تحليل: هل تنجح هذه الإغراءات السعودية في إبعاد العراق عن إيران؟
الحدود بين السعودية والعراق عبارة عن خط في الرمال يخبرنا الكثير عن عدم استقرار الشرق الأوسط خلال العقود الثلاثة الماضية، وتحديداً عن العلاقات السعودية العراقية شديدة التقلب.
إذ أغلقت الحدود عام 1990 بعد أن أدى اجتياح صدام حسين للكويت إلى إشعال فتيل حرب الخليج، واقترح السعوديون بناء حاجز بقيمة 7 مليارات دولار لإغلاق الحدود عام 2006 مع تصاعد العنف الطائفي. ثم أدى صعود تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) إلى حث المملكة على تعزيز حدودها البالغ طولها 900 كيلومتر.
ومع طرد المقاتلين المتطرفين من العراق، فإنَّ السعودية تستعد لإعادة فتح المعبر البري للتجارة العام الجاري بسبب الصراع الأخير الذي يهيمن على المنطقة: ألا وهو حربها بالوكالة مع إيران، حسب ما ورد في تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
هل يصبح العراق حليفاً جديداً للسعودية؟
ففي انعكاس صارخ لسياسة السعودية، اعتبرت المملكة العراق حليفاً مناسباً لكبح جماح عدوها الشيعي، الذي هدد الأربعاء 8 مايو/أيار 2019 بالتخلي عن الالتزامات التي تعهد بها في الاتفاق النووي عام 2015 رداً على العقوبات الأمريكية.
كان السعوديون يستعرضون عضلاتهم الدبلوماسية والمالية، فزار وفد وزاري وتجاري العراق الشهر الماضي وعاد بتعهد باستثمار مليار دولار في مشروعات تنمية وفتح قنصلية في بغداد. ووظفت المملكة تكتيكات أخرى للقوة الناعمة مثل تقديم عرض ببناء ملعب رياضي، وأعلنت قناة MBC، المدعومة من الحكومة، مؤخراً عن قناة مخصصة للعراق، وخفف رجال الدين في المملكة من حدة خطابهم المُعادي للشيعة.
هدف المملكة إعادة العراق للعرب بعدما سيطرت عليه الميليشيات الموالية لإيران
غرض السعودية دعم الحكومة في بغداد التي جرى تحدي سلطتها من قبل الميليشيات المدعومة من إيران، وإعادة العراق بقوة إلى الحظيرة العربية، وذلك وفقاً لإبراهيم النحاس، عضو لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشورى السعودي.
وقال النحاس في مقابلة في الرياض الأسبوع الماضي: «نريد مساعدة العراق ليكون دولة قوية».
وأضاف النحاس أنَّ التقارب السعودي مع العراق «سيقلل من نفوذ إيران داخل العراق» والمنطقة بأسرها.
مشكلتنا ليست مع الشيعة
وكانت إيران غير العربية قد هيمنت على العراق بعد أن تولت الأغلبية الشيعية السلطة في أعقاب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003. والآن تعتبر السعوديةُ العراقَ بمثابة حصن محتمل ضد إيران، بدلاً من اعتباره دولة دمية تتحكم فيها طهران.
وتريد السعودية أن تظهر أنَّ المشكلة ليست مع الشيعة، إنما مع إيران التي تعتقد المملكة أنها تتدخل في الشؤون العربية.
فإلى الجنوب، قاد ولي العهد محمد بن سلمان حملة عسكرية كارثية ضد المتمردين الذين تدعمهم إيران في اليمن. وقد جرّت هذه الحملة استنكاراً من الحلفاء الغربيين في الوقت الذي أبعدوا فيه أنفسهم عن السعودية بسبب مقتل الكاتب الصحافي جمال خاشقجي.
وقد نجحت من قبل في إبعاد السودان عن إيران؟
وعلى الجبهة الغربية عبر البحر الأحمر، اختار السعوديون محاولة اجتذاب النظام الجديد في السودان، وهي محاولة بدأت منذ عهد البشير أسفرت عن تغيير البشير لتوجه وابتعاده عن طهران.
وكان البشير ذو التوجهات الإسلامية على علاقة جيدة بإيران في السابق.
ولكن لم يلبث أن تقارب مع السعودية حتى أنه أرسل قوات جيشه لتحارب في اليمن مع التحالف السعودي الإماراتي.
وتعهدت المملكة والإمارات العربية المتحدة، أقرب حلفائها، بتقديم حزمة دعم اقتصادي بقيمة 3 مليارات دولار للسودان بعد الإطاحة بالديكتاتور عمر البشير الذي حكم البلاد لفترة طويلة، الشهر الماضي.
العراق يفتح الباب للسعودية ويرحب بملياراتها
أحسن العراق، صاحب أكبر عدد من السكان الشيعة في العالم العربي، استقبال السعودية إذ تسعى القيادة في بغداد للاستفادة من القوتين.
فأشرف رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، خلال زيارة رسمية إلى الرياض الشهر الماضي، على توقيع 13 اتفاقية تعهدت السعودية بموجبها بضخ مليار دولار في اقتصاد جارتها. وكان ذلك بمثابة ذروة الدبلوماسية التي بدأت في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2017 عندما أنشأ البلدان مجلساً للتنسيق وأعلنا نيتهما إعادة فتح الحدود عند معبر عرعر، والمقرر فتحه في شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام الجاري.
وقال عبدالمهدي قبل زيارته: «نحن نشهد تحولاً كبيراً في العلاقات مع المملكة». وأوضح محمد حنون، المتحدث الرسمي باسم وزارة التجارة العراقية، أنَّ رأس المال السعودي يمكن استخدامه لإعادة بناء البلاد بعد هزيمة داعش، ويمكن لخبرتها في مجالي الطاقة والزراعة المساعدة على تطوير الصناعات العراقية. وقال حنون: «الباب مفتوح على مصراعيه».
والأمريكيون يدعمون التوجه السعودي
وسيكون توجيه ضربة للحضور الإيراني أمراً صعباً، على الرغم من امتلاك السعوديين للمال.
وثمة أيضاً دعم من الولايات المتحدة للموقف السعودية، إذ إن لدى واشنطن جنوداً متمركزين في العراق.
فقد قام وزير الخارجية مايك بومبيو برحلة غير معلنة إلى بغداد يوم الثلاثاء الماضي لحضّ القادة العراقيين على توخي الحذر من القوات والحلفاء الإيرانيين.
وكانت واشنطن قد زادت من عقوباتها على إيران بعد الانسحاب من الاتفاقية الخاصة بتطوير قدراتها النووية.
في المقابل، قالت الحكومة في طهران إنها ستستأنف تخصيب اليورانيوم بما يتجاوز الحدود المتفق عليها في غضون 60 يوماً إذا لم تستطع أوروبا إيجاد وسيلة لضمان بيع طهران للنفط والتجارة مع العالم.
ولكن كيف يستطيعون مواجهة نفوذ إيران التي أصبحت أكبر دولة مصدرة للعراق؟
وقال جيمس م. دورسي، الزميل الأقدم بمدرسة راجاراتنام السنغافورية للدراسات الدولية ومعهد الشرق الأوسط التابع لها، إنَّ السعوديين «حققوا نجاحاً نسبياً في العراق. ومع ذلك، فإنهم يحتاجون إلى متابعة هذه الوعود والاستفادة من حقيقة أنَّ لديهم الأموال لمتابعتها، بخلاف الإيرانيين».
والحق أنَّ العراق مشبع بالنفوذ الإيراني، من اقتصاده إلى سياسته والميليشيات الشيعية القوية.
إذ صدرت الجمهورية الإسلامية ما قيمته أكثر من 1.66 مليار دولار من الطماطم وحدها إلى العراق عام 2017، وهي المصدر الرئيسي لكل شيء في البلاد من الشحم إلى شعر البشر.
وقفزت إيران من خامس أكبر مصدَّر للعراق عام 2016 إلى المركز الأول عام 2017، متجاوزة الصين. وغالباً ما تخزن رفوف المتاجر العراقية بمنتجات تركية وإيرانية رخيصة.
والآن حان الوقت لطهران جني الثمار
وقال النحاس إنَّ السعودية حاولت إحراز تقدم مع رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، الذي كان في السلطة بين عامي 2006 و2014، لكن بلا جدوى. فقال النحاس: «كان [المالكي] يعمل على جعل العراق جزءً من إيران».
وبينما تضغط الولايات المتحدة على العراق لإيقاف شرائها للغاز الطبيعي والكهرباء من إيران، يريد الرئيس حسن روحاني أن تشتري المزيد للمساعدة على التخفيف من العقوبات الأمريكية.
إذ قال روحاني أثناء زيارة رسمية استمرت ثلاثة أيام إلى بغداد في شهر مارس/آذار: «في العراق نشعر وكأننا في بلدنا. هذه رابطة لا يمكن إضعافها ونعمل دائماً على تقويتها».
ووقع البلدان اتفاقيات نقل وتجارة وأعلنا إنهاء رسوم التأشيرة لمواطنيهما. وقال روحاني إنَّ المسؤولين يخططون لزيادة التجارة الثنائية إلى 20 مليار دولار بدلاً من الرقم الحالي البالغ 12مليار دولار.
وقال محمد اليحيى، رئيس تحرير موقع قناة العربية باللغة الإنجليزية الذي تمتلكه السعودية: «لا أعتقد أنَّ ثمة أي وهم في الرياض بأنَّ العراق سوف يقطع علاقاته مع إيران».
الفناء الخلفي لإيران، ولكن النفط يلعب لصالح الرياض
تفوقت الجمهورية الإسلامية على الصين لتصبح أكبر مصادر العراق للواردات غير النفطية عام 2017.
النفط هو المفتاح. بالنسبة للسعوديين، فإنَّ سعي العراق لإعادة تأهيل صناعتها التي دمرتها الحرب لتصبح ثالث أكبر منتج للنفط الخام بحلول عام 2030، يمثل سوقاً غير مستغلة للمنتجات والشركات السعودية. وقالت العراق إنَّ مشروعات الطاقة الخاصة بها والتي تبلغ قيمتها 14 مليار دولار مفتوحة للمنافسة.
وبعد أن قطعت إيران الكهرباء عن العراق بسبب نزاعات في السداد العام الماضي، تحولت بغداد إلى السعودية التي عرضتها عليها بسعر أقل بكثير من الأسعار الإيرانية.
والسعودية تحاول أن تغير موقفها المعلن من الشيعة حتى أنها تنوي فتح قنصلية بالنجف
وكجزء من تواصل السعودية مع العراق، خففت المملكة أيضاً من موقفها من الإسلام الشيعي، الذي لطالما اعتبر نقيضاً للعقيدة الوهابية الرسمية للمملكة.
وفي إيماءة إلى أقليتها الشيعية المضطربة غالباً، والموجودة بشكل أساسي في الشرق، تخطط الرياض لافتتاح قنصلية في مدينة النجف العراقية المقدسة، التي يسافر إليها الكثير من الشيعة السعوديين للحج.
أما رجال الدين المدعومون من الحكومة والدعاة التلفزيونيين الذين كانوا ينتقدون الشيعة بانتظام بوصفهم زنادقة فإنهم إما صمتوا أو تنكروا علانية لمواقفهم السابقة.
والعراق أصبح يتجاهل معاملة الرياض للشيعة السعوديين
ومع ذلك، فإنَّ السعودية مستمرة في احتجاز الشيعة وحتى إعدامهم بأعداد كبيرة للاشتباه في تجسسهم لصالح إيران، من بين تهم أخرى. لكن الأمر الجدير بالملاحظة أنَّ العراق امتنع مؤخراً عن الانتقاد العلني لمعاملة السعودية للشيعة السعوديين.
وقال النحاس: «لدينا وجهات نظر مختلفة عن السابق». ويأتي ذلك في أعقاب زيارة في شهر يوليو/تموز 2017 لرجل الدين الشيعي المثير للقلاقل، مقتدى الصدر، الذي دعاه ولي العهد إلى جدة، ليتبنى علناً واحداً من أقوى الشخصيات السياسية في العراق. وقال النحاس: «كانت تلك إشارة إلى العراق بشكل عام».