يتابع العراقيون بقلق موجة التصعيد الجارية بين الولايات المتحدة وإيران، لقناعتهم بأن أرض بلادهم ستكون إحدى الساحات الرئيسية لأي مواجهة عسكرية قد تحدث بين الطرفين.
ولا يتعلق قلق العراقيين بالموقع الجغرافي لبلادهم ومجاورتها إيران أو قربها من الخليج، فحسب، بل لأن الكثيرين منهم على يقين من أن بعض مواطنيهم سيدفعون إلى توريط البلد في الحرب، بل إن بعضهم يعمل فعليا على تجسيد ذلك الآن، من خلال تطوّعه لتنفيذ أوامر تتعلق بمهاجمة مواقع يوجد فيها عسكريون ومدنيون أميركيون أو لها صلة ما بمصالح الولايات المتحدة، كما حصل خلال الأيام الماضية.
ومثلت عمليات القصف، التي شنتها مؤخّرا مجموعات مجهولة على مواقع مختلفة بالعراق يتخذها العسكريون الأميركيون مقرات، مؤشرا واضحا على صلة العراق العضوية بالحرب التي تبدو وشيكة الآن أكثر من أي وقت مضى، في ظل إصرار إيران على دفع التصعيد نحو حافة المواجهة، سواء بأعمال القصف داخل العراق أو بمهاجمة ناقلات النفط في الخليج العربي وبحر عمان، أو التعرض المباشر للوجود العسكري الأميركي في المنطقة ممثلا بإسقاط “درون” أميركية فوق مضيق هرمز.
وقال مصدر إن جماعات مدعومة من إيران تقف على ما يبدو وراء الهجوم على مرافق نفطية في البصرة. وأضاف “استنادا إلى مصادرنا الفريق الذي أطلق الصواريخ مؤلف من أفراد تابعين لعدة مجموعات وكانوا جميعهم مدربين جيدا على إطلاق الصواريخ”. وذكر أن السلطات الأمنية تلقّت بلاغا قبل أيام بأن القنصلية الأميركية في البصرة قد تكون مستهدفة ولكن حدثت المفاجأة عندما سقط الصاروخ على موقع نفطي.
وقال عباس ماهر قائممقام مدينة الزبير بجنوب العراق إنه يعتقد أن بعض الأطراف استهدفت بشكل خاص شركة إكسون “كي تبعث برسالة”، مضيفا أنّ الصاروخ أُطلق من مزرعة على بعد نحو ثلاثة أو أربعة كيلومترات من المكان، وإن صاروخا ثانيا سقط إلى الشمال الغربي من البرجسية قرب موقع لشركة أويل سيرف للخدمات النفطية، إلا أنّه لم ينفجر. وأكّد “لا نستطيع أن نعزل ذلك عن المجريات الإقليمية، وعن الصراع الأميركي الإيراني”.
ويبدو أن العجز الحكومي في العراق عن تحقيق اختراق دبلوماسي من خلال الوساطة بين الولايات المتحدة وإيران، يتكرر بوضوح في التعامل مع الفصائل العراقية المسلحة الموالية لإيران، إذ تخشى المؤسسات المدنية والعسكرية على حد سواء، الإشارة بوضوح إلى الطرف المتورط في شن الهجمات على المعسكرات العراقية في الموصل وبلد والتاجي والشركات النفطية في البصرة والمنطقة الخضراء ببغداد.
وسعت وسائل الإعلام المحلية، طيلة الأيام القليلة الماضية، إلى استنطاق المسؤولين العسكريين والمدنيين، عن الجهة أو الجهات المتورطة في عمليات قصف المعسكرات العراقية التي يتمركز فيها الأميركيون، لكنها جوبهت بتحفظ كبير، يكشف الخشية من إغضاب الإيرانيين.
ويعتقد مراقبون أن الحكومة العاجزة عن فضح الجهة التي تضرب المعسكرات بشكل علني، ستكون عاجزة بشكل أكبر عن مواجهة هذه الجهات أو التعرض لها. وتدعم هذه الحقائق، التي تتعايش معها الطبقة السياسية العراقية بهدوء، فرضية أن يكون العراق إحدى أهم ساحات المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران، فهو المكان الذي يوفر أهدافا سهلة للإيرانيين والأميركيين على حد سواء، من دون أن تترتب ضريبة كبيرة على ذلك لأي منهما.
وما دامت الحكومة عاجزة عن إقناع الإيرانيين بضرورة إخراج العراق من خططها للمواجهة، فلا يمكن تصور أن الأميركيين سيستجيبون لها في حال طلبت منهم الأمر نفسه.
ويقول مراقبون إن الحكومة العراقية لا تملك إلا أن تأمل مرور الأزمة الحالية من دون حرب، أو بحرب لا يكون العراق ساحتها الرئيسية. وفشلت سلسلة لقاءات سياسية على أرفع مستوى، دعا لها الرئيس العراقي برهم صالح، في تحقيق الإجماع على موقف موحد من الأزمة، وسط حديث عن “حياد إيجابي”.
لكن الحياد الذي ينفع في مرحلة السلم، أو عندما تدق طبول الحرب، لن يكون مضمونا في حال اندلع القتال، إذ يمكن للعراق أن يجد نفسه طرفا مرغما على المشاركة في المواجهة بشكل أو آخر، إذا تورط بعض من مواطنيه فيها.
وربما تجد المؤسسة العسكرية العراقية نفسها في ورطة إذا ما اندلعت الحرب، ففضلا عن افتقارها لقدرة السيطرة على المجاميع المسلحة المارقة، التي تتحرك بتشجيع وتوجيه إيرانيين، فإنها تعاني انقساما في صلتها بطرفي الحرب، إذ يقترب جزء مؤثر من الشرطة الاتحادية والجيش من أن يكون صديقا لإيران، فيما يقترب جهاز مكافحة الإرهاب على سبيل المثال، وبعض ألوية القوات الخاصة من أن يكونوا أصدقاء للولايات المتحدة.
ويجمع المراقبون على أن الصورة التي تنتهي إليها هذه المؤشرات المقلقة، ترجح أن يدفع العراق ثمنا باهظا في أي مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة وإيران، قد تصل إلى ضرب عمليته السياسية وتفكيكها، والغرق في مستنقع من المواجهات الداخلية بين أصدقاء الولايات المتحدة وأصدقاء إيران.