مصعب صلاح تابعوه على تويتر
الأمر بدأ بأنني أردت مشاهدة مباراة لفريقي المفضل مع أحد أصدقائي. عادة لا أميل لمتابعة المباريات في المقاهي ولكن هذه المرة قررت الخروج.
صديقي أصّر على اللقاء في مقهى بعيد ولم أكن أفهم السبب حتى وصلت هناك، وجدت عددًا كبيرًا من جمهور الفريق المنافس وسألته عن سبب متابعة المباراة في هذا المكان بالتحديد وقال لي ستعرف بعد قليل.
هجمة لفريقي تتعالى معاها الصيحات وحينما تُهدر نتلقى وابلًا من السخرية "والتحفيل" من جانب المنافس، ترتد الكرة وبتسديدة من على حدود منطقة الجزاء سهلة في يد الحارس رآها جمهور المنافس كرة خطيرة ولولا الحظ والتوفيق والحكام وتألق الحارس لكانت هدفًا يُحتسب باثنين نظرًا لعظمته.
فريقنا انتصر في النهاية واستمر صديقي لفترة طويلة لا يفعل شيئًَا سوى السخرية والانتقاد بشعار "بدأت الحفلة"، وهنا فهمت السبب.
نعم، هذا نموذج لعدد كبير من الجمهور لا يبالي بالاحتفال لفوز فريقه بل يهرع ليحفّل على جمهور المنافس، وإن لم يكن هناك مقهى فمواقع التواصل الاجتماعي مسرحًا كبيرًا لإجراء كل الحفلات التي ترغبها، فقط انتظر صافرة النهاية.
ميسي أم مارادونا؟ السير أليكس فيرجسون يحسمها ويختار الأفضل ???? pic.twitter.com/u8ROYkaauz
— جول العربي - Goal (@GoalAR) January 27, 2019
دعوة للحفل
الجمهور في العالم العربي تحول إلى أداة للسخرية ومحاولة لكسب أي انتصار وهمي على حساب آخر، الفوز لا يعني أي شيء سوى أنني سأتمكن من التحفيل على جمهور المنافس ليس إلا.
بعد انتهاء المباراة، هناك "الفيسبوك" وفرصة للنيل من المنافس، لا يهم إن انتهت المباراة بالتعادل أو حتى إن كانت الهزيمة غير مؤثرة لابد من الاستعانة بعبارات نمطية مكررة للتحفيل.
في أحد المرات قرأت على مواقع التواصل الاجتماعي أنّ التحفيل على المنافس والسخرية من أصدقائك الذين يشجعون فريقًا مختلفًا هو جزء من متعة كرة القدم.
"الكوميكس" أيضًا هي فرصة للتعبير عن التحفيل. إن كنت تتابع صفحة تختص بفريق محدد وتنشر صورًا ساخرة فأنت تنتظر دومًا قراءة شيء ساخر وحتى لو لم يكن هناك ما يدعو لذلك.
متابعة الكوميكس جعلت صانعوها يفتشون عن أي شيء لصناعة السخرية حتى لو أصبح الأمر مكررًا وبديهيًا وافتقد لمعناه الأصلي. المهم أن نكتب ونرسم ونسخر.
ما وراء المنطق | رونالدو هرب من ظل بنزيما
المعارك الوهمية
في دراسة أجراها عالم النفس "والتر كانون" في جامعة هارفارد عام 1915 حول إحساس الطلاب حينما يرسبون واكتشف أنّ هناك تأثيرات جسدية عليهم في حالة الفوز وكذلك الفشل.
الإنسان حينما يخسر يميل إلى شيئين إما الإنكار والهرب أو المواجهة والبحث عن حل، فإما أنّ يبحث عن ما يبرر الخسارة ويؤكد تعرضه للظلم أو يخلق وسيلة تحول الهزيمة لانتصار.
بتطبيق هذا الأمر على جمهور كرة القدم فإن هذا ما يحدث. الإنكار يأتي باتهام التحكيم أو الإصابات أو الحظ - وبالمناسبة كل شيء يمكن وضعه تحت خانة الحظ - أما تحويل الأمر لانتصار فيحتاج إلى معارك وهمية.
خلق المعارك الوهمية أمر بسيط للغاية، ادخل على صفحة تابعة لمنافس واقرأ أي موضوع يمدح فيه فريقه وحاول أن تتذكر آخر مرة تعرض هذا المنافس لهزيمة وذكرّه بها. برشلونة انتصر في الدوري، تستطيع استخدام صورة مانولاس بعد هدفه في دوري الأبطال، ريال مدريد يحقق التشامبيونزليج يمكنك الاعتماد على فيديو قديم لخماسية برشلونة.
الأغلب يميل إلى خلق أي معركة وهمية خارج إطار الموضوع لكي يخرج منها منتصرًا، ولذلك لا تستغرب حينما كان ينتقد البعض جوزيه مورينيو فيخرج عشاقه بجملة "بطل التشامبيونزليج مع بورتو" وكأن تحقيق نجاح واحد في حياتك يغنيك عن أي شيء آخر.
ما وراء المنطق | أشهر نظريات المؤامرات في تاريخ كرة القدم
الهلع السلوك المضاد
حينما تبدأ عملية التحفيل الكل يحب أن يكون هو الطرف الساخر ويتجنب أن يتلقى أي انتقادات أو سخرية من جمهور المنافس.
ولذلك لا تستغرب أبدًا حينما تجد هلع الجمهور مع كل هجمة مهدرة وكل تراجع في النتيجة وذلك لأن الخوف الحقيقي ليس من نتيجة اللقاء ولكن من تحفيل المنافس.
لا أحد يحب الخسارة، ولأن المعركة تحولت من فوز بمباراة إلى حرب نفسية بين الجماهير فلابد من التوتر والارتباك والعصبية وتضخيم كل شيء.
ولأن الهدف هو التحفيل، فحتى سوق الانتقالات مجالًا للسخرية والانتقاد من فشل صفقة أو ارتفاع قيمتها ليجد الطرف الآخر نفسه إما مرتعبًا ينشر كل 5 دقائق مقالًا جديدًا ينتقد ويشجب أو باحثًا عن معركة وهمية ينتصر فيها أو هاربًا من النقاش.
كرة القدم لعبة جميلة ومتابعتها أمر أجمل والفوز بالألقاب شيء يسمتع به كل مرء ولكن لو تحولت الأمور لحرب على موقع التواصل الاجتماعي فقط والهدف هو الفوز بها لفقدت هذه اللعبة جزء كبير من متعتها.
دعونا نحتفل بفوز فريقنا بأي بطولة أو أي إنجاز ونستمتع بما نراه بدلًا من أن يكون الهدف هو التحفيل والتحفيل فقط!