سلط تقرير نشرته منظمة internews المدنية على تفاصيل جديدة لحادثة احتراق دار الإيواء للمشردات في الأعظمية شمال بغداد قبل فترة.
التقرير الذي أعده الصحفي "علي جميل" يستند الى أقوال ناجية وحيدة من حادثة حريق ببغداد في الأيام الأولى من العام الحالي، حيث عن تفاصيل لم يكن من الممكن التكهن بحدوثها في دار لإيواء المشردات.
وروت الناجية (ز.) تفاصيل الحريق بمنطقة الأعظمية شمال العاصمة بغداد لوزير العمل والشؤون الاجتماعية باسم عبد زمان مجيد الربيعي بمرافقة المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء سعد معن في مركز شرطة زيونة وسط العاصمة بغداد، ما حدث داخل المركز ويداها ترتعشان. لقد بدت أنها في حالة خوف شديد، أظهرتها حركة يديها وتعبيراتها، وكانت واضحة محاولاتها لتبرئة نفسها خوفا من العقاب، فهي لازالت في العقد الثاني من عمرها وكبرت في دار الإيواء وتخاف كل شيء.
تقول (ز.) إن حادثة الحريق بدأت "باتفاق النزيلات على وضع حد للسكوت عن حقهن في الخروج من الدار وتلبية مطالبهن، لقد قصدن الضغط وليس الانتحار، إنما رافق تطور الأحداث التي بدأت باحتجاج وغلق مدخل غرفة المبيت بالأَسرة، حرق مادة الاسفنج ورميها من نافذة تم تكسيرها أثناء الحادث، وقد حصلن على قداحة لإشعال النار قبل يوم من الحريق من خلال شخص، وهددن حراس الدار بالضرب والقتل، ورشوا الغرفة بمادة الإطفاء لإجبارنا على الخروج، شعرت أنا والفتيات الأخريات بالاختناق رغم أنه لم يكن هناك أية نيران داخل الغرفة".
لم تشترك (ز.) في تلك الأعمال حسب قولها، إنما تم اجبارها على البقاء معهن رغم انها طالبت الخروج أكثر من مرة، لقد حاول أحد القائمين على الدار انقاذها فاعترضت طريقها احدى الفتيات وخدشت عنقها بـشفرة حادة كانت تمتلكها، "فقمت بدفعها وسلمت نفسي للحراس الذين سحبوني الى الخارج، لكن رفضت الفتيات الأخريات الخروج واخترن الاختناق والموت حرقا بدل تسليم أنفسهن الى حراس الدار".
لم يسعف وصول عناصر الدفاع المدني من كن في الغرفة المشتعلة، واللاتي تتراوح أعمارهن ما بين 14 و17 عاما ولم يبق منهم سوى ست جثث متفحمة إثر حريق بمواد شديدة الاحتراق وتم نقلها الى الطب العدلي، وتم إخلاء الدار من بقية النزيلات البالغ عددهن نحو 59 نزيلة الى دار أخرى للإيواء كما يقول مدير عام صحة بغداد عبد الغني سعدون الساعدي.
انتحار جماعي أم ماذا؟
رغم اعتقال مديرة الدار مع عدد من الحراس لغرض التحقيق معهم والكشف عن دوافع الحادث إن كان جنائيا أو خطأ، رجحت السلطات المحلية بأن الحادثة هي انتحار جماعي، وجاء انتحار فتيات وفق وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ووزارة الداخلية العراقية اللتين تشتركان في رعاية الدار والإشراف عليها رسميا "نتيجة الاكتئاب وتدهور حالتهن النفسية، كن دائبات على إثارة المشاكل وتدبير أعمال شغب".
ولم يكن العراق ضمن قائمة الدول، 104 دولة، التي تنتشر فيها ظاهرة الانتحار، الا أن المفوضية العليا لحقوق الانسان في البلاد سجلت أرقاما لا يمكن ابقاؤها طي الكتمان، ففي عام 2013 وصل عدد الذين اختاروا الانتحار نهاية لحياتهم الى 500 حالة في المحافظات الجنوبية تقدمتها محافظة ذي قار، وانخفض العدد وفقا للمفوضية إلى 251 حالة عام 2016، وكان للنساء الحصة الأكبر بين المنتحرين بسبب العنف القائم على اساس النوع الاجتماعي. وتضيف المفوضية، بإن أغلب حالات الانتحار منذ العام 2013 تعود لتفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والنفسية.
دور الإيواء، هل هي آمنة؟
تعتبر دار الإيواء الكائنة في منطقة الأعظمية شمال بغداد، الدار الأحدث للنساء والفتيات المشردات، تديره أسراء عبد الحميد، وتعمل فيه تربويات ومشرفات على تربية وإعادة تأهيل الفتيات، تتحدث اسراء عبد الحميد عما تؤكد النتائج الأولية لتحقيقات وزارة الداخلية، مشيرة الى أن "الحريق جاء نتيجة خطة مدبرة سبقتها أعمال شغب قامت بها الفتيات تعبيرا عن امتعاضهن على طريقة إدارة الدار إذ تم رفض السماح لهن بالخروج قبل إعادة تأهيلهن واستحصال موافقة الخروج من قاض".
يروي وكيل وزير العمل فالح العامري، بأن "هؤلاء الفتيات الستة اللواتي لقين مصرعهن معروفات بتمردهن، وقبل يوم من الحادث أحدثوا أعمال شغب بالدار، ونفي نفيا قاطعا اية ضغوط أو استغلال للنزيلات بأي شكل من الأشكال".
وأكد المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء سعد معن، على أن "المعلومات التي تم الحصول عليها من إفادات مديرة الدار والحراس والناجية الوحيدة، تشير الى أن هناك أعمال شغب بدأت باحتجاج لتنتهي بالكارثة، وأن المختبرات الجنائية تعمل بجد لكشف كل الحقائق".
وتتفق جميع الجهات الحكومية على أن النزيلات قمن بإشعال النار في قطع الإسفنج الموجودة في إحدى غرف الطابق الثاني من الدار، مما أدى إلى انتقال النيران بسرعة في أرجاء الغرفة، وانتهت بوفاة ستة وإصابة أخريات.
وتشير مصادر في وزارة العمل إلى أن التصعيد في الحادثة كان بسبب امتلاك إحدى النزيلات قداحة وامتلاك أخرى شفرات حادة، وأن الوزارة في طور البحث عن الشخص الذي أدخل القداحة والشفرات إلى داخل الدار، ذلك ان القوانين تمنع إدخال الآلات الجارحة والقداحات داخل دار تأهيل المشردات.
لمفوضية حقوق الإنسان موقف مغاير لما تم الإفصاح عنه وترى بأن "السبب الرئيسي للكارثة هو الإهمال والتقصير الكبيران وضعف الإدارة، وأن حرس الدار وعناصر الأمن التي استنجدت بهم الدار يتحملون المسؤولية"، وبينت المفوضية بأن "هناك ضغوطات نفسية على النزيلات"، ومنذ بداية الحريق وقفت فاتن الحلفي، وهي عضو لجنة تقصي الحقائق في المفوضية، موقف الشك من الرواية الرسمية لإدارة الدار ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية ووزارة الداخلية.
يتفق نشطاء حقوق الإنسان المستقلون على أن الرواية الرسمية التي تشترك فيها الجهات الحكومية تجاهلت الأسباب والحقائق ولم تر في الحادثة أي ملامة تقع على عاتق المؤسسات التي تتبع لها الدار، فيما أصابع الاتهام تتوجه الى الفتيات.
ويتفق النائب عن تحالف البناء محمد الكربولي مع النشطاء الحقوقيين ولا يستبعد "وجود جريمة جنائية بحق نزيلات دار التأهيل للمشردات في الأعظمية"، داعيا وزارتي الداخلية والعدل إلى الكشف عن نتائج التحقيقات وإعلان الحقائق، كما طالب بإشراك منظمات المجتمع المدني المهتمة بشؤون المرأة في القضية.
صورة مسربة
تضمن مقطع فيديو مسرب من قبل أحد النشطاء في مدينة الأعظمية اللقطات الأولى من الحادثة، ويمكن الاستماع فيه الى كلمات وشتائم تجاه حرس الدار نطقت بها الفتيات. يرجح نشطاء أن سبب تلك الشتائم يرجع الى بيئة الدار التي ترعرعت فيها الفتيات، بينما ذهب آخرون الى ربطها استغلالهن وقصص مؤلمة عن النزيلات في دور إيواء مشابهة يتحدث عنها المدافعون عن حقوق الانسان والصحفيون.
وفي هذا السياق، أفصح الإعلامي ليث الجزائري في برنامج تلفزيوني وأمام المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء سعد معن، عن تسجيلات صوتية من داخل الدار تتكلم عن عمليات سمسرة كبرى تضمنت استغلال وبيع وشراء فتيات في العراق إشارة الى نزيلات في ذات الدار.
وقد بين الجزائري وفقا للتسجيلات التي بحوزته، أن سعر الفتيات يتراوح بين 2000$ الى 8000$ دولار، لأغراض تتنوع بين الدعارة والتشغيل في الكوفيات ومراكز المساج. وأشار الصحفي بأنه مستعد لتقديم تلك الوثائق الى وزارة الداخلية والجهات المعنية.
وتقول الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق النساء والعنف القائم على النوع الاجتماعي زينب الزبيدي بأن "الصمت الذي يحيط بهذه القصص لن يبعد المجتمع عن إسهامه في حياكتها، وأن انتشار العنف القائم على اساس النوع الاجتماعي هو أساس لمجتمع مضطرب تكثر فيه مثل هذه القصص المؤلمة". وترى زينب بأن الإحساس بالعزلة يمكن أن يجعل فتاة بعمر الزهور تفضل العودة للشارع والتعرض لمخاطرة بدلا عن العيش سجينة".