هل سيعقد العراق صفقة مقابل محاكمته لمعتقلي داعش من الاجانب؟

آخر تحديث 2019-07-05 00:00:00 - المصدر: وكالة الصحافة المستقلة

عمر ستار

أعلن رئيس الوزراء العراقيّ عادل عبد المهدي، في 25 حزيران/يونيو الماضي، أنّ حكومته تبحث في محاكمة عناصر من تنظيم “داعش” لم تقاتل في العراق، وذلك بعد أسابيع من محاكمة عناصر تسلّمتها بغداد من قوّات “سوريا الديمقراطيّة”.

وكان العراق تسلّم في شباط/ فبراير الماضي الدفعة الأولى من أسرى التنظيم لدى القوّات الكرديّة – السوريّة، من بينهم عشرات الأوروبيّين. وأعلن القضاء العراقيّ، في نهاية أيّار/مايو الماضي، أحكام إعدام بحقّ 5 فرنسيّين، فيما تتفاوض الحكومة الآن مع الأمم المتّحدة لتسلّم عناصر محتجزة الآن في سوريا من جنسيّات مختلفة لم تنفّذ عمليّات إرهابيّة داخل الأراضي العراقيّة من دون أن تعلن عن الأسباب، التي دعتها إلى تلك المفاوضات.

وتثير مواقفة العراق على تولّي مسؤوليّة محاكمة “الدواعش الأجانب” الكثير من الأسئلة وتضع علامات استفهام كبرى حول مواقف الدول التي ينتمون إليها ولم تطالب باسترجاعهم أو على أقلّ تقدير متابعة سير الإجراءات القانونيّة في حقّهم. ومن تلك الأسئلة: هل لدى بغداد مسوغات قانونيّة لمقاضاتهم؟ وهل هي قادرة على تحمّل تكاليف اعتقالهم؟ وما هو المقابل الذي سيحصل عليه العراق، وهو ينوب عن دول العالم بهذه المهمّة؟

وأكد مصدر قضائيّ في مجلس القضاء الأعلى بالعراق، أنّ “قانون مكافحة الإرهاب العراقيّ يجرّم داعش كمنظّمة إرهابيّة وكلّ من يعمل فيها هو مطلوب للعراق، حتّى وإن لم يحدّد الإطار الجغرافيّ لعمل تلك المنظّمة، فالقاعدة التشريعيّة تلتزم العودة إلى قانون أعلى هو قانون العقوبات (رقم 111)، إضافة إلى قانون أصول المحاكمات الجزائيّة. ولذا، أيّ جريمة ترتكب في الداخل أوّ الخارج يكون مرتكبها مسؤولاً أمام القضاء العراقيّ”.

وأوضح المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، بسبب “حساسيّة الموقف وعدم اتّخاذ الحكومة العراقيّة موقفاً نهائيّاً من المحاكمة حتّى الآن” أنّ “الأحكام المتوقّعة بحقّ عناصر التنظيم هي الإعدام والسجن المؤبّد، والأخير هو المشكلة بسبب اكتظاظ السجون العراقيّة وعدم وجود الأماكن الكافية”.

ورغم مطالبات البرلمان العراقيّ بمناقشة الموضوع مع الحكومة ومعرفة الأسباب التي دعت الأخيرة إلى القبول باستقبال هذه الأعداد من المتشدّدين في السجون العراقيّة، إلاّ أنّ ذلك لم يحدث حتّى الآن، ربّما بسبب انشغال البرلمان بقضايا استكمال الكابينة الحكوميّة وبعض التشريعات الملحّة، لكنّ النائب عن “سائرون” رائد فهمي أكّد نيّة كتلته طرح “محاكمة عناصر داعش للحوار البرلمانيّ للحيلولة دون دخول الحكومة العراقيّة في صفقة مع دول أجنبيّة أو إزالة ضغوط قد تتعرّض لها من خلال تحمّل البرلمان العراقيّ مسؤوليّة اتّخاذ القرار النهائيّ في المسألة”.

وكانت وسائل إعلام محليّة وعربيّة تحدّثت عن حصول بغداد على مبالغ ماليّة ضخمة من دول أوروبيّة مقابل محاكمة عناصر من “داعش” في العراق وعدم إعادتها إلى دولها لتجنّب محاكمات طويلة قد تنتهي بخروج بعضها من السجن لتكون بمثابة “قنابل موقوتة” داخل المجتمعات الأوروبيّة وأدوات لنقل الأفكار المتطرّفة. وإن صحّت هذه الأنباء، فإنّها ستقود بالضرورة إلى الاعتقاد بأنّ تلك المساعدات لن تكون عبر منح نقديّة في الدرجة الأساس لأنّها ستمرّ عبر قانون الموازنة ومراقبة البرلمان، بل إنّها على شكل مساعدات عسكريّة، وفقاً لرواية صحيفة “لو فيغارو” الفرنسيّة، التي كشفت الشهر الماضي عن حصول بغداد على مساعدات عسكريّة وتسهيلات في صفقات التسليح من دول غرييّة تقف في مقدّمتها فرنسا، التي يقدّر عدد مواطينها المنضمّين إلى صفوف “داعش” بنحو 700 فرنسيّ من أصل 5000 مقاتل أوروبيّ في العراق وسوريا.

وأكّد السياسيّ ليث شبر، المقرّب من رئيس الوزراء العراقيّ عادل عبد المهدي، أنّ “حكومة عبد المهدي لم تحصل على أيّ مقابل ماديّ من محاكمة الدواعش في المرّات السابقة، فالعراق اليوم لا يحتاج إلى الأموال، لكنّه قد يتعرّض إلى ضغوط من قبل الاتحاد الأوروبيّ ودول أخرى تملك علاقات جيّدة مع الحكومة العراقيّة، لمحاكمة العناصر الإرهابيّة الأجنبيّة التي قاتلت في العراق”.

أمّا في خصوص من لم يقاتل داخل الأراضي العراقيّة فقال ليث شبر: “هذا الموضوع مرفوض حتّى الآن من قبل الأطراف العراقيّة بمعظمها لأنّه لا يصبّ في مصلحة البلاد، لكنّه في طور النقاش، ولم يتمّ الاتفاق بعد، وإنّما مجرّد مشاورات أوليّة مع الأمم المتّحدة”.

أمّا عن عدم تسليم مقاتلي “داعش” إلى دمشق، رغم وجود علاقات بين قوّات “سوريا الديمقراطيّة” التي تحتجزهم، والنظام السوريّ، فيعود إلى تجنّب الدول الغربيّة أيّ علاقة قد تضفي المزيد من الشرعيّة الدوليّة والتعاون مع نظام الرئيس بشّار الأسد، خصوصاً أنّ الاتحاد الأوروبيّ لا يزال يفرض العقوبات على الكثير من أركان النظام وأقارب الأسد، الذي لا يمكنه أن يكون الطرف المفضّل في محاسبة عناصر الجماعات الإرهابيّة.

ومن المشاكل التي تواجه العراق في التعامل مع هذا الملف هي اكتظاظ السجون بالمعتقلين وعدم وجود أماكن شاغرة لمزيد من المعتقلين الأجانب، حتّى أنّ بعض الاحزاب يطالب حاليّاً بـ”تبييض السجون العراقيّة” بسبب النفقات الكبيرة التي تخصّصها الحكومة للسجون والمعتقلات. كما أنّ الإجراءات القانونيّة ستكون طويلة ومعقّدة بالنّسبة إلى الأطراف الأجنبيّة، التي قد تتدخّل في عمليّات طويلة من نقض واستئناف وإعادة محاكمات يوفّرها القانون العراقيّ، وربّما يؤدّي ذلك إلى وجود “غوانتانامو” عراقيّ، كما عبّر القياديّ في تحالف “دولة القانون” محمّد العكيلي.

وإذا كان العراق في طريقه لمحاسبة مقاتلي “داعش” نيابة عن بعض دول العالم، كما قاتلهم بالنيابة أيضاً، وبمساعدة التّحالف الدوليّ، فيجب أن يكون المقابل هذه المرّة معلناً وكبيراً، وإلاّ فإنّ الخيار الذي طرحته السلطات البلجيكيّة في شباط/فبراير الماضي بتشكيل محكمة دوليّة لمحاكمة “الدواعش” هو الخيار الأنسب للجميع ويجنّب بغداد الخوض في مشاكل داخليّة وخارجيّة.

المصدر:al-monitor