القاضي عامر حسن شنته
يضطلع القطاع الخاص بدور أساس وجوهري، في الدول التي تعتمد نظام (اقتصاد السوق), في تحقيق التنمية الاقتصادية. وقد استقرت ملامح هذا النظام في بعض الدول، وباتت قوى القطاع الخاص هي القوى التي تتولى قيادة وتوجيه مفردات (الاقتصاد الجزئي). واقتصر دور الدولة على تحديد قواعد العمل، ومراقبة تنفيذ القوانين، وحماية الملكية الخاصة، وانتاج السلع العامة، ورسم الأهداف الاجتماعية.
وإذا كان دور القطاع الخاص بهذا الوضوح في تلك الدول, فانه بالتأكيد ليس على هذا النحو من الوضوح والرسوخ في الدول التي تحولت اقتصادياتها من (نظام التخطيط المركزي) إلى (اقتصاد السوق)،ومنها العراق. خاصة مع غياب الآليات الواضحة لذلك الانتقال، الأمر الذي قد يفتح المجال واسعاً لتحول هذا القطاع إلى قطاع طفيلي، يعيش على المال العام ويستنزفه، دون أن يقدم خدمات حقيقة.
إن تراجع دور الدولة في مجالات (الإنتاج والدخول والتوظيف والخدمات الاجتماعية) أدى إلى بروز دور القطاع الخاص في قيادة تلك القطاعات، والحلول محل الدولة فيها، وما قد يرافق ذلك من صور الفساد في القطاع الخاص. وقد تنبهت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد المبرمة في عام 2003 إلى ذلك الأمر فجعلت من ضمن مبادئها التي ألزمت الدول الموقعة (ومنها العراق) باتباعها. هو وضع التشريعات اللازمة لمكافحة الفساد في القطاع الخاص. والتزاماً من العراق بذلك المبدأ فقد نصت المادة (3/ثالثا) من قانون هيئة النزاهة على دور الهيئة في تنمية ثقافة مكافحة الفساد في القطاعين العام والخاص.
غير أن القانون المذكور لم يُدخل التحقيق في الجرائم المرتكبة من قبل القطاع الخاص وممثليه، ضمن اختصاص الهيئة التحقيقي. وفي رأينا أن ذلك يمثل نقصاً تشريعياً ينبغي تداركه. كما نص قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب على جملة من العقوبات التي تطال (المؤسسات المالية الخاصة) في حال مخالفتها لأحكام القانون. وكذلك فعل المشرع سابقا في قانون الشركات رقم 21 لسنة 1997 في ما يتعلق بمخالفة (الأحكام التنظيمية)للقانون من قبل الشركات. ولم يتضمن أحكاماً عقابية لصور الأنشطة غير المشروعة للشركات، وهو أمر طبيعي في ظل صدور القانون في وقت كان الاقتصاد فيه موجهاً, وكان دور الشركات الخاصة ضئيلاً ومحدوداً.
ونص قانون العقوبات العراقي على بعض جرائم الغش في المعاملات التجارية, والتدخل في حرية المزايدات والمناقصات. مما سبق نجد أن رؤية الدولة في مكافحة الفساد في القطاع الخاص, لا تزال غير واضحة وتتوزع أحكامها بين عدة قوانين. وهي في مجملها قاصرة عن معالجة الكثير من صور الفساد في القطاع الخاص، التي بدأت تظهر مع تعاظم دوره في العراق واحتلاله مرتبة الصدارة في قيادة قطاعات (النفط والكهرباء والصحة والتعليم والاتصالات) وغير ذلك من القطاعات الحيوية.
ومن تلك الصور على سبيل المثال القروض التي تمنح بمبالغ طائلة للشركات لقاء ضمانات ضعيفة جداً، اعتماداً على ضوابط تمنح سلطة واسعة للمصارف دون محددات صارمة في منحها. ومنها أيضا (عقود المشاركة) التي تبرمها الشركات العامة (الخاسرة) مع الشركات الخاصة، لتجهيز السلع وتوريد الخدمات والتي تتخذها الشركات الخاصة غطاءً لتجهيز بضائع غير مطابقة للمواصفات وبأسعار مبالغ فيها وعقود (جولات التراخيص) التي تتحمل الدولة فيها كلف إنتاج مرتفعة جدا تجعل من كلفة الإنتاج قريبة جداً من سعر بيعه، خاصة في أوقات انخفاض الأسعار، بحسب مختصين. وقطاعات الاتصالات والصحة والتعليم،إذ باتت شركات الهاتف المحمول والمدارس والكليات والمستشفيات والمولدات الكهربائية الخاصة، تتحكم بتقديم تلك الخدمات لقاء أسعار مبالغ فيها،وخدمات رديئة دونما رقابة حقيقية من جانب الدولة.
إن تضخم القطاع الخاص (على علاته) التي تكلمنا عنها يدق ناقوس الخطر.الأمر الذي يستدعي وقفة عاجلة،لمعالجة هذا الملف بأطر قانونية واضحة وصارمة.