ذكر تقرير لصحيفة العربي الجديد القطرية، ان الاعتقالات العشوائية في مدن شمالي العراق وغربه عادت للظهور مجدداً، لكن هذه المرة بشكل شبه يومي وبعمليات دهم ليلية للمنازل، لا تقتصر على الجيش أو الشرطة، بل تجتهد في تنفيذها أيضاً فصائل "الحشد الشعبي"، مخلّفةً بيوتاً بلا معيل وأسئلة لا مجيب عنها بشأن مصير من يتم اعتقالهم بدون مذكرات.
ويحذّر سياسيون ووجهاء وأعيان في تلك المناطق، من أنّ أخطاء ما قبل "داعش" عادت مرة أخرى وبشكل قد يكون أكثر قسوة، بسبب تعدد الجهات الحاملة للسلاح التي قد تصل في المنطقة الواحدة إلى 10 جهات، مثل الجيش العراقي والشرطة المحلية والشرطة الاتحادية وجهاز مكافحة الإرهاب وقوات التدخل السريع، وقوات "سوات" ومفارز الأمن الوطني ووحدات الاستخبارات العسكرية وخلية الصقور، عدا عن الفصائل المسلحة في "الحشد" التي يصل عددها في بعض المدن والمحافظات لعشرين فصيلاً في مكان واحد، فيما كلّ فصيل يعمل بمعزل عن الآخر.
المواطنون الذين اختاروا البقاء تحت حكم "داعش" خلال سيطرته على المدن، على النزوح في الخيام، هم أبرز المستهدفين في تلك الاعتقالات، إذ يتعرّضون للتدقيق الأمني باستمرار، مع ما يرافق ذلك من تشابه أسماء ووشايات من قبل المخبرين السريّين. والمثير للجدل هو منح كثير ممن يتم اعتقالهم صفات ومناصب بتنظيم "داعش" لا وجود لها من الأساس في أبجديات التنظيم وعمله، ليكون ذلك بمثابة مدخل للتشكيك بقدرة الاستخبارات العراقية على حماية المواطنين، والتعامل وفق القانون مع الجميع، كما تكشف عن التخبط في عمليات الاعتقال ووقوع المدنيين الأبرياء ضحايا لها.
ناقل الانتحاريين، أمير كتيبة الهاونات، مسؤول السبايا، مسؤول بيت المال، مسؤول المداهمات، أمير الإعدامات، مسؤول التفخيخ، أمير الانتحاريين، مسؤول التغذية، شرعي زواج النكاح، حاجب الخليفة أبو بكر البغدادي، عضّاضة داعش، أمير ديوان العلاقات، أمير الغزوات، مؤسس داعش في المنطقة الفلانية، أمير التحريض على القتال، مسؤول التنسيق بين المحافظات، وأخيراً منشد الخلافة، كلّها تسميات ومناصب لا وجود لها في واقع التنظيم وينكرها أصلاً، إلا أنها تتصدر بيانات عاجلة وأخرى مفصّلة للقوات العراقية، فمن أين تأتي بها؟
جنرال عراقي رفيع في قيادة العمليات المشتركة العراقية، أوضح لـ"العربي الجديد"، أنّ "هذه التسميات توضع في معظمها من قبل الحشد وجهاز الاستخبارات العسكرية، إلا أننا نستغربها، لأننا نسمع بأمير جماعة، أو والي لمنطقة معينة، ولكن لا يوجد تسميات مثل التي تطلقها الاستخبارات العسكرية، رغم أنّ هناك مسميات موجودة فعلاً عند داعش، وبعضها تستوقف قادة في العمليات المشتركة". وأضاف: "نحن نسمع بمسميات على الأغلب لا يستخدمها داعش، وقد طالبنا جهاز الاستخبارات أكثر من مرة، بتوحيد الخطاب الإعلامي والتصريحات مع باقي صنوف القوات العسكرية في العراق".
وتابع الجنرال العراقي الذي طلب عدم ذكر اسمه، أنّ "ما يؤثّر على حيادية ومهنية العمل العسكري في العراق، أكثر من ممارسات الاستخبارات، هو تصريحات قادة محاور في الحشد الشعبي، وبعض المواقع الإعلامية والوكالات التابعة لهذه الفصائل، التي تعرض بطولات الأخيرة علناً وبطريقة فيها مبالغة كبيرة"، لافتاً إلى أنّ ذلك "يخلق حالة من الإرباك عند القوات الأمنية ولدى الرأي العام والإعلاميين، والمشكلة أنه يتم الترويج لهذه الأخبار بالاتكال على بيانات رسمية".
وأضاف أنّ العمليات المشتركة "تستغرب أيضاً استخدام الأسماء نفسها في كل مرة. فمثلاً أبو عمر العراقي ورد مقتله في أكثر من بيان من دون إيضاح عمله، وأبو عائشة الأنصاري وأسماء غيرها"، مؤكداً أنّ "هناك أخطاءً عسكرية واستخباراتية كثيرة وقعت، تسببت بمقتل أبرياء واعتقال آخرين، وتحميلهم مسميات كثيرة من أجل إبعاد تهمة الخطأ العسكري عن هذه القوات".
وأشار الجنرال إلى أنّ "تشكيل خلية الإعلام الأمني قبل مدة كان بهدف تلافي هذا الخلل، لكن الخلية المشكّلة رغم ذلك، لم تستطع إيقاف نهم المسؤولين الأمنيين وقادة الحشد وزعماء العشائر المقاتلين، للظهور الإعلامي والإعلان عن انتصارات تسجّل لهم، بينها ما ليس له محل من الإعراب".
من جهته، لفت عضو مجلس النواب العراقي أحمد الجبوري، إلى أنّه "في نينوى وحدها، هناك آلاف المعتقلين من المناطق المحررة، بتهم كيدية، منها عملهم مع تنظيم داعش خلال فترة سيطرته على المدينة، ولكن تم إطلاق سراح بعضهم بعد عدم ثبوت الأدلة أو باعتبار أنّ المعلومات غير دقيقة أو كيدية"، مضيفاً في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أنه "مع ذلك، هناك أبرياء تحملوا تسميات لم يكونوا على علاقة بها، وهي أصلاً غير معمول بها داخل تنظيم داعش". وتابع الجبوري أنّ "داعش كانت لديه أسماء وصفات وهيكلية لتنظيمه، ومن ثم قد تكون بعض الاعتقالات لقادته حقيقية، ولكن هناك أيضاً اعتقالات غير مستندة إلى معلومات صحيحة، وعلى الأغلب، فإنّ ضحايا هذه الأخطاء العسكرية وتعرّض أبرياء للظلم، ليس بسبب القوات الأمنية العراقية، إنما بسبب الخلافات بين المواطنين في المناطق المحررة، إلى أن وصل عدد المعتقلين في سجون الموصل إلى 6 آلاف مواطن".
وأوضح الجبوري أنّ "الكارثة التي تعاني منها القوات العراقية، هي أنها لا تملك قاعدة بيانات وأسماء كافية للذين انتموا لداعش. ومن ثم، فهي تتعامل مع جميع السكان على أنهم مشتبه بهم، لذلك عندما يتقدّم أي مخبر ويدلي بمعلومات تتهم شخصاً معيناً يتم اعتقاله مباشرة، وبعد التحقيق يأتي أشخاص آخرون يشهدون لصالحه فيتم الإفراج عنه، لكن هناك بعض المعتقلين لا يشهد لصالح براءتهم أحد، خوفاً من التورّط في الملف، فيتعرّض إلى ظلم كبير".
بدوره، لفت الشيخ العشائري من نينوى مزاحم الحويت، إلى أنّ "هناك الكثير من الاعتقالات تحصل في المحافظة، بسبب ما يعرف بتشابه الأسماء بين المواطنين المدنيين والإرهابيين"، معتبراً في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "ما تقوم به القوات والأجهزة الأمنية العراقية، من اعتقال لأبرياء، بينما الدواعش والإرهابيون يعملون ويتحركون بكل حرية، هو أمر مخز، ويؤثر على سمعة الحكومة والقوات الأمنية".
وأوضح الحويت أنّ "أي شخص يتم اعتقاله وهو بريء، يضعونه في السجن لمدة 6 أشهر أو سنة، وبعدها يتم إطلاق سراحه مقابل مبلغ مالي ضخم، وهو السيناريو نفسه الذي كان يحدث خلال فترتي حكم (رئيسي الوزراء السابقين) نوري المالكي وحيدر العبادي"، مؤكداً أنّ "هناك فساداً علنياً في المنظومة الأمنية في نينوى".