بقلم: نجاح بيعي
إن زيارة شخصيّة بارزة كشخصيّة "نبيه بري" لسماحة السيد السيستاني (دام ظله) في النجف الأشرف بشكل خاص وللعراق بشكل عام, هي زيارة لها ثقلها ومداليلها على الصعيدين العراقي واللبناني من جهة والمنطقة والعالم من جهة أخرى.
فـ(بري) رئيس مجلس النواب اللبناني كان قد عقب رئيس جمهورية إيران (روحاني) في زيارته للنجف الأشرف في الفترة الأخيرة. وبالرغم من أن كلا الشخصيتين البارزتين مسلمتين (شيعيتين) ويقف كل واحد منهما على طرف مُغاير للطرف الآخر , من ناحية التقليد ومن ناحية مدى تدخل (المرجع الفقيه) في شكل وبناء الدولة.
فـ(بري) من مُقلدي (السيد السيستاني) ولا يجد ضرورة في تدخل (المرجع الفقيه) المباشر في الحياة السياسية والدولة.
و(روحاني) من مقلدي السيد (الخامنئي) وممن يجد ضرورة تدخل (المرجع الفقيه) في الحياة السياسية للأمة. ألا أن سماحة المرجع الأعلى كان قد استقبلهما بعناوينهما الرسمية في بلديهما وليس بعناوين أخرى.
وكما رسم السيد "السيستاني" للرئيس (روحاني) ـ وهو رئيس أعلى سلطة تنفيذية وبيده رسم السياسية الخارجية لإيران ـ بعض المُحددات والمبادئ التي تحكم العلاقة بين الجارة إيران والعراق والمنطقة (أو ما يجب أن يفعله روحاني كرئيس) ومن تلك المُحددات والمبادئ (كما ورد في بيان مكتب سماحته) مثلا ً:
ـ أن تكون (أي خطوة في سبيل تعزيز علاقات العراق بجيرانه ـ ـ وفقا ً لمصالح الطرفين وعلى أساس احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية).
ـ و(ضرورة أن تتسم السياسات الإقليمية والدولية في هذه المنطقة الحساسة بالتوازن والإعتدال لتجنب شعوبها مزيدا ً من المآسي والأضرار).
كذلك فعل سماحته مع الرئيس (بري) الذي هو رئيس أعلى سلطة تشريعية في لبنان, حيث رفد الضيف الزائر ببعض المُحددات والمبادئ التي يجب أن تحكم عمل البرلمان (أو ما يجب أن يفعله بري كرئيس لمجلس النواب اللبناني) الذي بإمكانه أن يؤثر على السياسية الخارجية للبنان ومن تلك المُحددات والمبادئ (كما ورد في بيان مكتب سماحته) مثلا ً:
ـ أكد سماحته على (أهمية أن يعمل الجميع على تثبيت قيم التعايش السلمي المبني على رعاية الحقوق) لجميع المكونات المختلفة والكفيلة بحفظ السلم الأهلي الذي هو اللبنة الأساسية للسلام الحقيقي في لبنان ودولة المنطقة والعالم قاطبة.
وإذا ما ضاربنا ما جاء في بيان مكتب السيد (السيستاني) الصادر يوم الإثنين 1نيسان 2019م مع ما ورد من حديث الرئيس (بري) عبر مؤتمره الصحفي (في ذات اليوم) نجده يتضمن على (3) ثلاثة أبعاد (ربما تنطوي على رسائل مهمة وخطيرة لجميع الدول والشعوب)هي:
ـ البعد الأول يتعلق بالعراق ـ حيث تمت الإشارة والإشادة من سماحته (كما في كل مناسبة)الى تلك (التضحيات الكبيرة التي قدمها الشعب العراقي لتحقيق هذا الإنتصار التأريخي) على داعش. فكانت أصداء تلك الحقيقة بين ثنايا حديث (بري) فأشاد بالدور الكبير لمرجعية (السيستاني) الرشيدة في الدفاع عن العراق, وبمعجزة تمكنه من تطويع الآلاف من العراقيين التي قاتلت الطغيان الإرهابي.
وكشف الضيف عن ما لمسه من بعض مواقف السيد المرجع الأعلى منها: (لا شيء عند ـ السيد السيستاني ـ أغنى من التنوع) الحاصل بين مكونات الشعب وأنه: (لا يزال يُقاتل في سبيل وحدة العراق وإنمائه ومحاربة الفساد.. وبالتالي فإن سماحته يخوض حرب الحياة للشعب العراقي بكل مناطقه وفئاته دون تفرقة أو تمييز).
ـ البعد الثاني يتعلق بالعراق ولبنان ـ حيث تمّ التأكيد من سماحته على أن (العراق ولبنان) بلدين شقيقين (أي يشتركان بروابط عدّة كالعرق والقومية والدين واللغة وغيرهما) ويجب أن تكون العلاقة بينهما متطورة على الأصعد كافة: (وأكد على أهمية تطوير العلاقات بين البلدين الشقيقين العراق ولبنان في مختلف المجالات). وتناغم حديث الضيف مع هذا الطرح كلية وأجزل الكلام واختصره بهذه العبارة المُميزة: (إختصاراً.. أنا كنت اليوم أمام دولة في رجل أطال الله عمره).
ـ البعد الثالث يتعلق بدول المنطقة والعالم ـ حيث أشار سماحته على أهمية وضرورة تثبيت قيم التعايش السلمي, فيما إذا أردنا توفير الأمن والإستقرار والإزدهار لكافة الشعوب. وهي دعوة لكافة دول المنطقة خصوصا ً والعالم عموما ً(برلمانات تلك الدول) لتبني العمل وفق هذه المُعادلة (المُنجية) من جميع المخاطر حيث ورد: (أهمية أن يعمل الجميع على تثبيت قيم التعايش السلمي المبني على رعاية الحقوق والإحترام المتبادل بين مختلف المكونات الدينية والإثنية في منطقتنا في سبيل توفير الأمن والإستقرار والتقدم والإزدهار لشعوبها).
وكان الضيف (بري) قد خلُص إلى أن سماحة المرجع الأعلى إنما (يشجع على أن يلعب العراق دوره الإقليمي الجامع) لما للعراق من إمكانية وقدرة وعزم وإصرار للعب ذلك الدور, ولم يتأتى ذلك إلا بوجود سماحة السيد السيستاني.
تكشف هذه الأبعاد (الثلاثة) عن مدى (ثقل) زيارة (نبيه بري) كرئيس للسلطة التشريعية للبنان الشقيق. ولكن ماذا عنه (هو)؟. وماذا عن انطباعه (هو) عن المرجعية الدينية في النجف الأشرف والمتمثلة بسماحة السيد (السيستاني)؟.
علينا أولا ً إذا أردنا الإجابة أن نعرف بأن شخصية مركبة وذات أبعاد مختلفة مثل شخصية (نبيه بري) الزائر الضيف ـ فهو المحامي المسلم البارز, والناشط المدني, والمثقف الواعي, والزعيم الشيعي القوي, والسياسي الوطني المُخضرم, والوزير الحكومي الكفوء, والرئيس المُحنك لمجلس النواب اللبناني منذ عام 1992م وللآن, لا يُمكن أن تمر لديه زيارته لـ(المرجعية العليا) دونما تكوين إنطباع ما حولها! وأن أي انطباع يصدر منه ممكن أن نعتبره يمثل البعد (الرابع) الذي يسند جميع الأبعاد المُتقدمة آنفا ً.
ـ والبعد (الرابع) تضمنته مقولته الشهيرة القائلة بأن (سماحته هو نغمة ونفحة سماوية في سمائنا ونعمة في أربع رياح الأرض)!. فعبارة (أربع رياح الأرض) والتي استعارها من (سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي ـ إصحاح 7/1) تدل بشكل واضح بأن (السيد السيستاني هو مرجعية الجهات الأربع للأرض) ولا فخر! فالنغمة والنفحة السماويتان لا يمكن أن تنزلا على طائفة ما مُحددة بعينها, أو تنزل على شعب دون غيره من الشعوب, أو على دين دون باقي الأديان, أو على بلد ما دون البلدان الأخرى, وإنما تنزل لتشمل جميع شعوب وأمم الأرض. فهي (نعمة) في (أربع رياح الأرض).
لذلك نرى الضيف الزائر لم يملك مشاعره تجاه ذلك, وقد أطلقها فاصحا ً عنها بصراحته المعهودة بالقول: (هذا التصريح هو ما شعرت به وشعرت بحنانه وتحنانه على لبنان وعلى العراق وعلى كل الأمة وكما قلت ـ في أربع رياح الأرض) وقال ختاما ً لحديثه في مؤتمره الصحفي: بأن (سماحته هو المرجع لنا جميعا ً بدون استثناء).
وهو تأكيد على أن (السيد السيستاني هو مرجعية الجهات الأربع للأرض) كونه يمثل بحق رسول قيم التعايش السلمي والداعي لرعاية حقوق الشعوب والأمم بكافة مكوناتها المختلفة والمتنوعة, والمُنادي إلى الإحترام المتبادل بين (مختلف المكونات الدينية والإثنية في منطقتنا) والعالم أجمع, في سبيل توفير (الأمن والإستقرار والتقدم والإزدهار) لكافة أمم وشعوب الأرض بلا استثناء.