ما أنت إلا جزءٌ من كلّ غير مرضيّ عنه !

آخر تحديث 2019-07-18 00:00:00 - المصدر: نون

بقلم: نجاح بيعي

بات الأمر من المُسلمات لدى جميع زعامات الطبقة السياسية العراقية, ومنذ أن انخرطت في العملية السياسية التي انطلقت في نيسان من عام 2003م وللآن, بأن طرح أي فكرة أو مشروع سياسي من قبلهم, بقدر تعلق الأمر بالدولة العراقية بشكل عام أو بالشأن الحكومي بشكل خاص, فهي فقاعة صفراء أو حمراء مصيرها الفشل الحتمي, إن لم تستحصل رضى ومُباركة المرجعية الدينية العليا أو موافقتها على أقل تقدير.


فزعامات الطبقة السياسية المُتصدّية للشأن السياسي كانت ولغاية الأشهر الأولى من عام 2016م (وهو التاريخ الذي سدّت به المرجعية العليا بابها بوجههم جميعا ً بعد أن أشاحت بوجهها بعد انطلاق فتوى الدفاع المُقدسة عام 2014م, بسبب إخفاقاتهم المتكررة في إدارة دفة الحكم الناتج عن عدم الأخذ بنصائحها وإرشاداتها غير تفشي الفساد وتكريسه) كانوا يزورونها ويطرقون بابها توسلا ً بمباركتها واستحصالا ً لرضاها وإن كانوا يبدون خلاف ما يُبطنون في معظم المواضيع إن لم تكن كلها.


واليوم.. وقد بَعُدت عليهم الشُقة أكثر وأكثر, وبالرغم من يقينهم الثابت بأن فتح باب المرجع الأعلى لهم أو تركه مواربا ً دون العطف والرضا منها قد صار حلما ً بعيد المنال, بما جنت أيديهم وتورطهم بالمآسي التي أصابت الشعب العراقي بجميع مكوناته, نراهم لا يتحرجون بإدّعاء أنهم يملكون حظوة عند المرجعية العليا, أو بالإدّعاء بأن المرجعية العليا تنظر إليهم بعين الرضا والتأييد, أو بالإدّعاء أن لهم علاقة وثيقة بأحد وكلاء المرجعية العليا, وما ذلك إلا لتمرير وتسويق مشاريعهم الهابطة وطروحاتهم الأنانية إعلاميا ً, ولكسب التأييد الجماهيري من ذوي العقول المغرر بهم لا غير. لعلمهم المسبق بأن أي مشروع سياسي في العراق لا يُكتب له النجاح دون مباركة سيد النجف الأشرف من قريب أو بعيد.


وهذا ما وقع فيه رئيس الوزراء السابق (حيدرالعبادي) ودفعه لأن يُقحم إسم المرجعية العليا وأحد مُمثليها في تصريحات له على طريقة (ولي فيها مآرب أخرى), وسط تهويل إعلامي ضبابي غير مُبرر, يُظهر بوادر تزعمه حراك سياسي خفيّ يصبّ في النيّة العودة الى رئاسة الحكومة بعد الإطاحة بـ(عبد المهدي) وحينما سألته الوكالات الإعلامية حول تلك النية أجاب: (نحن نيتنا طيبة في هذا الإطار).


(العبادي) كان قد صرح لوكالة (فرانس برس) بتاريخ 14تموز 2019م بأن (هناك تواصلا ًمن نوع معين مع المرجعية الدينية العليا المتمثلة بالسيد علي السيستاني صاحبة التأثير الكبير على المشهد السياسي العراقي). وقال في حديث تلفزيزني بتاريخ16 تموز 2019م أنه: (التقى ممثل المرجعية الدينية التي قال إن لديها ملاحظات كثيرة على حكومة عبد المهدي).
وما بوسعنا هنا إلا أن نُذكر السيد (العبادي) ومن قِبَله الطبقة السياسية العراقية برمتها بـ(3) ثلاث مواقف فقط للمرجعية الدينية العليا وهي:
ـ الموقف الأول: لا يُعبّر عن رأي المرجعية العليا أحدٌ غيرها قط.
حيث قالت المرجعية العليا بتاريخ 16/10/2003م جوابا ً على تساؤل مفاده أن بعض وسائل الإعلام المختلفة تنشر بين الحين والآخر تصريحات سياسية لأشخاص تطلق عليهم عناوين متفاوتة كـ(ممثل السيد السيستاني) و(مساعده) و(وكيله) و(المقرب إليه) وما يشبه ذلك:
(لا يعبّر عن وجهات نظر سماحة السيد مدّ ظله إلاّ ما يصدر موقّعاً ومختوماً بختمه الشريف أو مكتوباً ومختوماً بختم مكتبه دام ظله، وأما ما عدا ذلك فإنما هي وجهات أنظار أصحابها).
ـ الموقف الثاني: ليس للمرجعية العليا إزدواجيّة في المواقف أبدا ً.
حيث قالت المرجعية العليا في النقطة (الثالثة) من خطبة جمعة كربلاء المُقدسة الثانية ما يلي:
(ليس للمرجعية الدينية العليا موقف مُعلن وآخر يتمّ الإيحاء به لبعض الناس, موقفها واحد واضح لا لَبْسَ فيه..).
ـ الموقف الثالث: نتائج الإنتخابات الأخيرة (2018م)غير مرضيّ عنها لإنتفاء مقدماتها الصحيحة.
ـ قالت المرجعية العليا في بيانها حول الإنتخابات البرلمانية العراقية التي جرت عام 2018م مايلي:
(ولكن من الواضح أنّ المسار الإنتخابي لا يؤدّي الى نتائج مرضيّة إلّا مع توفّر عدّة شروط منها:
1ـ أن يكون القانون الانتخابي عادلاً يرعى حرمة أصوات الناخبين ولا يسمح بالالتفاف عليها.
2ـ أن تتنافس القوائم الإنتخابيّة..بعيدا ً عن الشخصنة والشحن القومي أو الطائفي والمزايدات الإعلاميّة.
3ـ أن يُمنع التدخّل الخارجي في أمر الإنتخابات سواء بالدعم المالي أو غيره.
4ـ وعيُ الناخبين لقيمة أصواتهم ودورها المهمّ في رسم مستقبل البلد، فلا يمنحونها لأناسٍ غير مؤهّلين إزاء ثمنٍ بخس ولا اتّباعاً للأهواء والعواطف أو رعايةً للمصالح الشخصيّة أو النزعات القَبلية أو نحوها).
وأردفدت:
(ومن المؤكّد أنّ الإخفاقات التي رافقت التجارب الإنتخابيّة الماضية من سوء استغلال السلطة من قبل كثيرٍ ممّن انتُخِبوا أو تسنّموا المناصب العُليا في الحكومة، ومساهمتهم في نشر الفساد وتضييع المال العام بصورة غير مسبوقة، وتمييز أنفسهم برواتب ومخصّصات كبيرة، وفشلهم في أداء واجباتهم في خدمة الشعب وتوفير الحياة الكريمة لأبنائه، لم تكن إلّا نتيجة طبيعيّة لعدم تطبيق العديد من الشروط اللازمة - ولو بدرجات متفاوتة- عند إجراء تلك الإنتخابات، وهو ما يلاحظ - بصورة أو بأخرى- في الإنتخابات الحاليّة أيضاً، ولكن يبقى الأمل قائماً بإمكانيّة تصحيح مسار الحكم وإصلاح مؤسّسات الدولة من خلال تضافر جهود الغيارى من أبناء هذا البلد واستخدام سائر الأساليب القانونيّة المُتاحة لذلك).


والنتيجة..

نُذكر السيد (العبادي) إن كان قد نسي , و(ما راح نجيب بالطاري) طلب المرجعية العليا الذي (ذهب مع الريح) وخذلت الشعب: بـ(أن يكون أكثر جرأة وشجاعة.. في مجال مكافحة الفساد) وأن (يضرب بيد من حديد لمن يعبث بأموال الشعب) وأن (يضع القوى السياسية أمام مسؤوليتها ويشير الى من يعرقل مسيرة الإصلاح أي كان وفي اي موقع كان) وأن (يتجاوز المحاصصات الحزبية والطائفية ونحوها) وأن (لا يتردد من إزاحة من لا يكون في المكان المناسب إن كان مدعوما من بعض القوى السياسية) وأن (لا يخشى رفضهم واعتراضهم معتمدا ً في ذلك على الله تعالى الذي أمر بإقامة العدل وعلى الشعب الكريم الذي يريد منه ذلك وسيدعمه ويسانده في تحقيق ذلك).


ـ إنك جزء لا يتجزأ من كل (فاشل) سار من إخفاق لآخر عبر مسيرة الإنتخابات الماضية والأخيرة وفزت بها.
ـ وإنك من الذين جاؤا بالقانون الإنتخابي السيء الصيت (سانت لييغو) والغير عادل وأتيت به, في معترك التنافس الموبوء بالشخصنة والشحن القومي أو الطائفي والمزايدات الإعلاميّة.
ـ وإنك جزء من ماكنة سوداء كبيرة سلبت وعي الناخب وصادرت صوته مستغلا ً العناوين المقدسة التي أفرزتها الحرب مع عصابات داعش تحت مظلة فتوى الدفاع المُقدسة.
ـ وإنك ممن تسنموا المناصب العليا في الحكومة وساهمت في نشر الفساد وتضييع المال العام بصورة غير مسبوقة.
ـ وأخيرا ً وليس آخرا ً إنك جزء من كل غير مرضيّ عنه عند المرجعية العليا بالمرة.
فكيف تفكر أن تكون لك حظوة أو أمل رِضى أو رجاء تأييد أو نيل عطف من المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف.