تمكن الرئيسان الأمريكي دونالد ترمب والصيني شي جين بينج أمس من تفادي الأسوأ خلال قمة مجموعة العشرين في أوساكا بإعلانهما هدنة في حربهما التجارية، لكن استئناف الحوار هذا بين أكبر اقتصادين في العالم لم يترافق مع أي جدول زمني.
وبحسب “رويترز”، فإن هذه الهدنة تتيح الفرصة لالتقاط الأنفاس بعد الحرب التجارية المستمرة منذ عام، التي تبادلت في إطارها الدولتان فرض رسوم على واردات بمليارات الدولارات، ما عرقل خطوط الإمداد العالمية وأدى إلى اضطراب الأسواق وتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي.
واتفقت الولايات المتحدة والصين على استئناف محادثات التجارة مع إحجام واشنطن عن فرض رسوم جديدة على الصادرات الصينية، ما يشير إلى هدنة في النزاع التجاري المحتدم.
وقال ترمب “عقدنا مع الرئيس شي لقاء جيدا جدا، لا بل يمكن أن أقول ممتازا”، معتبرا أن العلاقات بين البلدين الخصمين “عادت إلى السكة الصحيحة”.
وطرح الرئيس الأمريكي ولو بصورة مبهمة احتمال تليين القيود الأمريكية المفروضة على مجموعة “هواوي” الصينية العملاقة، التي تشكل نقطة شائكة في الخلاف التجاري بين البلدين.وفيما كان أشبه بالصفقة بشأن شركة هواوي الصينية، أوضح الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، أن الشركات الأمريكية ستتمكن من بيع مكونات لأكبر شركة منتجة لمعدات شبكات الاتصالات في العالم، حيث لا تكون ثمة مشكلة تتعلق بالأمن القومي.
وذكر ترمب للصحافيين بعد اجتماع دام 80 دقيقة مع نظيره الصيني شي جين بينج على هامش قمة مجموعة العشرين، “عادت المحادثات لمسارها وسنرى ماذا سيحدث”.
وفرض ترمب، الذي خاض حملته الانتخابية عام 2016 تحت شعار “أمريكا أولا”، رسوما بنسبة 25 في المائة على واردات الصلب و10 في المائة على واردات الألمنيوم من عدد من الدول في محاولة لتقليص العجز التجاري الأمريكي.
وبلغ هذا العجز 566 مليار دولار في 2017، منها 375.2 مليارا مع الصين، أكبر منتج للصلب والألمنيوم في العالم.
وصرح ترمب بأنه لن يلغي الرسوم المفروضة على الواردات حاليا، ولكنه لن يفرض رسوما جديدة على سلع صينية إضافية بقيمة 300 مليار دولار، وهو ما كان من شأنه أن يؤدي فعليا لفرض رسوم على جميع الصادرات الصينية للولايات المتحدة.
وأضاف في المؤتمر الصحافي على هامش القمة، التي أقيمت في أوساكا في غرب اليابان، “سنمتنع في الوقت الراهن عن الرسوم وسيشترون منتجات زراعية” دون ذكر تفاصيل عن مشتريات الصين المستقبلية من المنتجات الزراعية.
وتابع “إذا أبرمنا اتفاقا سيكون حدثا تاريخيا للغاية”، ولم يذكر الرئيس الأمريكي جدولا زمنيا لما وصفه باتفاق معقد، ولكنه أضاف أنه لا يتعجل الأمر قائلا “أريد أن نبرم اتفاقا على نحو صحيح”.
وفيما يخص شركة هواوي، أوضح ترمب، أن وزارة التجارة الأمريكية ستعقد اجتماعا خلال الأيام القليلة المقبلة لرفع اسم الشركة الصينية من قائمة الشركات، التي يحظر عليها شراء مكونات وتكنولوجيا من شركات أمريكية بدون موافقة الحكومة.
وحذر الديمقراطيون في الكونجرس الأمريكي ترمب من تقديم تنازلات لشركة هواوي الصينية العملاقة للاتصالات في جهود حل النزاع التجاري مع الصين.
وكتب تشاك شومر زعيم كتلة الديمقراطيين في مجلس الشيوخ الأمريكي على “تويتر”: “هواوي واحدة من الروافع القليلة الفعالة التي يتعين علينا أن ندفع بها الصين، لأن تكون عادلة في ممارساتها التجارية”.
وأضاف شومر، أن اتفاق ترمب “سيقوض بشكل كبير قدرتنا على تغيير الممارسات الصينية غير العادلة”.
وسيتم خلال الأيام المقبلة مناقشة ما إذا كانت المجموعة التجارية العملاقة ستحذف من القائمة الأمريكية السوداء أم لا؟.
من جهة أخرى، حذر السيناتور الجمهوري ماركو روبيو من إدراج موضوع “هواوي” في المفاوضات، لأن الشركة “تعد تهديدا للأمن القومي الأمريكي” على حسب وصفه.في المقابل، رحبت الصين بهذه الخطوة، وأفاد مبعوث وزارة الخارجية الصينية لشؤون مجموعة العشرين، “إذا نفذت الولايات المتحدة ما تقوله، فنحن نرحب بذلك بكل تأكيد”.
وفي بيان مطول عن المحادثات الثنائية، نقلت وزارة الخارجية عن شي قوله لترمب، إنه يأمل أن تعامل الولايات المتحدة الشركات الصينية معاملة عادلة.
وبالنسبة لقضايا السيادة والاحترام، ذكر شي أن الصين ستحمي مصالحها الأساسية، مضيفا أن بلاده صادقة إزاء استمرار المفاوضات مع الولايات المتحدة، ولكن المفاوضات ينبغي أن تجري على قدم المساواة وتظهر احتراما متبادلا.
وهدد ترمب بتوسيع نطاق الرسوم المفروضة الحالية لتشمل تقريبا جميع الواردات الأمريكية من الصين إذا لم يحرز اجتماعه مع شي تقدما بشأن مطالب أمريكية بإصلاحات واسعة النطاق.
وبذلك يكرر الرئيسان السيناريو، الذي حصل في قمة مجموعة العشرين السابقة، التي عقدت في الأرجنتين في أواخر عام 2018 وعلقا خلالها نزاعهما لبضعة أشهر بهدف استئناف المفاوضات التجارية التي سرعان ما تعثرت.
وفي مواجهة صعوبة التفاهم بين بكين وواشنطن، توصل الاتحاد الأوروبي والسوق المشتركة لدول أمريكا الجنوبية “ميركوسور” التي تضم البرازيل، والأرجنتين، وباراجواي، وأوروجواي، إلى اتفاق على معاهدة تبادل حر، وهو ما وصفه جان كلود يونكر، رئيس المفوضية الأوروبية بـ”لحظة تاريخية”، لكن إبرام المعاهدة سيكون صعبا، لأنها تثير مخاوف المزارعين الأوروبيين حيال تدفق المنتجات من أمريكا الجنوبية، ولا سيما من البرازيل.
وطغت العلاقات بين الولايات المتحدة والصين على البرنامج الرسمي لقادة أكبر 20 اقتصادا في العالم الذين اختلفوا هذه السنة حول المناخ، بعيدا عن الحكومة العالمية المتناغمة التي حددوها هدفا لهم في اجتماعهم الأول عام 2008.
وإن كان هذا الاحتمال الذي كان سيشكل ضربة للاقتصاد العالمي، بات مستبعدا في الوقت الحاضر، فلم ترد تفاصيل من أي من الطرفين حول شروط الهدنة والجدول الزمني للمحادثات.
وأثناء لقاء ترمب وشي، كان دبلوماسيو الدول العشرين التي تمثل 85 في المائة من إجمالي الناتج المحلي العالمي، يواصلون مباحثاتهم حول المناخ، في وقت تشهد أوروبا موجة حر غير مسبوقة يعدها العلماء بمنزلة عارض لا لبس فيه للتغير المناخي.
وأظهر ترمب خلال اليومين اللذين أمضاهما في أوساكا تقاربه مع قادة يعدون شعبويين ومتسلطين أكثر مما راعى حلفاءه الأوروبيين.
وسعى الرئيس الفرنسي ماكرون، بدون جدوى، لعقد اجتماع ثنائي مع ترمب الذي لم يلتق من بين الأوروبيين سوى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
وفاجأ ترمب الجميع أمس، إذ اقترح في تغريدة لقاء الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون في المنطقة المنزوعة السلاح، التي تفصل بين الكوريتين “لمصافحته وقول مرحبا”.
لكن الأبرز بين هذه اللقاءات الثنائية يبقى لقاء الرئيس الأمريكي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين.