إميل أمين يكتب: كوشنير.. صفقة الأوهام لا السلام

آخر تحديث 2019-03-09 00:00:00 - المصدر: قناة الغد

لماذا تصر إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على التلاعب بمقدرات القضية الفلسطينية على هذ النحو المثير الذي نراه من حولنا يوما تلو الآخر؟.. ثم أليس من المحبط أن تواكب جولة جاريد كوشنير صهر ترامب والرجل المعقود في رقبته حديث صفقة القرن الأمريكية لسلام مع قرار أمريكي جديد يزيد من الضغوطات النفسية  على الشعب المحتلة أراضيه في الداخل والمقهور تجاه مقدساته وما يدور من حولها..؟!

التساؤلات في واقع الحال عديدة. وتبدأ من عند تصريحات كوشنير على هامش جولته الأخيرة في الشرق الأوسط للترويج لصفقته المدعاة، على الرغم من أن كافة التحليلات العربية والدولية أجمعت على أن الرجل لم يكن يسعى إلا للحصول على التمويل اللازم لتحويل الصفقة إلى قضية إقتصادية، وصرف النظر عن كونها قضية إنسانية وأرض محتلة وصراع وجود وليس حدود.

في تصريحاته الأخيرة يذهب كوشنير إلى أنه خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية لم تتغير الأوضاع كثيرًا، وأن ما حاولت إدارة ترامب فعله هو صياغة حلول تكون واقعية وعادلة لهذه القضايا في عام 2019، ومن شأنها أن تسمح للناس بعيش حياة أفضل.

يعن لنا التساؤل: هل الدور الأمريكي ميسر ومحفز في طريق السلام أم محبط ومثبط ؟

مع زيارة كوشنير كانت وزارة الخارجية الأمريكية تعلن عن أن القنصلية الأمريكية في القدس التي تخدم الفلسطينيين سوف تندمج مع السفارة الأمريكية الجديدة في إسرائيل، والأكثر إثارة للسخط أن الإعلان يؤكد على أن دمج القنصلية في السفارة داخل القدس لا يشير إلى تغيير في سياسة واشنطن بشأن المدينة.. بأي لسان يتحدث الأمريكيون؟ وأي تغيير بعد الإعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل من جهة وبنقل السفارة الأمريكية إليها من جهة ثانية؟.. ثم هل في الأمر نوع من أنواع الإذلال الأدبي والمعنوي للشعب الفلسطيني ووضعه صباح مساء كل يوم أمام حقيقة السفارة الجديدة في قلب القدس؟.

أحرج الاتحاد الأوروبي الجانب الأمريكي بشكل كبير في أعقاب القرار الأخير، وذلك حين أكد المتحدث باسمه شادي عثمان لـ “تلفزيون فلسطين” بأن الاتحاد متمسك بموقف الدول الأوروبية الذي يؤكد أن القدس الشرقية أرض محتلة وموقفه لن يتغير..  والمعروف حتى الآن أن هناك إجماعًا أوروبيًا على التزام الدول الأوروبية بعدم نقل أي من مقراتها إلى القدس، وهذا تأكيد على الموقف الدائم للاتحاد الملتزم بقرارات الشرعية، والذي ينادي بإيجاد حل عادل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي بناء على هذه القرارات، خاصة فيما يتعلق بمدينة القدس.

مهما يكن من أمر فإن العودة إلى خطوط طول وعرض صفقة كوشنير كما أشار إليها تدهش القاصي والداني، سيما وأنها في أفضل الأحوال ليست إلا إرهاصات كلامية لا علاقة لها بحال من الأحوال بالسلام الحقيقي.

المبادئ التي جاء بها كوشنير وتحدث عنها لا تخرج عن أربعة وهي: الحرية، الفرص، الدين والعبادة، والاحترام والأمن. وتابع يقول: “ينبغي أن تكون كرامة الناس مصانة وأن يحترموا بعضهم البعض ويستفيدوا من الفرص المتاحة لتحسين حياتهم من دون السماح لنزاعات الأجداد باختطاف مستقبل أطفالهم”.

ومع كل الاحترام الكامل والشامل لما جاء به كوشنير، لكن من الواضح أن الرجل يدور حول المعضل الرئيس ولا يقترب منه، ويناور ويداور ولا يعطي حلولا، أما الإشكالية الحقيقية فهي أنه يتعاطى مع الهوامش ويتغاضى عامدا عن الدخول في عمق المتن، ولم يقترب من جذور الإشكال أي الإحتلال والأراضي المحتلة واللاجئين والمستوطنات والمياه والقدس، والأخيرة زادت إدارة ترامب من كارثية مشهد الصراع من جراء قراراتها بشأنها.

ما جاء به كوشنير في واقع الحال لا يغدو كونه حملة علاقات عامة، ربما تخدم الرئيس ترامب المأزوم سياسيا في الداخل الأمريكي إلى أقصى حد ومد، سيما وأن تحقيقات موللر تكاد تقترب من رقبته، والرجل من جهة ثانية يسعى جاهدا لنيل حظوظ الترشح لولاية رئاسية ثانية في 2020، وهذا ما يتبدى جليا من تصريحات الصهر.

يعترف كوشنير بأن الجانب الأمريكي لم يتمكن من إقناع الشعبين بتقديم تنازلات، ولهذا لم يركز الجانب الأمريكي على القضايا، بل كان التركيز الأهم  حسب وصفه على ما يمنع الشعب الإسرائيلي من الاندماج بشكل ملائم في المنطقة بأكملها.

وعند كوشنير أيضا أنه “إذا نظرنا إلى المنطقة برمتها نرى أن هناك الكثير من الفرص وتهديدات كثيرة في المقابل، ومن خلال جمع مختلف الأطراف نأمل في التوصل الى مقاربة جديدة”.

لا يفهم المرء دلالة كلمات كوشنير الغامضة التي جاء فيها: “ان الخطة السياسية مفصلة جدا، وتركز على ترسيم الحدود وحل قضايا الوضع النهائي، لكن الهدف من حل قضية الحدود هو القضاء على هذه الحدود، وإذا  تمكنا  من إزالة الحدود وإحلال السلام بعيدا عن الترهيب، يمكن أن يضمن ذلك التدفق الحر للناس والسلع، ويؤدي إلى إيجاد فرص جديدة”.

يفكر كوشنير بعقلية الماركنتلية الأمريكية وليس أكثر من خلال تغليب المسار الاقتصادي على أي مقاربة حقيقية لوطن وأراض محتلة، ويتناسى عمدا ومن جديد أي أحاديث تنطلق من طرح الدولتين، ما يعني أن فكرة وجود وقيام دولة فلسطينية مستقلة موضوع يتم تذويبه في وسط خضم الصراع الإقتصادي، الأمر الذي لن يقبل به حكما الجانب الفلسطيني وبنفس القدر سوف يرفضه العالم العربي وفي القلب منه الرافضين لوضع  مدينة القدس حسب رؤية ترامب، ويتمسكون بكونها أراض عربية مقدسة لا تقبل المساومات من جهة، وأراض محتلة وفقا للقانون الدولي من جانب آخر، وتجد اعترافا بهذه الوضعية من قوى دولية وتكتلات جغرافية مثل الاتحاد الأوروبي، والمجموعة الآسيوية وفي مقدمتها الصين وروسيا والهند.

بعقلية صناع العقارات ومروجيها يتعاطى ترامب وكوشنير مع القضية الفلسطينية، ومن خلفهم نتانياهو الساعي للدخول في عمق العالم العربي من خلال تطبيع سريع ومجاني، الأمر الذي فضحته تصريحات الأمير تركي بن فيصل بن عبد العزيز مدير الإستخبارات السعودية والسفير الأمريكي السابق لدى واشنطن، ففي تصريحات للرجل لبعض وسائل الإعلام الإسرائيلية أشار إلى أن نتانياهو يخدع الجماهير الإسرائيلية عبر الإدعاء بأن العلاقات الإسرائيلية مع العالم العربي يمكن أن تتحسن من دون حل للقضية الفلسطينية، وعليه فإنه لايجب أن يخدع رئيس الوزراء شعبة ليعتقد أن القضية الفلسطينية قضية ميتة.

ماذا عن الوضع في إسرائيل؟.. وكيف ينظر اليمين الإسرائيلي بنوع خاص للصفقة الجديدة المزعومة؟.

خذ إليك على سبيل المثال ما كتبه الصحافي الإسرائيلي شلومو شمير  في صحيفة يديعوت أحرونوت في الرابع من مارس/ آذار الجاري، إذ أشار إلى أن خطة السلام للرئيس ترامب فاشلة قبل أن تخرج غلى هواء العالم ، وانه إذا كان كوشنير وغرينبلات يعتقدان أن تأجيل صفقة القرن إلى ما بعد الإنتخابات في البلاد سيساعد في قبولها فإنهم مخطئون، وأن الواقع السياسي في إسرائيل والوضع في القيادة الفلسطينية، والمزاج في أوساط زعماء الدول العربية  المعتدلة ولا سيما في الخليج ، تشكك مسبقا بكل إحتمال لذرة توافق حول الصفقة بحيث تؤدي إلى إنهاء النزاع.

اما اليمين الإسرائيلي  فإنه لا يداري ولا يواري توجهاته، فقد انتقد نفتالي بينيت وزير التعليم الإسرائيلي وزعيم حزب البيت اليهودي خطة السلام التي تعمل عليها إدارة  ترامب، ووصفها بـ “الخطر المباشر” الذي يهدد إسرائيل. وقد صرح  في مقابلة تليفزيونية له بأن الخطة سوف تشمل ترسيم الحدود وحل قضايا الوضع النهائي، وأنه يوجد خطر واضح وفوري نراه مباشرة أمام أعيننا ويكمن في تأسيس دولة فلسطينية، متهما نتانياهو بالموافقة على الخطة.

هل يظن ترامب وكوشنر وغرينبلات أن الانتظار إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية في أوائل إبريل المقبل كفيلة بحل نزاع طال أكثر من سبعة عقود؟.

في تصريحات لمسؤل أمريكي لصحيفة هأرتس الاسرائيلية يقول: “إننا ما نزال ملتزمين بالإفصاح عن خطتنا للسلام والتي نعتقد أنها ستزود الجانبين برؤية للسلام وفرصة لمستقبل أكثر إشراقا، وبينما نشعر بأن خطتنا عادلة وواقعية وقابلة للتنفيذ، إلا أننا لا نتجاهل التحديات التي نواجهها، وإذا كانت هذه مشكلة سهلة الإصلاح لكان قد تم حلها منذ وقت طويل، وفي النهاية سيكون الأمر متروكا للطرفين للتفاوض على إتفاق سلام نهائي”.

أي اتفاق وأية صفقة قرن؟!.. وهل هو قرننا الحالي أم القرن الـ 22؟.

الولايات المتحدة الأمريكية بدأت في الإنشغال عمليا بانتخابات الرئاسة  2020 ، ولن يوجد في إسرائيل من هو متعجل لصفقة ترامب، والأخير بدوره يهمه موقعه وموضعه في الداخل الأمريكي، ولتذهب صراعات الشرق الأوسط الى ما شاء لها أن تذهب.. جولة كوشنر لم تكن إلا تسويف للوقت وعرض للأوهام لا سعي للسلام.