نزار حيدر
أَخطر ما يواجهُ مجتمعنا الْيَوْم هو تفكُّك وانهيار المنظُومة القيميَّة وهو الخطر الذي حذَّر مِنْهُ الخطاب المرجعي الأَخير على لسانِ سماحة السيِّد أَحمد الصَّاقي في خُطبةِ الجُمعة في العتبةِ الحُسينيَّة المُقدَّسة!.
وأَخطر مِنْهُ هو أَن يتحوَّل الخِطاب المرجعي هذا إِلى عادةٍ اسبوعيَّةٍ فحسب مِن دونِ أَن تترُكَ أَيَّ أَثرٍ ملموسٍ على أَرضِ الواقعِ! أَو إِلى قطعةٍ أَدبيَّةٍ فنيَّةٍ يتغنَّى بها المُتلقُّون من دونِ أَن يأخذُوا بهِ بجديَّةٍ لدرءِ المخاطرِ وإِيجادِ الحلولِ النَّاجعة للمشاكلِ التي يطرحها أَو للأَخذِ بالرُّؤى التي يقدِّمها كلَّ أُسبوعٍ من أَجلِ مُستقبلٍ أَفضل!.
أَو أَن يتحوَّلَ إِلى مُتنفَّسٍ!.
ولقد زادَ قلقي من هذا الخطاب وأَنا أَقرأُ بحثاً في غايةِ الخُطورةِ عن الإِنهيار الحضاري وأَسبابهُ والتي نلمس الكثير منها في مجتمعِنا بشَكلٍ كبيرٍ وواضحٍ.
إِنَّ مهمَّة التصدِّي لخطرِ الإِنهيار القِيَمي الذي تحدَّث عَنْهُ الخطاب المرجعي بالتَّفصيل مسؤُوليَّة الجميع فلا يُستثنى من تحمُّلها أَحدٌ فآثارهُ المدمِّرة تُصيبُ الجميع ولا تستثني أَحداً.
أَمَّا الأَسباب التي أَنتجت كلَّ كذلكَ فهي كما يلي؛
أ/ العمائِم الفاسِدة وهي أَخطر الأَسباب ولذلك قَالَ عنها الحديث الشَّريف {إِذا فسَدَ العالِمُ فسدَ العالَمُ} وهي الْيَوْم السَّبب المُباشر لانتشارِ ظاهرةِ الإِلحادِ في المُجتمعِ.
والعمائمُ الفاسِدةُ على نوعَينِ؛
الأَوَّل؛ هي التي اتَّخذت من الدِّينِ مصدرَ إِرتزاقٍ فهي تُتاجرُ بهِ ولا عليها بعدَ ذَلِكَ ما الذي سيحصل في المُجتمع!.
ولذلكَ فهي قد تعمدُ إِلى تبنِّي العقائد الفاسِدة أَو تنتهج لُغة الخُرافات والمَنامات واللُّغة الطائفيَّة للإِثارةِ من أَجلِ الكسبِ غَير المشروع.
ومِن علاماتِها؛ ثقافتَها [الدينيَّة] الهابِطة وسلوكيَّاتَها المُنحرفة وغَير السويَّة في المُجتمعِ!.
وللأَسفِ الشَّديد فإِنَّ مُجتمعنا يطرب لمثلِ هذه اللُّغة ولذلك تراهُ يلتفَّ حولَها ويتبرَّع لها ويُنفقُ عليها! وهو بذلكَ شريكٌ أَساسيٌّ في توسيعِ وجودِها وتضخيمِ دَورها المشبوه في المُجتمع!.
الثَّاني؛ هي التي تبحث عن الشُّهرة من خلالِ الطَّعن بالدِّين وأُصولهِ وبفقهائهِ الحقيقيِّين وعلمائهِ الربانيِّين في محاولةٍ منهم للتستُّر بهِم لتبريرِ فسادِها!.
وكلُّنا يطَّلع بينَ الفينةِ والأُخرى عن حملاتِ الطَّعنِ والتَّسقيطِ والتَّعريضِ التي يتعرَّض لها المراجعُ العِظام وعلى رأسهِم المرجعُ الأَعلى تارةً بإِسمِ التجديدِ والتَّحديثِ وأُخرى بإِسم الإِصلاحِ! وهي محاولاتٌ بائسةٌ الغرض منها تحطيمِ آخِر السُّدود التي تقف بوجهِ الإِنهيار القِيَمي المُتَوقَّع!.
٢/ السياسيِّون الفاسدُون والفاشلون الذين يدفعُونَ بالمُجتمعِ دفعاً إِلى حافَّة اليأس قَبْلَ الإِنهيار! وأَخصُّ منهم [الإِسلامَويُّون] أَو مَن يُطلق عليهم تسمية [التيَّار الدِّيني] الذي أَضرَّ بالدِّين أَكثر من أَشدِّ أَعدائهِ، فأُولئكَ مفضوحونَ معروفونَ مكشوفونَ! أَمَّا هؤُلاء فمُتستِّرونَ يُحاربونَ الدِّينَ بالدِّينِ والمذهبَ بالمذهبِ وعليّاً (ع) بعليٍّ (ع) يوظِّفونَ تاريخهُم وشُهدائهُم و [خِدمتهُم الجهاديَّة] لسرقةِ البلادِ وتدميرِها حتَّى ظهرَ الفسادُ في البرِّ والبحرِ بِما لم يشهدهُ العراقُ من قَبْلُ!.
٣/ وهو أَخطرُ الأَسباب؛
تحوُّل المسؤُوليَّة إِلى كُرَةٍ يتقاذفها الجميع فيما بينهُم، فالحكومةُ تحمِّل الشَّعب المسؤُوليَّة والأَخير يحمِّل الحَوزة العلميَّة المسؤُوليَّة وهكذا، في محاولةٍ للتهرُّب من المسؤُوليَّة أَو حصرِها في فِئةٍ دونَ أُخرى!.
ولقد عالجَ الخطابُ المرجعي الأَخير هذا الأَمرُ لافتاً عِناية الجميع إِلى حقيقةِ أَن يتحمَّلَ الكلُّ المسؤُوليَّة ولا مناصَّ من الهربِ فالكلُّ يجبُ أَن يتحمَّلَ قِسطاً منها، كلٌّ حسْبَ موقعهِ ودَورهِ والإِمكانيَّات التي تحتَ يدَيهِ!.
أَمَّا الحلُول المُقترحةِ؛
أ/ فضح العمائِم الفاسِدة وتعريتَها لعزلِها عن المُجتمع ومُقاطعتِها وعدم منحِها فُرصة التغوُّل.
ب/ أَن يكونَ خطابُ العمائم الطَّاهرة والنقيَّة، التَّنويري والعصري والحَضاري، هو الأَعلى في المُجتمع لتقديمِ خطابٍ رساليٍّ أَصيلٍ يعتمدُ المنطق والحِوار والجدالِ بالحكمةِ والمَوعظةِ الحَسنةِ بدلاً عن التَّهريجِ والتَّسطيحِ الذي نسمعهُ من أَنصافِ المُعمَّمين!.
٣/ كذلكَ ينبغي تعريةَ فسادِ وفشلِ السياسيِّين بغضِّ النَّظر عن خلفيَّاتهِم [الدينيَّة] و [الحزبيَّة] وتاريخهِم و [خدماتهِم الجهاديَّة] التي تحوَّلت الْيَوْم إِلى ذريعةٍ لتبريرِ الفسادِ والفشلِ! والسَّعي لإِزاحتهِم عن السُّلطةِ وإِستبدالهِم بعناصِرَ أَفضل بعدَ أَن ثبُتَ بأَنَّهُم لن يُغيِّروا ولن يتغيَّروا!.
٤/ أَن تتشكَّل لجان متخصِّصة من العُلماء والباحثين والمفكِّرين لدراسةِ المخاطر التي يتعرَّض لها مجتمعنا والحلولِ المُناسِبةِ لكلِّ واحدةٍ منها.
كما ينبغي دراسة كلِّ ما يرِدُ في الخطابِ المرجعي أسبوعيّاً لتفكيكهِ وتحديدِ التحدِّيات والحلول المُقترحة بعد أَن ثبُت لكلِّ ذي عَينٍ بصيرةٍ أَنَّهُ الخطاب الأَكثرُ حِكمةً وعقلانيَّةً وحِرصاً على البلادِ والعِبادِ!.
للأَسفِ الشَّديد فلقد خسرنا الكثير من الفُرص وعلى مُختلف الأَصعدة والتي توقَّف عندها الخطابُ المرجعي على مدى السَّنوات الـ [١٦] الماضية بسببِ عدم إيلائِها الإِهتمام اللَّازم والمُناسب من قِبل المعنيِّين في كلِّ فرصةٍ من تلك الفُرص كلاً حسب اختصاصهِ واهتمامهِ ومساحةِ ومجالِ نشاطهِ!.
٢٣ شباط ٢٠١٩