أحمد أباظة فيسبوك تويتر
ربما تذكرون تلك العبارة التي أتت على لسان كرة برشلونة في أحد الإعلانات الترويجية، وربما يذكر أحدكم رغبته في دفن نفسه لدى سماعها، حتى وإن كان يوهان كرويف نفسه قد أشاد بإرنستو فالفيردي في أحد الأيام، لأنه ببساطة كرويف قد مات، ولو عاش لما تطلب منه الأمر جهداً حتى يكتشف أن تلك ليست كرته، ولا كرة برشلونة بالتأكيد.
"جماهير برشلونة فازت بالثنائية المحلية في الموسم الماضي ورغم ذلك تشعر غالبيتهم بالإحباط، إنهم يريدون مشاهدة ما كان يحدث أيام بيب جوارديولا من جديد، وهو شيء لن يتكرر لأن هؤلاء اللاعبين لن يتكرروا"..
الحجة الأبرز دائماً في صفوف المدافعين عن فالفيردي، وذلك لأننا بالتأكيد غائبين عن الوعي بما فيه الكفاية لنحتاج إلى شخص يذكرنا بعدم وجود تشافي وإنييستا في الوقت الحالي، وعدم وجود جوارديولا نفسه أيضاً، كلها حقائق تتطلب الكثير من الحكمة حتى يهتدي البشر الفانون أمثالنا إليها، خاصةً وأن جماهير برشلونة مفرطة في الرفاهية إلى تلك الدرجة.
حسناً، فالفيردي بريء بشكل أو بآخر وهذه هي الحقيقة، بل مظلوم إلى حد ما، حين يصنع الفريق 25 فرصة للتسجيل أمام ليون وتنتهي المباراة بالتعادل السلبي فيتعرض الرجل للسب الموتور بناءً على حصيلته التراكمية فهذا ليس عدلاً، ولكننا عادةً ما نقسو على فالفيردي أكثر من اللازم، أو بالأحرى نمنحه أكبر من حجمه الحقيقي حين لا نسأل السؤال الصحيح: كيف وصل هذا الرجل إلى مقعد مدرب برشلونة من الأصل؟
صيف 2012.. ساندرو روسيل يصل إلى رئاسة برشلونة، خلافات طفيفة مع جوارديولا بعد حقبة تاريخية أدت لقراره بالرحيل مع خسارة لقب الليجا لأول مرة في 4 سنوات، الرئيس الجديد يطيح بعراب النادي كرويف من منصبه كرئيس شرفي إيذاناً ببدء حقبة جديدة على أسس ممنهجة، مثل توفير المزيد للمال من النادي على حساب شعار يونيسيف وهي خطوة مالية هامة للغاية، كان هذا آخر شيء جيد -من الناحية العملية- فعله روسيل تقريباً..
ذاك الطاعون الذي بات على عرش النادي فتح باباً لم يُغلق إلى يومنا هذا، صحيح أنه حاول عدم العبث في المنظومة الكروية بشكل مؤقت، ليحل تيتو فيلانوفا مساعد بيب خلفاً له، إلا أن سرطان الجسد لم يمنحه ولاية عادلة يجوز تقييمه على أساسها، تاركاً البلوجرانا بين يدي السرطان الإداري.
هل يذكر أحدكم مؤهلات تاتا مارتينو لتولي قيادة برشلونة في ذلك الوقت؟ باراجواي، التي وصل بها إلى نهائي كوبا أمريكا بكم أسطوري من التعادلات والفوز بركلات الترجيح، يبدو كتوافق مثالي مع فلسفة برشلونة للوهلة الأولى أليس كذلك؟ إنه أيضاً أرجنتيني ويقولون أن ميسي يحبه، هذا هو ذوقي.
الطريف أن تلك الرحلة قد انتهت سريعاً على تفاصيل هامشية، رأسية جودين، هروب بيل الشهير، لقطة واحدة في كل مرة أضاعت لقباً ممكناً بالتزامن مع أحد أسوأ مواسم ميسي على الإطلاق إن لم يكن الأسوأ، والآن هيا إلى الآلية الجديدة للاختيار: لويس إنريكي.
ولدنا اللوتشو، شخص محب للكرة الهجومية ويملك ما يسموه بالحمض النووي، وقدر ما أحببنا إنريكي أو كرهناه، فإنه بمباركة تلك الإدارة ومجبر أخاك لا بطل كان المسمار الأول في نعش المنظومة التي عرفناها، راكيتيتش بدلاً من تشافي لحماية انطلاقات ألفيش المتراجع بدنياً خطوة تلك الأخرى، خط الوسط الذي كان عماد الفريق بات مجرد كومبارس في حضور ثلاثية MSN.
حققت تلك المنظومة الجديدة نجاحات كبيرة للغاية بعيداً عن نصف موسمها الأول وموسمها الأخير إجمالاً، وفرت الكرة الهجومية الممتعة التي كان يحبها الكتلان، ولكن كما نعلم أين يذهب من أراد المتعة وفقاً للسيد ماكس أليجري، فإن نيمار ظن نفسه في هذا الموسم يلعب في السيرك حقاً، في أفشل محاولة ممكنة للانقضاض على عرش ميسي، بات البرازيلي هو كل ما كان يكرهه كرويف في لاعب كرة القدم المهاري.
على ذكر نيمار، نسينا إخباركم أن روسيل قد استقال بالفعل على خلفية الفضيحة الأولى والشهيرة في تلك الصفقة، حل نائبه العظيم جوسيب ماريا بارتوميو بدلاً منه، ولاحقاً عوقب الفريق بالحرمان من الانتقالات بسبب كوارث إجرائية في لاماسيا، ولكن الانتخابات التي تم تقديمها عاماً قد تصادفت مع عام الثلاثية، فهرع الأعضاء يبايعون السيد بارتوميو على حساب خوان لابورتا حتى 2021، لتسفر تلك المأساة عن واحد من أروع أسواق الانتقالات في تاريخ البارسا الحديث: أردا توران وأليكس فيدال.
رحل إنريكي، ورحل نيمار بعد أن عامل الإدارة على أنها مجموعة من الدمى، ولا يمكن لومه ففي هذا الأمر جانب من الحقيقة إن أمعنت النظر. رحل زوبيزاريتا أيضاً عن منصبه كمدير رياضي وبدأت حقبة بيب سيجورا أيضاً وحدث ولا حرج: أندريه جوميز، باولينيو، كيفن برينس بواتينج والمزيد.
طبعاً لن نحاول منح المزيد من التفسيرات بشأن صفقة باولينيو، ولا تصادفها مع أعمال بارتوميو في الصين، ولا صدفة عودته لنفس النادي الذي أتى منه في العام التالي، ولا أصلاً ما الذي يدفع برشلونة للتعاقد مع لاعب من الدوري الصيني لأنه ببساطة لا يوجد أي منهجية كروية تقر مثل هذا التعاقد لنادي ينافس على أعلى المستويات، وهذا هو مربط الفرس: الكرة هي آخر أولويات تلك الإدارة في الصفقات الكروية.
في ظل هذا الهراء أتى فالفيردي، مدرب أتلتيك بلباو الذي ما كان ليحلم بتلك الفرصة، الرجل الوديع الذي لا يملك كلمة في سوق الانتقالات، ولا يملك كلمة أصلاً لفرضها سوى إخبار بييكيه حين طالبه بالهجوم أمام روما في تلك الليلة الكارثية الشهيرة:"أنا المدرب هنا".. حقاً؟ كدنا ننسى هذا الأمر، فتلك ليلة لا يتحملها سواك مهما كانت كل الظروف التي استفضنا بها الآن.
لاعب مثل باولينيو لا يجب أن يلعب في برشلونة، بديهيات، ولكن السيد إرنستو أحبه بشدة، لأنه كان ملائماً إلى أقصى حد لهذا الهجين المشوه الذي شاهدناه بالموسم الماضي، والذي يحاول عبثاً إصلاحه هذا الموسم قدر استطاعته، ولكن هنا تكمن مشكلة أخرى، هذا هو قدر استطاعة مدرب متوسط في الفرق الكبيرة.
الصدع يبدأ من أعلى، إذ أنه من بديهيات الإدارة الكروية الناجحة أن يكون لها نهجاً تأتي بمدرب على أساسه ليطبقه بشكل جيد وتوفر له الأدوات الملائمة في تناغم تام، أو ألا يكون لها نهجاً بعينه، فتتعاقد مع مدرب يمثل نهجاً بحد ذاته، يتوافق قدر الإمكان مع طبيعة القائمة الموجودة، ثم تدعمه بما يتناسب مع تدعيم أسلوبه.
في حالتنا تلك نحن نتحدث عن إدارة لا تملك نهجاً كروياً من الأصل، بل أتت لتدمير النهج الكروي الموجود بالفعل، ليحل بدلاً منه نهجاً مالياً مشبوهاً، ولا يوجد ما هو أنسب من مدرب وديع ما كان ليحلم بتلك الفرصة، ليرضى بما يأتيه صاغراً ويحاول الخروج منه بأفضل مردود ممكن وفقاً لقدراته الشخصية المتواضعة بالفعل، لهذا استقدموه ولهذا جددوا عقده، ولهذا فقط هو مرشح للاستمرار، وبكل أسف، لا تضعوا أي آمال سوى على لاعبيكم، فلا يوجد أي شيء مرشح للتغير قبل الانتخابات المقبلة، أحيانا الله وأحياكم إلى صيف 2021.