سياسية-كلكامش برس؛ مرّ نحو خمس سنوات على آخر لقاء جمع بين مسؤول أو سياسي عراقي والمرجع الديني الأعلى ، السيد علي السيستاني، وسط حديث عن امتعاض واسع من الأخير لما آلت إليه الأمور في البلاد، خصوصاً بعد اجتياح تنظيم “داعش” العراق، وتصاعد آفة الفساد، وتراجع الخدمات، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة إلى مستويات قياسية.
وأعاد استقبال السيستاني للرئيس الإيراني حسن روحاني أخيراً، وقبله للممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، جانين هنيس – بلاسخارت، الحديث مجدداً في العراق عن سبب استمرار مقاطعة السيستاني للساسة والقادة العراقيين، رغم طلبات عديدة قدمت منهم للاجتماع به.
وكان السيستاني قد رفض منح أي تأييد للكتل السياسية خلال انتخابات البرلمان العام الماضي، في مقابل تأييده ضمناً للتظاهرات الشعبية التي انطلقت في البصرة ومدن عدة جنوب البلاد، تطالب بالخدمات وفرص العمل والقضاء على الفساد.
وخلال الأسابيع الماضية، شهدت خطب الجمعة التي يلقيها بالعادة وكلاء وممثلون عن السيستاني جنوب العراق، انتقادات حادة للوضع في البلاد، وهو ما اعتبر دليلاً آخر على استياء المرجعية الدينية في النجف من الطبقة السياسية الحاكمة.
غير أنّ أكثر من مسؤول وسياسي عراقي يسعى لاعتبار هذا الاستياء موجهاً ضدّ أشخاص أو أحزاب بعينها دون غيرها، وهو ما نفته أخيراً خطب عدة في النجف، اعتبرت أنّ الوضع الحالي يتحمّل مسؤوليته كل المتصدرين للمشهد السياسي.
ومنذ عام 2010، لم تستقبل مرجعية النجف أي سياسي عراقي باستثناء حيدر العبادي حين نُصّب رئيساً للحكومة عام 2014. وبعد 4 سنوات على الزيارة، وفي ما اعتبر توضيحاً متأخراً، قال رئيس الحكومة السابق في مقابلة صحافية العام الماضي إنّ “المرجع السيستاني طلب عام 2014 في رسالة موقعة باسمه وختمه آنذاك، تغيير رئيس الوزراء (نوري المالكي)، وتكليفي بهذا المنصب”.
يقول مصدر قريب من مرجعية النجف، في تصريح صحفي، إن “المرجعية لديها موقف من كل الأجهزة العراقية والحكومية والطبقة السياسية بسبب سوء الأداء السياسي، وهي ترفض استقبال أي وجه سياسي”. وأشار إلى أنّ “المرجعية غاضبة لأنّ التوصية التي أطلقتها قبيل الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والمتعلقة بمبدأ (المجرب لا يجرب)، بالنسبة لتشكيل الحكومة الجديدة، لم يلتزم أي حزب سياسي بها، وتحديداً أي حزب سياسي شيعي. والدليل أنّ هناك شخصيات جُرّبت في السابق، والآن هي في مواقع مهمة في الحكومة، ومنها من سعى لنيل وزارات، وهو احتيال على المرجعية، خصوصاً أنّ الأحزاب كانت قد أعربت عن أنها ستلتزم بهذه التوصية”.
من جهته، قال عضو ائتلاف “دولة القانون”، سعد المطلبي، في حديث مع “العربي الجديد” إنّ “مكتب المرجعية في النجف يرفض لقاء أي سياسي بالسيستاني، لأن الأخير غير راضٍ عن الطبقة السياسية، وهذا الأمر واضح منذ أكثر من ست سنوات”. ولفت المطلبي إلى أنّ “السيستاني لا يريد أن يُوظّف اسمه لصالح الدوائر السياسية، لأنّ الكثير من السياسيين الذين زاروا مكتب المرجعية في السابق نقلوا عنه ما لم يقله، وتحدثوا على لسانه بما يخدم مصالحهم الحزبية، والسيد السيستاني لا يوافق على هذا الأمر، وقطيعته مع السياسيين هي إجراء صحيح”.
بدوره، قال عضو “تيار الحكمة” حبيب الطرفي، في تصريح صحفي، إنّ “الوضع السياسي منذ عام 2003 وإلى الآن، لم يكن بالمستوى المطلوب، والجهود الحزبية والسياسية لم تتمكّن من تقديم أبسط الخدمات للمواطنين، وبالتالي فإنّ عدم استقبال المرجعية لأي سياسي عراقي، هي رسالة واضحة تفيد بالرفض وعدم الرضا”. وأرجع عدم تطور وتحرّك الجهود السياسية في العراق إلى “إرادة إقليمية تريد بقاء الوضع في العراق على ما هو عليه حالياً”.
إلى ذلك، رأى المحلل السياسي العراقي، عبد الله الركابي، أنّ “استقبال المراجع الدينية في العراق لأي شخصية يعتبر تزكية لهذه الشخصية، رغم فشلها سياسياً، ولهذا فإنّ السيستاني يرفض استقبال أي مسؤول أو سياسي عراقي، حتى لا يمنح له تزكية. وفي الغالب يستغل المسؤولون هذه الزيارات لغرض الترويج لأنفسهم، كما يستغلونها انتخابياً، لذلك أغلق السيستاني بابه بوجه المسؤولين”.
وأشار الركابي، إلى أنّ “السيستاني أعلن براءته في غير مرة من أي مسؤول في الحكومة أو حزب أو كيان سياسي، والشعب العراقي يعرف تماماً توجهات المرجعية بشأن الطبقة السياسية الحاكمة، وخطب المرجعية طيلة السنوات الماضية كانت واضحة جداً، وفيها رسائل مباشرة إلى الكتل والأحزاب”.