عبد الحميد الصائح
يُسعدني هذا الصباح أنْ أُطلّ من الصّباح وتحديداً من نافذتها المخصصة للحوارِ في السّلام والمستقبل؛ وآفاق الوحدة العراقية التي قاومت وتقاوم كلّ محاولاتِ التفتيت والفِرقة؛وتصيّدِ المتناقضات وشحذِ العناوين الهامشية للتنابز والاحتراب وتهوين قيمة هذا الشعب العظيم؛ الذي عَبَرَ الاف المنعطفات والمراحل من حضارات وأنظمة قامت ثم اندثرت ثم قامت ثم اندثرت؛الى حروب من شتى الأقوام وشتى الأهداف.
هنا في (دعوة عامة) سنلتقي نستذكرُ ونتناقش ونختلفُ ونَحلمُ في حضرة العراق، حضرة الهُوية الجامعة الكبرى، فالهويات التي يحملُها الفرد الواحد كثرٌ ، تتشعب مثل الامكنة، البيت ثم المنطقة ثم المدينة ثم المحافظة ثم الدولة ثم القارّة ثم المَجَرّة ثم الكون ، وكما هي الأمكنة؛ يتشعب مبدأ الهوية الجامعة من هويات الإسم الى العائلة والعشيرة والمنطقة والطائفة والدين والقومية ثم الحزبية إذا كان المواطنُ منتميا لتجمع سياسي أو ثقافي .
مالذي يحدث للمجتمعات حين تضطرب شؤونها ويتهدد نسيجُها، تنتفخُ العناوين الفرعية الى أبعد من وجودها الإعتباري الطبيعي وتتحول الى مركزيات وقوى ومصادر للحماية وربما أطراف في مواجهة ، وكلما يضعف عنوانٌ؛ تنتقل المركزية الى ماتحته ، إذا ضعف عنوان المواطنة يلتجيء المواطنُ إلى المدينة إلى المناطقية ، اذا ضعفت هذه وقل انتفاخُها ولم تعد مصدراً للحماية ينتقل الى هوية الدين ، اذا لم يكن الانتماء الديني كافياً ينتقل الى الطائفة ؛ إذا لم تكن الطائفة والعشيرة كافية في المغالبة ينتقل الى الحزب أو الشخص ، وهكذا ...حتى تضيقَ سبلُ الناس وفضاءاتُها العامة عند هذا المنحدر ، ويسود عدم الثقة؛ وتهتز أركان المجتمع، ويتفتت النسيج الوطني تماما.
ليس الآن موضعَ الحديثِ عن الأسباب ، الحروب – الأحتلال – الكوارث الطبيعية – أجندات خارجية غامضة – الأرهاب ، ؟ كلها وفي أي بلد منذ ماقبل التاريخ ؛ تبدأ الفتكَ بالدولة ومركزيتها؛ والمجتمع والهوية العليا الجامعة لنسيجه، بمعنى ضرب المواطنة وقوة القانون .
عودة الحياة بعد هذا الشلل الوطني ، تبدأ بالعد العكسي لذلك ، بالانتقال من مركزية الشخص ثم الجماعة ثم العشيرة فالطائفة ثم الدين فالمنطقة حتى الوطن الذي يجمعنا جميعا ، ويضمن المكانة الرفيعة لعناويننا الفرعية الأخرى دون أن يكونَ لها تاثيرٌ في سير شؤون الدولة التي ترعى مواطنيها دونَ تمييز.
ومع مراجعة عامة لتواريخ الأمم والشعوب لاسيما التي شهدت حوداثَ وكوارثَ كُبْرى ، نرى أن الشعوبَ العظيمة هي الشعوب انتصرت على ظلامها ،القادرة على إنتاج مركزيات جامعة ، مركزيات عمادها القانون والمساواة ، لان غياب مركزية القانون يتيح الفرص لتسلل مركزيات أخرى كالديكتاتورية؛ أو وصاية الإحتلال؛ أو خرافات الشواذ القادمين من وراء الحدود، من ظلال النصوص وظلام التفاسير ، ودوافع الكراهية ،لتفعل في البلاد والعباد ما يَقْتل - أول مايفعل - الهوية الجامعة .