عندما تسقط النجف!!

آخر تحديث 2019-04-08 00:00:00 - المصدر: موقع كلمة

إيليا إمامي

أعرف أنك لاتقرأ المقالات المطولة، ولا أعرف الى أي حد ستستمر بالقراءة، ولكن،

ما علينا،

جرب ياصديقي العزيز أن تتكلم عن احترام قدسية مدينة النجف، وسترى نفسك مسحوقاً تماماً، تحت أقدام الشتائم، وبأنواعها المختلفة، جرب قول كلمة حرام وسترى نفسك أضحوكة للشعب الفيسبوكي، بقوة شارلي شابلن + مستر بن + عادل إمام أيام شبابه.

جرب أن تأخذ سيلفي مع الكائن المنقرض، الذي كان يسمى قديماً (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وسترى نفسك معلقاً على أطراف الرماح، يطبق عليك قاموس الألفاظ الرذيلة، بمختلف النكهات.

وتتساءل، ماذا أصاب هؤلاء الناس؟

هل هم أعداء الاحتشام والستر والعفاف؟

أم لديهم مشكلة مع النجف كمدينة مقدسة؟

أم يضايقهم الربط بين النجف وبين علي عليه السلام؟

أو لعلهم جيوش مدفوعة الثمن!!

وبعد أن تسافر متنقلاً بين صفحاتهم، وتقلب أفكارهم، تجد أنهم إخوتك وأبناء جلدتك، لم يقبضوا فلساً على هذه الشتائم، ولا انتماء لهم خارج النجف، بل الكثير منهم يحب المدينة مثلك وربما أكثر!!

فتتعجب عندها، وتقول بطريقة الراب الصرخي "يا إلهي ماذا جرى ؟ ياللهول ماذا أرى !!" إنهم جماعتنا وربعنا، فلماذا هذه الردود العنيفة؟ والكلمات المخيفة.

بعد أن تخرج بالسلامة من حالة الصدمة، وتعود لتفكيك ردودهم ومداخلاتهم، تجدها تنطلق من صنفين ونصف:

الصنف الأول:

إنسان ملتزم مستقيم، لكنه يعتبر الحديث عن قدسية النجف نوع من النفاق ونحن وسط هذا الفساد.

إنه لا يرضى بحالات الفساد الاخلاقي، ولكن هناك ما يوتر أعصابه، ويؤزم نفسيته أكثر، وهو الفساد المالي والإداري، وأي حديث عن الأخلاق مرفوض مادام الإشكال الحكومي قائماً.

ولا تسألني هل هذه قناعته من البداية، أم جرفه الرأي العام حتى جعله يستقر على هكذا قناعة؟ لست أعرف، ويمكنك سؤاله.

الصنف الثاني:

إنسان متحلل من القيود الاخلاقية، يريد الرقص أينما ضربت الأوتار، ولا يرى النجف محصنة من هذا، بل يستفزه ويثير جنونه أن يتم التعامل معها كمدينة مقدسة، تضم أمير المؤمنين وحوزته وتاريخه، ويعمل ليل نهار على تغيير هذا الواقع، فلا هو يبتعد عن النجف ويرقص كما يشاء، ولا هو يجلس فيها محترماً لقدسيتها.

الصنف النصف (بالمناسبة الكلمتين نفس الحروف):

شباب الفيسبوك، الذين لازالوا في مرحلة النمو، وتكوين الشخصية، وهم حصة أبو الصوت الأعلى، وإم اللسان الأطول، وبحسب الأجواء، إن كانت أجواء تخماخ فشخصية تخماخية، وإن كانت أجواء حبوب كرستال فشخصية كرستالية.

وكلامي موجه بالدرجة الأساس للصنف الأول:

أحياناً يا صديقي، قد ينحرف شخص واحد ويسقط أخلاقياً، وقد ينحرف مجتمع كامل، لو أن شخصاً واحداً سقط أخلاقياً، والمجتمع ما يزال بخير، ويحمل بعض الاحترامات والأعراف الجيدة، فيمكن أن يحتضن هذا الواحد ويرجعه الى الطريق، لكن إذا سقط المجتمع كله، بسبب اشتباه حصل في الرأي العام، ستكون النهاية القاضية، لأن الأخطاء الجماعية لا تصحح بسنة أو إثنين، بل تحتاج الى عقود كاملة.

إسمحلي بمثال للتحول الإيجابي:

في سنة 1977 كان حزب البعث يريد أن يفرض على الناس ترك الزيارة الاربعينية، ولكن الآباء الذين عاصروا تلك الفترة وعاشوها، قاموا بدورهم على أحسن وجه، وقدموا دمائهم في سبيل أن تستمر هذه الزيارة، ولذلك بقي المجتمع كله محافظاً على مساره، وما تراه اليوم من تمسك شديد بزيارة الأربعين ما هو إلا بركات ذلك الثبات في سنة واحدة فقط، كانوا يريدون لها أن تصبح (سنة التحول).

ومثال آخر للتحول السلبي:

لو أن المجتمع تمسك بعلي بن أبي طالب في لحظة انقلاب السقيفة، لما جلس في بيته 25 سنة، ولكن هل توقف الأمر عند هذا الربع قرن؟ أم لازال التحول الاجتماعي والابتعاد عن نهج علي مستمر منذ 14 قرن؟

إنه الخطأ الاجتماعي عندما يقع، لا يصحح بسنة ولا بسنتين، إنها لحظة اشتباه أو تراجع في الرأي العام، تكلفه ثمناً يستمر لسنوات.

الزهراء عليها السلام، هي أول من قدم قراءة اجتماعية، وحذر من الثمن الباهض الذي ستدفعه الأمة على مئات السنين، بسبب سكوت يومين فقط، فقالت في خطبتها الصغرى (أما لعمر إلهك لقد لقحت فنظرة ريث ما تنتج ثم احتلبوا طلاع القعب دما عبيطا، وذعافا ممقرا، هنالك يخسر المبطلون، ويعرف التالون، غب ما سن الأولون، ثم طيبوا عن أنفسكم أنفسا، وطأمنوا للفتنة جأشا، وأبشروا بسيف صارم وهرج شامل، واستبداد من الظالمين يدع فيئكم زهيدا، وزرعكم حصيدا فيا حسرتي لكم، وأنى بكم، وقد عميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون).

يشهد الله أنك لن تجد خبيراً إستراتيجياً، ولا باحثاً إجتماعياً، تنبأ بالمستقبل الأسود للأمة الإسلامية، كما تكلمت روح النبوة، عن سكوت وتراجع يومين، كلف الأمة مئات السنين من المعاناة، وجعلتنا في حضيض الأمم.

والخلاصة ياصديقي:

 أنا وأنت الجيل الذي يعاصر اليوم مرحلة التحول، إما التحول الى قدسية واحترام النجف، أو لسقوطها الأخلاقي، الذي سينتج بعد سنوات شباباً تقف إمام صحن علي، وتسبه بدم بااااارد.

ربما لديك الكثير الكثير من الملاحظات، والإشكالات، لكن كل هذا لا يبيح لك الوقوف في وجه المطالبين بحفظ قدسية المدينة، هل تعرف لماذا؟

لأنك اليوم تتصور أن الأمور لن تخرج عن السيطرة، ولكن لو حصل انهيار أخلاقي لاسمح الله، بسبب محاربة كل من يأمر بالمعروف، فإن الانهيار سيكون أبعد وأقوى مما تتصور، ويحتاج الى سنوات طويلة حتى يصلح.

وعندها ستكتشف أنك حسب الأمور بحساب خطأ، ووقفت مع الفئة الخطأ، حين لا ينفع الندم، أمام خطأ اجتماعي، وقع في لحظة، ثم مشى في أولاد الاولاد.