د.بشار الحطاب
خبير قانوني
تعد قوانين الخدمة العامة من أهم القوانين التي تستند إليها عمل قطاعات الدولة ودوائرها الرسمية والتي تفرض على المشرع العراقي عند تنظيمها تحقيق التوازن بين متطلبات نجاح اداء مؤسسات الدولة في ممارسة عملها وتقديم أفضل الخدمات للجمهور وبين الحفاظ على حقوق شريحة الموظفين المالية والمعنوية، وقوانين الخدمة المدنية والملاك العراقية مر على سنها اكثر من نصف قرن من الزمان الأمر الذي جعلها قواعد متهالكة مفرغة من حكمتها وغايتها على الرغم من حصول تعديلات عديدة عليها، فاصبحت غير مجدية في تنظيم الوظيفة العامة ومراقبة حسن أدائها خاصة بعد التطورات التي رافقت عملية البناء القانوني في الوزارات وأجهزتها ودور التقديم التكنلوجي في مختلف شؤونها العامة.
واتجه مجلس النواب نحو تصحيح مسار الوظيفة العامة من خلال تشريع قانون الخدمة المدنية العامة المرسل من الحكومة منذ أكثر من عشرة سنوات، بعد أن ظل حبيس لجانه الدائمة طيلة الفترة الماضية لأسباب سياسية، وبحسب مسودة المشروع التي تناقش حاليا في مجلس النواب، يمكن تسجيل الملاحظات الآتية:
1- منح مشروع القانون في المادة (4) البند (ثانياً) صلاحية لمجلس الوزراء الاتحادي إستثناء التشكيلات التابعة للدولة من تطبيق أحكام هذا القانون، وقيد ممارسة هذه الصلاحية بتوفر شرطين، الأول تحقيق متطلبات الاصلاح الاقتصادي،والثاني دعم القطاع الخاص وترشيق الجهاز الإداري للدولة، الأمر الذي يجعل من الحكومة التي تتسم بسياسات واتجاهات غير ثابتة صاحبة الأختصاص الوحيد في تقدير سريان أحكام القانون من عدمه بحق أي من الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة تبعاً لتغيير الأحزاب الحاكمة، وتكمن خطورة هذه الصلاحية في حرمان فئات وظيفية عديدة من التمتع بالحقوق والامتيازات التي اقرها القانون لاسيما أن تقليص نسبة الشرائح الوظيفية المستهدفة في القانون يخدم ظاهراً إجراءات دعم القطاع الخاص الذي مازال لم يأخذ دوره الفاعل في عملية البناء والتنمية. ولمعالجة هذا الأمر بتوازن نسبييقتضي منح هذه الصلاحية لمجلس النواب حصراًيمارسها بناءً على اقتراح مقدم من قبل مجلس الوزراء.
2- تناول مشروع القانون منح مجالس الخدمة في الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم الاشراف على تطبيقه فيما يخص الوظيفة العامة المحلية، بينما بالاصل ترتبط مجالس الخدمة في المحافظات بمجلس الخدمة الاتحادي وتعد من ضمن تشكيلاته، الأمر الذي يقتضي أن يتولى مجلس الخدمة الاتحادي الاشراف على تطبيقه بالتنسيق مع مجالس الخدمة في الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم، وليس تقييد الأمر على مجلس الخدمة المحلي، وكذلك بين مشروع القانون في المادة (5/ثانيا) منه أن أسس العلاقة تحدد بتعليمات، ولم يوضح الجهة المخولة باصدار التعليمات.
3- تعدد جهات الرأي في تحديد بيان الحاجة الفعلية للموارد البشرية، فقد تناولت المادة (9/اولاً) منح صلاحية للرئيس الاعلى باقتراح الدرجات والعناوين الوظيفية وفقًا للحاجة الفعلية لدائرته وذلك بالتنسيق مع مجلس الخدمة الاتحادي أو مجالس الخدمة في الاقليم او المحافظة غير المنتظمة في اقليم. وأن وجود أكثر من جهة تختص ببيان الحاجة الفعلية من الدرجات الوظيفية بالتنسيق مع الرئيس الأعلى يسبب ارباك في وضع البيانات وتحديد عدد الملاكات المطلوبة، لذلك يتطلب من المشرع تعديل النص لتكون الصلاحية في اقتراح الحاجة الفعلية للدرجات الوظيفية من اختصاص الرئيس الاعلى الجهة الحكومية بالتنسيق مع مجلس الخدمة الاتحادي فقط.
4- عدم وضوح معايير تقدير الحاجة إلى الملاكات الوظيفية من عدمها، بما يفتح الباب على مصراعيه للأجتهاد الذي قد يفضي إلى التعسف في من قبل سلطة الإدارة، فقد قرر مشروع القانون في المادة (11/ثالثاً) منه احالة الموظف الفائض على الملاك بسبب حذف الوظائف إلى التقاعد في حال عدم الاستفادة من خدماته، وهذا الأمر يترتب عليه اضطراب في استقرار الاوضاع القانونية للموظف العام يجعل من حياته الوظيفية معرضة للزوال دون قيد أو شرط، لذلك يقتضي من المشرع وضع ضمانات تقيد من صلاحية الاحالة إلى التقاعد للموظفين الفائضين وفي ذات الوقت توفر حماية لحقوقهم من خلال استثناء الموظفين الذين لم يكملوا مدة 15 سنة خدمة في الوظيفة العامة من الاحالة إلى التقاعد.
5- اتجه مشروع القانون إلى سحب صلاحية التعيين وإعادة التعيين من الوزراء مقابل تفعيل دور مجلس الخدمة الاتحادي، حيث منحت المادة (16) منه صلاحية التعيين واعادة التعيين في الوظيفة العامة بقرارٍ من المجلس عدا التعيين فـي الوظائف القيادية، ومنح مشروع القانون لمجلس الخدمة الاتحادي تخويل هذه الصلاحيات للرئيس الاعلى المختص بشروط يحددها المجلس، إن جعل صلاحية الرئيس الأعلى في التعيين تدخل في نطاق اختصاص مجلس الخدمة الاتحادية يمارسها بصورة جوازية فيه تقييد كبير لاختصاص الرئيس الأعلى في ممارسة دوره بتعيين من يراه مناسباً بعد استيفاء الشروط القانونية، الأمر الذي يقتضي منح هذه الصلاحية لرئيس مجلس الوزراء باعتباره المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسية العامة للدولة وفق المادة (78) من الدستور.
6- منح مشروع القانون فرصة أكبر لشاغلي المناصب القيادية في تحسين أدائهم الوظيفي من خلال ما ذهبت إليه المادة (28/ثالثاً/ أ) من مشروع القانونالتي حددت المدة التي يكون فيها شاغل الوظيفة القيادية مستمراً في ممارسة مهامه أكثر من سنتين على الرغم من ضعف تقيية أدائه بدرجة دون الجيد، الأمر الذي يجعل من فرصة بقاء المسؤول غير المؤهل لاشغال منصبه حسب التقييم كبيرة مع وجود هذا الاستثناء، فلا سبيل للمحاسبة والمعالجة مع وجود ضعف في أداء شاغلي الوظائف القيادية يتجاوز السنتين، الأمر الذي يتطلب من المشرع تقييد الحد الأقصى للمدة الزمنية المطلوبة لتقييم الأداءالوظيفي بأن لاتتجاوز سنة واحدة، لما في ذلك من اثراً سلبياًعلى حسن سير المرافق العامة بانتظام في الوقت الذي تتجه السياسة الحكومية نحو تحسين الخدمات المقدمة للجمهور وأصلاح الهيكل الأداري للدولة.
7- تعد الحقوق الوظيفية المعنوية من أهم مكتسبات الوظيفة العامة والتي يترتب عليها آثار مالية لايمكن الانتقاص منها أو مصادرتها من قبل سلطة الإدارة دون سند من القوانين ذات العلاقة، إلا أن ماذهبت إلية المادة (39/اولا) من مشروع القانون يقضي بخلاف ذلك، حيث إن قرار ترقية الموظف إلى عنوان وظيفي أعلى لا يكون نافذاً إلا من تاريخ صدور الأمر الإداري بالترقية، وذلك الاتجاه التشريعي يمهد لتعسف سلطة الإدارة في تأخير في ترفيع الموظف لأسباب لادخل للموظف فيها، لاسيما أن شرط توفر الدرجة الوظيفة لا يعد من الشروط المطلوب توافرها للترقية حسب ماقررته المادة (38/ثانياً) من مشروع القانِون، الأمر الذي يقتضي أن تكون الترقية نافذة من تاريخ الاستحقاق والذي يتحدد باستكمال توفر الشروط التي تطلبها البند (اولا) من المادة (38) من مشروع القانون.
8- تناولت المادة (98/ثانياً) من مشروع القانون إلغاءكافة النصوص القانونية الواردة في التشريعات والقرارات والاوامر التي تقرر للموظف راتباً أو مخصصات خلافاً للرواتب والمخصصات المحددة في نظام الرواتب الذي سيصدر تنفيذاً لاحكام هذا القانون. وهذه الإلغاء يتسم بالغموض لسببين: الأولعدم الدقة في تحديد مقاصده بما يزيل اللبس في تحديد الشرائح المخاطبة بالقانون، والثاني لايمكن تحقيق مساواة بين المخصصات المالية للموظفين مع اختلاف المراكز القانونية التي يشغلونها، لاسيما أن إلغاء النصوص القانونية التي تقرر مخصصات مالية خاصة لفئات معينة من الموظفين وضعت بالأصل لتتلائم مع طبيعة المهام الوظيفية وظروف أدائها التي تختلف من وظيفة إلى أخرى بأختلاف مهام الوزارات والهيئات والمرافق والقطاعات التي ينتسب إليها الموظف، الأمر الذي يقتضي من اللجنة المالية إلغاء هذه الفقرة واستبدالها بصياغة أكثر مرونة تمنح للحكومة صلاحية تقدير مدى ضرورة وضع مخصصات مالية مساوية للفئات الوظيفية المتماثلة في المراكز القانونية باسلوب علمي ياخذ بنظر الاعتبار خصوصية كل فئة وظيفية من الوظائف العامة.