بقلم/ سليم الحسني
ذكرت في مقالي السابق (محمد رضا السيستاني، أنا القرار) حادثة جرت بينه وبين عدد من أعضاء مجلس الحكم، وفيها هددهم محمد رضا بقوله:
(بقصاصة صغيرة أستطيع أن أحرّك الشارع ضدكم).
سأوضح في هذا المقال تفاصيل تلك الحادثة، حيث شكك البعض بها، واستغلها الجنود الالكترونيون للدفاع عن مشغّلهم.
كان الاجتماع مخصصاً لمناقشة تطورات العملية السياسية والاستعداد لأول انتخابات في العراق لتشكيل الجمعية الوطنية وكتابة الدستور، وقد أراد محمد رضا السيستاني أن يفرض آراءه الشخصية على الوفد، مستغلاً اسم والده المرجع الأعلى.
خلال النقاش ثار غضب محمد رضا، وهددهم بتلك العبارة المتشنجة، وفيها كشف عن نزعته التسلطية. سكت الحاضرون أمام غضب محمد رضا وتهديده، لكن الأستاذ الشهيد عز الدين سليم (أبو ياسين) أوضح له بأن شؤون السياسة لا تؤخذ بهذه الطريقة، وأن هذه مرحلة صعبة وحساسة، والمطلوب خدمة العراق وتقديم أفضل ما يمكن للمواطن العراقي من حيث ترتيب شكل النظام السياسي ودستوره، وضرورة حفظ الشيعة ومستقبلهم من المخاطر، بعد فترات الظلم والتهميش التي تعرضوا لها.
وقد كان الشهيد الأستاذ عز الدين سليم يؤكد في كلامه على ضرورة حفظ مقام المرجعية، باعتبارها أهم مواقع الشيعة وقيادتهم العليا، وعدم تورطيها في مواقف سياسية تفصيلية تؤثر على سمعتها ودورها ورمزيتها وتأثيرها في المواقف الكبيرة.
لم يكن كلام الشهيد رحمه الله، يناسب توجهات ومزاج السيد محمد رضا، لقد سيطرت على السيد الابن فكرة أن يكون هو المتحكم بالأوضاع الدينية والسياسية، وأن تكون كلمته هي المتسيدة. وهو استغلال غير لائق لمكانة والده المرجع الأعلى وتوجهاته الأبوية وحكمته الكبيرة التي عُرف بها السيد السيستاني.
ومع أن الشهيد عز الدين سليم رحمه الله، كانت له منزلته الرفيعة في الوسط السياسي والفكري التي يحترمها الجميع، ورغم اعتماده اللغة الموضوعية في الحوار، وتمسكه بالحرص على الوطن والمواطن وعلى مكانة المرجعية، إلا محمد رضا السيستاني رفض طرحه الذي تميز ببعد النظر والواقعية، وواصل غضبه، وفسح لانفعاله أن يملأ الغرفة، وكأنه يريد أن يقول للحاضرين: أنا صاحب القرار والبلاد والعباد.
تركتْ تلك الحادثة أثرها في نفس السيد محمد بحر العلوم رحمه الله وكان أحد الحاضرين في الاجتماع، فأشار لها في مقال كتبه بعد استشهاد الاستاذ عز الدين سليم بعنوان:
(عزالدين سليم علامة شاخصة في موكب المجد والخلود) وقد جاءت فيه هذه الفقرة التي يشير فيها الى الحادثة، وصعوبة الحوار مع السيد محمد رضا:
(والتخوف من (سادتنا) يزيد في المأساة، ويثير القتام، وهو الفاجعة من خسارة الموقع الذي كنا نحلم به. في خضم هذه العسرة، يعيش فقيدنا (طيب الله ثراه) ولا أكتم سراً إذا قلت كان أجرأنا في قولة الحق، ومصارحة الآخرين بالحقيقة المرة التي نعانيها، كما لا يهاب غضب أحد، ولا يخشى مورداً ينقطع عنه، انه صلب وصادق في قوله، مهما كان الطرف المقابل، فالمشكلة التي تجابهنا (نحن خاصة) أبالغ إنها بلغت العد العكسي في المضمار السياسي، ومن لا يعترف بذلك فهو مغالط للحقيقة). انتهى الاقتباس من مقال الدكتور السيد محمد بحر العلوم رحمه الله.
ولكي يُعزّز السيد محمد رضا تسلطه على القيادات السياسية الشيعية، فانه منع قائمة الشهيد عز الدين سليم، من الدخول في الائتلاف الوطني، أي أنه أراد أن يجعل ذلك درساً لمن يخالف رأيه، أو حتى يناقشه في وجهة نظر.
هكذا وضع محمد رضا السيستاني قيادات الشيعة، تحت سلطته الغاضبة، فمن يعترض عليه يدفع الثمن ثقيلاً، ومن لا يخضع لإرادته فعليه أن يطوي أوراقه ويواجه الإقصاء، وأن النقاش والحوار معصية أبدية.
بهذا المنهج من التعامل، صار محمد رضا صانع القرار في تثبيت رؤساء الوزراء، وفي إبعادهم، وفي اختيار من يراه طائعاً مسلّماً له، كما فعل مع عادل عبد المهدي.
ملاحظة: تفاصيل دور محمد رضا السيستاني في تخريب المشهد السياسي الشيعي، وفي تسببه بأزمات كبيرة، هي تفاصيل طويلة، وفي المقابل فان عمليات التشويش والضغط عليّ متواصلة للتوقف، أعدكم بأني سأستمر بعون الله.