ما تبقى لهم ...

آخر تحديث 2019-07-09 00:00:00 - المصدر: وكالة الحدث الاخبارية

( ما تبقى لهم ) هو عنوان لفلم وثائقي قصير ، دعيت لمشاهدته وتقديم مداخلة حول ما جاء فيه ، حيث يتناول اوضاع المسيحيين العراقيين ...  فقلت : كنت اتمنى لو اني دعيت لمناقشة موضوع اخر ، غير موضوع هجرة المسيحيين من العراق ، واسباب تناقص اعدادهم خلال المرحلة التي اعقبت الاحتلال البغيض ، اي منذ عام ٢٠٠٣ وما تلاها و واكبها من احداث في مختلف محافظات العراق ، كون تذكر هذا الموضوع يؤلمني كثيراً ويجعلني اشعر بالمرارة والحسرة على فقدان الوطن لأبنائه الاصلاء ، لذلك سأشير الى بعض النقاط المهمة التي قد تزعج البعض ، حول ما تعرض له المسيحيين العراقيين من اضطهاد في وطنهم العراق لكي تتضح الصورة ... مما لاشك فيه ان الاضطهاد الذي طال المسيحيين قد طال الاخرين ايضاً ، كذلك فان التهجير الممنهج الذي مورس عليهم قد جرى على الكثيرين غيرهم ، والهدف من ذلك هو اجراء تغير ديموغرافي يستند الى أسس قومية ودينية ومذهبية ، ولقد رافقت تلك الاجراءات اساليب من التعامل غير الاخلاقي من قبل جهات وعناصر تابعة للحكومة واجهزتها ، وهذا ما كان واضحا في الاجراءات التي اتخذت ضد سكان قرى سهل نينوى ذات الاغلبية السكانية المسيحية قبل نكبة احتلال الموصل ... لقد جرت تلك الاحداث ضمن مخطط مدروس ، تلاها سقوط الموصل على يد ما يسمى بتنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام ( داعش ) ، ليزيد الطين بلة كما يقولون ، ليفرضوا على المسيحيين دفع الجزية او القبول بالدخول في الاسلام او القتل ، كما تم الاشارة الى بيوتهم ومساكنهم بحرف ( ن ) التي يعنون فيها ( نصراني ) لتكون مستهدفة ، ومن ثم مصادرة اموالهم وممتلكاتهم بعد ان اضطروا الى الخروج من مناطقهم للحفاظ على حياتهم التي اصبحت تحت رحمة هؤلاء المجرمين القتلة ... هذه الهجرة الجماعية كانت فرصة ذهبية ينتظرها المخططين الساعين الى التمدد والتوسع داخل مناطق سهل نينوى بحجة حماية المسيحيين المتواجدين فيها ، والحقيقة هي تحقيق احلامهم في فرض السيطرة وجعل الأمر يبدو على انه أمر واقع لا شك فيه ... بقي الأمر على حاله السيئ الى ان جاءهم ما أسموه ( التحرير ) الذي اسميه ( التدمير ) ، ليدمروا ما تبقى من مدينة الموصل ، تحت مسمى التحرير  ، ولتظهر حالة جديدة من السلب والنهب على يد الميليشيات المسلحة التي هي وجه أخر لداعش ، ليكتمل المسلسل الذي بدأته داعش ... الجميع يتسائل لماذا يتعاملون مع المسيحيين بهذه الطريقة ، وهم اصحاب الارض الاصلاء ، ولماذا نطلق عليهم تسمية لا يستحقونها ؟  الجواب يمكن تحديده بالنقاط التالية : النقطة الاولى : انه الجهل بما جاء في الرسالات السماوية ، والجهل بالتعاليم التي جاءت بها ، فالحديث النبوي الشريف يقول : ( انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق ) ، قال في حديثه بعثت وهذا يعني ان هنالك من بعثني وارسلني لكي اتمم ما بدأه من سبقني من المرسلين والانبياء بما حملوا من مكارم الاخلاق لهداية الانسان ...    نعم هذا حديث الرسول عن حسن الخلق ، لأنه يؤمن بان الرسالات السماوية جاءت تباعاً بمشيئة الله ، فكل من تعامل معه شهد له بالصدق والأمانة والعدالة والخير ، ولكن للأسف فان البعض تعاملوا مع الدين بطريقة خاطئة جعلت الناس تنفر منه وتظنه ينادي بالوحشية والهمجية ... النقطة الثانية : هي الجهل في التعامل بالقيم الانسانية ، واهمية الانسان لدى الخالق باعتباره القيمة العليا ، وعلى سبيل المثال لا الحصر ما جرى مع طالبة متفوقة وهي الاولى على الجامعة لأربعة سنوات ، عندما رفض رئيس لجنة الفحص تعينها معيدة في الجامعة كونها كفيفة ، وقال لها بالحرف الواحد ( ما اخليكي تتعينين لو منو ما يجي ) ، بالاضافة الى التعتيم على قضية مقتل عائلة كاملة تضم الدكتور هشام شفيق مسكوني طبيب أشعة في مستشفى الراهبات وزوجته الدكتورة شذى مالك دانو طبيبة نسائية و والدتها السيدة خيرية داود ، ناهيك عن عمليات الخطف والتهديد ، والاستيلاء بدون وجه حق على ممتلكات المسيحيين بما فيها الدور والعقارات والاراضي ، وغيرها من السلوكيات اللا انسانية ...  النقطة الثالثة : تجسد مفهوم الجهل بالتاريخ ، وما رافقه من حالات مشابهة ومماثلة عبر التاريخ ، ابتدأً من عمليات هدم الكنائس والاديرة التاريخية التي بنيت قبل عدة قرون من الزمن ، ( حيث ان هنالك ثلاثة وثلاثون كنيسة وديرا تنتشر على ارض النجف فقط ) ،  لذلك تم اعتماد سياسة فرض القبول بالأمر الواقع وما له من تأثيرات سلبية ، وانعكاساتها على التربية والسلوك العام للابناء ، وزرع فكرة ان الالتزام والاحترام الذي يعتبر الصفة الغالبة والسلوك العام لاكثرية المسيحين ، وتفسيره على انه الخوف والضعف ، في حين انه يبين جوهر التربية التي نشأؤا عليها ، ويجسد تعاليم السيد المسيح عليه السلام في نبذ العنف واستخدام القوة ...  هذه بعض الاسباب التي أدت الى تناقص اعداد المسيحيين في العراق ، وللامانة التاريخية نقول : ان الفترة الذهبية التي عاشها المسيحيون في العراق ، والتي تلاشت فيها الفوارق ، كانت في زمن النظام الوطني ، منذ عام ١٩٦٨ الى ان جاء الاحتلال البغيض في عام ٢٠٠٣ ، حيث منح فيها المسيحيون حقوقهم كاملة كمواطنيين عراقيين ، وعلى سبيل المثال اصدار قانون حقوق الناطقين بالسريانية ، لتبدأ بعدها أسوء مرحلة في تأريخ حياتهم ، وهذا مالا يمكن انكاره على الاطلاق ... بالعودة الى عنوان المقال ( ما تبقى لهم ) نقول :  بقي لدينا الكثير ، واول شيء هو رحمة الله عز وجل ، ومن ثم ضمير الشرفاء وانتم في طليعتهم ... لله درك ياعراق الشرفاء ...