أخذ التوتر بين واشنطن وطهران منحى متصاعدا منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، وقد بلغ هذا التوتر أشده مؤخرا بسبب الضغوط الأميركية المتزايدة على طهران لتغيير سياستها المهددة للاستقرار في الشرق الأوسط، لدرجة لم يستبعد معها اندلاع حرب بين الطرفين، الأمر الذي إن حدث ستكون له تداعيات خطيرة على المنطقة، وخاصة على الأكراد، حسب مراقبين.
الأكراد لهم وجود واسع موزع على عدة دول في المنطقة، على رأسها تركيا حوالي 20 مليون نسمة، إيران 4-6 ملايين، العراق حوالي 6 ملايين، وسوريا 3 ملايين. ويقدر العدد الكلي للأكراد حول العالم بنحو 35 مليون نسمة.
وللأكراد طموحات، وعلاقات متشابكة في المنطقة.
تتراوح هذه الطموحات ما بين الانفصال وتكوين كيان مستقل، وبين أقاليم ذات إدارة ذاتية، كما حدث في إقليم كردستان - العراق.
على مدار السنوات الماضية، أبدت الولايات المتحدة تعاطفا واسعا مع الأكراد وصل إلى حد الدعم السياسي، بل العسكري في بعض الأحيان.
فهي من دعم إنشاء إقليم كردستان العراق خلال حرب الخليج الأولى، وها هي الآن توفر دعما عسكريا كبيرا لأكراد سوريا، منذ اندلاع الحرب الأهلية في ذلك البلد عام 2011.
وعلى النقيض، للأكراد أيضا علاقات مع حكومات في المنطقة، تقتضيها الضرورة والمصالح، حسب مراقبين.
إذن، عند اندلاع حرب مع إيران، كيف سيكون موقف الأكراد؟
يرى المحلل السياسي الأميركي مارك بيري أن الأكراد "لن يقاتلوا من الأساس، لا مع إيران ولا الولايات المتحدة، هناك كرد في إيران، ماذا سيحدث لهم لو تدخل أكراد سوريا أو العراق" في الحرب؟.
ويضيف بيري لموقع الحرة أن عامل "عدم الثقة" القائم بين الكرد والولايات المتحدة أيضا سيجعل أيضا الأكراد مترددين في تقديم أي دعم للولايات المتحدة.
واستطرد بيري قائلا، "استبعد نشوب حرب بين واشنطن وطهران، وحتى إذا قامت فستكون جوية، ولن يكون هناك حاجة للأكراد".
ويقول الناشط الكردي سيردار درويش إن هناك "عداء أزليا بين الأكراد وإيران. إيران بلد مغتصب لخارطة كردستان مع سوريا وتركيا والعراق". ويضيف: " في السنوات الماضية أميركا كونت تحالفا جيدا مع الأكراد أثبت من خلاله الأكراد أنهم قوة ضاربة لتحقيق الاستقرار ومكافحة الإرهاب. ونموذج كردستان العراق، وقوات سوريا الديموقراطية يقفان دليلا على ذلك، مصلحتنا في البقاء مع الولايات المتحدة".
ويرى مراقبون أن الصراع بين أميركا وإيران قائم بالفعل في عدة مناطق بسوريا مثل دير الزور وشمال وغرب الفرات، ولولا الوجود الأميركي لكان التقدم الإيراني أكبر بكثير مما هو عليه الآن.
ويقول سيردار "نحن بحاجة إلى كبح جماح إيران ومليشياتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة. أي مواجهة في سوريا أو مع إيران، سيكون للأكراد وقوات سوريا الديمقراطية دور كبير فيها. 60 ألف مقاتل قوة ضاربة، على الأقل لطرد إيران من سوريا".
ولا يستبعد الباحث في معهد واشنطن دافيد بولوك تعاون أكراد سوريا مع أميركا ضد إيران "لأن البديل لهم هو إما تركيا، أو نظام الأسد المدعوم بقوة من إيران. هم سيفضلون الانحياز لصالح الولايات المتحدة".
ويرى بولوك أن اندلاع حرب مع إيران يمكن أن يعزز طموحات أكراد سوريا بإنشاء "إدارة ذاتية رسمية في شمال البلاد على غرار كردستان العراق".
علما بأن الإدارة الأميركية تدافع بشكل غير رسمي عن هذه المواقف، لكن شريطة قبول الأتراك.
بالنسبة لأكراد العراق يرى بولوك أنهم سيلتزمون جانب الحياد، رغم أنهم الأكثر تنظيما. "أي تدخل من جانبهم ستكون له تداعيات كارثية، ليس على كردستان فحسب، بل على كل العراق بأسره"، ويضيف: " أعتقد أن المليشيات الشيعية الموالية لإيران ستسيطر على العراق بشكل كامل.. وهنا لا استعبد أن يلجأ الأكراد لخيار الانفصال.. لذلك أعتقد أن أكراد العراق سيلتزمون الصمت".
وهناك عامل آخر قد يحول دون دعم الأكراد العراقيين لإيران وهو العلاقات التي تربط طهران بالحزبين الرئيسين في كردستان، والتي تعززت بشدة إبان الحرب بين بغداد وطهران (في الثمانينيات).
وقبل فترة، بعثت طهران رسائل تحذير واضحة لأكراد العراق من مغبة الوقوف إلى جانب الاميركيين في أي صراع.
ويرى الباحث في معهد واشنطن دافيد بولوك أن أكراد تركيا "وضعهم معقد جدا بسبب انقسامهم الشديد. لا أتوقع رد فعل محسوسا منهم رغم أنهم الأغلبية في المنطقة".
ويضيف أن ذات الحال ينطبق على أكراد إيران الذين يعانون من "قمع شديد ويعتبرون مواطنين من الدرجة الثانية، في ظل معارضة إيرانية تعاني من الضعف".
ويعتقد بولوك أن الولايات المتحدة ستتفهم المواقف الكردية حيال أي صراع ينشب مع إيران.