورجال الدين وبعض المواطنين لبحث سبل سد العجز في مالية المملكة وكبح الاستياء الشعبي النابع من النظام الإقطاعي.
كانت تلك بداية الثورة الفرنسية. وخلال شهور أصبح بلا حول ولا قوة وبعد أربعة أعوام أعدم بالمقصلة.
وبعد مرور قرنين من الزمان، يدعو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي كثيرا ما يواجه انتقادات بسبب تصرفات تشبه تصرفات الملوك، إلى نقاش وطني لتهدئة محتجي “السترات الصفراء” الذين ينظمون احتجاجات منذ أكثر من شهرين في باريس هزت إدارته.
وسيطلق ماكرون مبادرة “الحوار الموسع” في 15 يناير/ كانون الثاني. وكما كان الحال خلال حكم الملك لويس السادس عشر، يسجل الفرنسيون شكاواهم في “دفاتر التظلمات” التي فتحها رؤساء البلدية في خمسة آلاف بلدية.
وسيركز الحوار على أربع قضايا .. الضرائب، الطاقة الخضراء، الإصلاح الدستوري والمواطنة، وستجري المناقشات عبر الإنترنت وفي قاعات البلدية، إلا أن مسؤولين قالوا إنه لن يحدث تغيير على مسار الإصلاحات التي أعلنها ماكرون والتي تهدف إلى تحرير الاقتصاد.
وقال بنجامين جريفو المتحدث باسم الحكومة الفرنسية لقناة (بي.إف.إم) التلفزيونية “الحوار ليس فرصة لكي يفرغ الناس إحباطاتهم ولا لكي نشكك فيما حققناه خلال الثمانية عشر شهرا المنصرمة… نحن لا نعيد الانتخابات من جديد”.
وقال المؤرخ ستيفان سيرو من جامعة سيرجي بونتواز لصحيفة لو باريزيان إنه بوضع حدود للبنود التي سيجري بحثها، يخاطر ماكرون بارتكاب نفس الخطأ الذي حكم على الملكية بالفشل. إيمانويل ماكرون مثل لويس السادس عشر الذي… تلقى دفاتر التظلمات ولكن لم يفهم شيئا منها”.
غبار تناثر مع الريح
في فليجي، الواقعة على بعد مئة كيلومتر جنوبي باريس، يتلقى رئيس بلدية القرية تظلمات مكتوبة من أصحاب “السترات الصفراء” المحليين مثل أجوستينو باريتو مالك المرأب البالغ من العمر 65 عاما المقتنع بأن الحكومة ستصيغ الحوار بالشكل الذي يناسبها.
قال باريتو “كل ما نقوله مثل الغبار الذي يتناثر مع الريح… لا يستمع لنا أحد”.
ويشعر جاك دروان رئيس بلدية فليجي بالتعاطف تجاه هذا الإحباط. ويقول إنه سيرفض إجراء حوار مجتمعي ما دام يصر ماكرون على المضي قدما في الإصلاحات بصرف النظر عن أي شيء آخر.
وأضاف “ليس هذا هو ما يريدوه المواطنون… كفي. الأمر يعود الآن إلى قادتنا للاستماع لما يقال في دفاتر التظلمات”.
ومن شأن المشاركة الضعيفة أن تقوض التجربة. فقد أوضح استطلاع للرأي أجرته مؤسسة إيلاب يوم الأربعاء أن 40 % فقط من المواطنين يعتزمون المشاركة في الحوار.
وتستعد فرنسا لمزيد من الاحتجاجات في الشوارع وربما أعمال شغب لكن مع استمرار المظاهرات لم يتضح بعد ما إذا كانت “السترات الصفراء” ستتحول إلى قوة سياسية أم ستتلاشى بسبب خلافاتها الداخلية.
دعم لويجي دي مايو زعيم حركة (5-نجوم) المناهضة للنظام الأسبوع الماضي المحتجين الفرنسيين وعرض منصة حزبه على الإنترنت لتقديم الديمقراطية المباشرة والمعروفة باسم “روسو”، نسبة للمفكر الفرنسي جان جاك روسو خلال عصر التنوير، للمساعدة في صياغة برنامج “للسترات الصفراء”.
ورغم أن حركة “السترات الصفراء” بلا زعيم، فإنها شبيهة بحركات مثل (5-نجوم) في إيطاليا وحركة إنديجنادوس في إسبانيا التي تسعى لقلب النظام السياسي التقليدي في أوروبا.
استفتاء؟
يستمد أصحاب “السترات الصفراء” اسمهم من السترات التي يرتدونها عند الحواجز على الطرق وفي الشارع وينبغ غضبهم من الضغوط على دخولهم والاعتقاد بأن ماكرون، وهو مصرفي سابق ببنك استثمار يُعتبر مقربا لكبار رجال الأعمال، لا يكترث بمشاكلهم.
وسيعزز من وضع ماكرون التراجع الحاد في الدعم الشعبي للمحتجين خلال الشهر المنصرم. وقد تعهد باستخدام الحوارات لتحويل غضبهم وصياغة سياسة جديدة عبر ديمقراطية تشاركية.
ويطالب أصحاب “السترات الصفراء” بحق الدعوة لإجراء استفتاءات عبر التماسات جماعية. ولم يرفض وزراء كبار الفكرة ووصف رئيس الوزراء إدوار فيليب الاستفتاءات التي تجري بطلب من المواطنين بأنها “أداة مفيدة في الديمقراطية” إلا أنه قال إن استخدامها يجب أن يكون محدودا.
والفكرة الأكثر ترجيحا هي التي يروج لها الحزب الحاكم والحكومة بإجراء حوار وطني يليه استفتاء على عدد من الأسئلة بدلا من مجرد التصويت بالموافقة أو بالرفض.
وقال أنطونيو باروسو نائب مدير الأبحاث بشركة تينيو للاستشارات “الحكومة على دراية بمخاطر تحويل أي تصويت إلى تصويت على ماكرون وليس على القضايا… ولهذا يتم حل ذلك بطرح عدة أسئلة”.