حسن كاظم الفتال
الجزء الأول
ــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ﴾ ـ البقرة/ 170
التمهيد
ـــــــــــــ
ما نقصده هو النصوص القرآنية والأحاديث النبوية والروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام وما شابه ذلك.
والحديث في مثل هذا الموضوع شيق ومترامي الأطراف متشعب المحاور. ولعله يحتاج إلى أسس. أحاول بعون الله أن أعرضها وأثبت عليها ركائز الحديث.
وأود أن أذكر قبل أن ابدأ بالتحدث بأن حديثي لا يمثل دراسة أو بحثا فلسفيا حكميا في موضوع نصوص الأحاديث والذي يتدخل بصلب علم رجال الحديث بل هو تعريف بسيط لكيفية استخدام بعض الأحاديث المشهورة والتي يحفظ نصوصها ويتناولها الجميع بطريق التواتر وتتعلق بحياتنا اليومية العامة والتي يتخذ الناس منها حكمة يستشهد بها ساعة يود تقديم النصيحة والموعظة للآخرين أو يستخدمها البعض بما يتلاءم مع المصلحة. وأقصد بالنصوص كل ما قيل من أحاديث أو حتى الأمثال التي تواترت أو المفردات القرآنية الواضحة المعنى. فهنالك آيات مشهورة إما لورود تكرارها في القرآن الكريم فقد وردت بعض الآيات مكررة في عدة سور مع تغيير في بعض المفردات وحتى أحيانا دون أي تغير حتى في المفردة وفي كل سورة تحمل حكمة وسرا وعظمة وهو أسلوب من أساليب القرآن العظيمة ومن بيان معجزته فأن في تكرارها فوائد جمة أو لكثرة استخدامها من قبل المقرئين أو الخطباء. وحين أقول توظيف الحديث أو النص فأعني في كل المجالات ولا بأس أن تتصل حتى بالسياسية إن تطلب ذلك فان هنالك نصوصا سياسية تكتب بقصد وتقرأ وتفهم بقصد.. ولكن لابد لي أن ألمح إلى مسالة علم الحديث ونشأته بشكل موجز جدا جدا ولأجعل ذلك مدخلا لما أنوي الوصول إليه
المدخل
ــــــــــــ
منذ القدم اتخذ الإنسان مرتكزات عديدة ارتكز عليها في بناء حضاراته ومن هذه المرتكزات التراث أو الموروث الثقافي ولعل البعض قد اختص بتدوين معالم الموروث إما بدقة متناهية وإما بترتيب معين وإما بشكل عشوائي. ولكن ظلت الحصيلة واحدة، وهي أن التراث لكل مجتمع هو الجذر الذي يغذي الأصل والفرع لينموا
الأحاديث أو الروايات وحتى الأمثال الشعبية يمكن أن تعد من مؤشرات الحضارة أو تدوين التاريخ وضبط محكماته ولعل التدوين يزيد ازدهار التاريخ للأمة المدونِ تراثها.
ويبدو أن التدوين فن من الفنون التي لا يتيسر على الجميع مزاولتَه إلا من ذوي الاختصاص لهذا قد اعتنى مدونو الحديث اعتناءً فائقا بعملية التدوين إذ دأبوا على التصنيف والتبويب والتنسيق والإهتمام بالترتيب والإلتزام بالتسلسل الزمني،
حتى بزغ فجر الإسلام ونزل القرآن الكريم على صدر خير الخلق محمد صلى الله عليه وآله وأحدث تغييرا واقعيا واضحا كل الوضوح وراح المسلمون وحتى غيرُ المسلمين يتخذون من ثوابته مسلمات اجتماعية.
بعد رحلة رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الرفيق الأعلى قام بعض من أصحاب المآرب والغايات المنحازة للمصالح الخاصة بوضع الحديث لصالحهم كما وقع في عهد عثمان.. وبعدها تطور الوضع وكثر في عهد معاوية بن أبي سفيان فصار طلاب الدنيا يضعون عشرات الأحاديث في فضائله وفضائل بني أمية ويضعون الذم لأعدائه.
أما في دولة بني العباس لم يكن وضع الحديث أقلَ من الدور الذي كان في عهد الدولة الأموية. فقد وضع الوضاعون الحديث في فضائل بني العباس وإخبار النبي بدولتهم – النص والإجتهاد / السيد شرف الدين
لعل ابتداء ظهور الحديث كان أيام الإمام الباقر صلوات الله عليه وبدأ نمو هذه الظاهرة أيام الإمام الصادق صلوات الله عليه لما رأى من ضياع الحديث والسنن،وهذا ما أورده العلماء الأجلاء من رواة الحديث. وهنا أود أن أذكر لما يشير إليه كل واصف لمدرسة العلوم الدينية وهي وجود ألفِ متحدث في مسجد الكوفة كل يقول: (حدثني جعفر بن محمد صلوات الله عليهما).
عن أبى بصير قال: دخلت على أبي عبد الله صلوات الله عليه فقال: (ما يمنعكم من الكتاب ؟ إنكم لن تحفظوا حتى تكتبوا، إنه خرج من عندي رهط من أهل البصرة يسألون عن أشياء فكتبوها).
وعن علة وضع الحديث أو أسبابه: يوعز الشيخ محمد رضا المظفر: ذلك إلى ثلاثة عوامل:
العامل الأول: حب تأييد النزاعات والعقائد، فيغري على الكذب، ولعل ذلك يخدعه بأن الرأي الذي يعتقده حقا يسوغ له الوضع ما دام الموضوع باعتقاده هو شبيه به.
العامل الثاني: حب الظهور والتفوق. فقد كان للمحدث في العصور الأولى المنزلةُ العظيمةُ بين العامة وبالحديث كان التفاخر والتقدم. ويمتاز من كان عنده من الحديث ما ليس عند الناس. فأغرى ذلك ضعفاء العقول وعبدة الجاه فاحتالوا للحديث من كل سبيل، حتى عن طريق الوضع والتزوير.
العامل الثالث: ما بذله الأمويون وأشياعهم من كل غالٍ ورخيص للمحدثين على وضع ما يؤيد دستهم وملكهم وأهواءهم، ولا سيما فيما يحط من كرامة أهل البيت صلوات الله عليهم، وفيما يرفع شأن أعدائهم وخصومهم. فكثرت القالة واتسع الخرق حتى طعن الإسلام طعنة نجلاء لم يبرأ منها إلى يوم الناس هذا. انتهى حديث الشيخ المظفر
أستخدامات النصوص وتصريفها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قد تتفاوت نسب فهم النص من شخص إلى آخر ومن طبقة إلى أخرى أضف إلى ذلك كيفية استخدام النص والهدف من استخدامه ومن فهمه وحين الفهم لعله يفهم ولكن لا يستخدم كما يفهم أو كما ينبغي، بل إنما ما يحصل هو العكس من ذلك إما جهلا وإما خطأ في الفهم إما بقصد تام وإصرار على الاستخدام الخاطئ وإيهام الآخرين. بغية تحقيق مأرب معين.
إشغال الناس بأمور جانبية لكي لا يلتفتوا إلى تطبيق الأحاديث ولا لسماعها والانتباه لمصداقيتها.
أحيطت بعض النصوص بالغموض بقصد عدم فهمها فهما جيدا وتفسير من يود تفسيرها على هواه.
لم تكن بعض الأحاديث ولا سيما الموضوع منها خاضعا لرقابة عقلية
ولاستخدام النص أسباب كثيرة ومنها: هوى النفس.. الاستمالة للمصلحة الخاصة.. تحقيق مآرب معينة أو مكاسب أو منافع.. المتاجرة سواءٌ بالأحاديث أو بالعقول التي تتأثر بها وذلك عن طريق التلاعب بالألفاظ أو بتغير المفردات.. الانحياز وإمالة الآخرين إلى خط المطلوب.. ولعله أحيانا للترغيب والترهيب.. لترويج فكرة معينة.. وربما يدخل أحيانا في خانة إرضاء السلطان والسعي للتقرب منه.. وكم بذلت الأموال وتم البذخ والإفراط وهذا ما يحصل في كل زمان ومكان من أجل أن تخرج الأحاديث دون أن تخضع لأية رقابة عقلية أو عقائدية أو حتى اجتماعية.
واتجه البعض اتجاها يختلف عن الآخرين إذ أنهم حين يئسوا من تحريف القرآن بتغيير الآيات وحذف البعض منها لجؤوا إلى التحريف بالتأويل والتفسير بما يحلو لهم وما ينسجم مع الأهواء. متجاهلين قول الإمام الحسن صلوات الله عليه: (ما بقي في الدنيا بقيةٌ غيرَ هذا القرآن فاتخذوه إماما يدلكم على هداكم وان أحقَ الناس بالقرآن من عمل به وان لم يحفظه وأبعدَهم منه من لم يعمل به وان كان يقرؤه. وقال صلوات الله عليه: من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ).
ولعل البعض يخطأ أحيانا حين يعمد التصحيح أو يود درء الشبهات ويعتقد بأن ذلك تصحيحٌ بينما هو في الواقع تخبط
وقد تدخلت المنظومة التقوية في وضع الحديث تدخلا مباشرا أو ربما أُقحمت وتحكمت بأساليب الوضع والتأويل والتوضيح. حسب مصدر الاكتساب والإملاء وحسب اختيار موطن الوضع في الطروحات وصار البعض يؤثر السكوت على الكلام والبعض يسير مستيقظا لكنه يعد من النيام واستشرى الجهل وتحكم اللئام بالناس بعد أن كممت الأفواه وأصبح كل يدعي بالعلم وصلا ولعل التأريخ عادة تتشابه المواقف فيه وتتقارب صور الحقب المتعاقبة وفي كل عصر يقول من يحيا به أن التأريخ يعيد نفسه وما علمنا هل يصدق هذا القول أم لا ؟.
إلى اللقاء في الجزء الثاني