ماذا لو نضب النفط في العراق ؟

آخر تحديث 2019-07-29 00:00:00 - المصدر: نون

 عباس الصباغ*  

 وهو سؤال يتجنب اغلب المراقبين الاقتصاديين وحتى السياسيين ومبرمجي الموازنات العامة في العراق الاجابة عنه او وضع خارطة طريق  ولو بدائية حول مسالة نضوب النفط ـ لاسمح الله ـ في العراق مايعني انه لن يكون هنالك مورد ريعي يغذي الموازنة العامة مايجعل الاجيال اللاحقة أي في ظرف العقود الثمانية القادمة في حرج يكون الجيل الحالي مسؤولا عنه بسبب ان  الكثير من السياسيين العراقيين والمراقبين الاقتصاديين يختزلُون واقع حال الشأن العراقي وتصوراته الاقتصادية بلحظته الراهنة وبرؤية مبتسرة لاتخرج عن إطارين محددين ؛ الإطار الاول هو الاحتياطي الهائل للنفط والغاز (بحسب آخر إحصائية احتياطي العراق النفطي يقدر بـ 150 مليارَ برميل واحتياطي الغاز يصل الى 280 ترليونَ قدم3) يضاف اليه السعة التصديرية للنفط الخام عبر المنافذ المرتبطة أساسا بمزاج بورصة اسعار النفط في السوق العالمية  المرتبطة بمناسيب العرض والطلب الدوليين، والإطار الثاني هو ان العراق بلد "نفطي" وهي ثيمة توارثتها الأجيال العراقية وترسخت كبديهية لاتقبل أي نقض في المخيال الجمعي / المجتمعي العراقي وهذا يعني وجود ميزانية كبيرة متأتية من واردات الريع النفطي ما يعطي سمة معيارية شبه ثابتة للدخل القومي العراقي، فيكون النفط معيارا تقييما ثابتا لجميع الفعاليات السياسية والاقتصادية وغيرها، وقد تموضعت جميع مرتكزات الدولة العراقية وركائزها الحكومية والمجتمعية في جميع مراحلها التأسيسية على أساس هذين الإطارين آنفي الذكر بالتشرنق داخل الإطار الريعي المزمن الذي لا انفصام وشيكا عنه، فيكون على هذا الأساس برميل النفط هو اللاعب الأساس في مقدرات العراق السياسية والاقتصادية والاستثمارية وحيويته الجيوستراتيجية مادام(95 %) من واردات العراق تتأتى من النفط وليس من غيره فيترتب على هذا المنوال ان الاقتصاد العراقي الريعي يكون معرضا للانهيار من أية "هزة" في سعر البرميل او تذبذب معياري في قيمته السوقية العالمية وان كانت بسيطة، أي ان الاقتصاد العراقي مكبل بالسياسة التي تضعها أوبك وهي بدورها محكومة بالسياسات الاقتصادية والمالية للدول الكبرى ومرتبطة بالكارتلات العملاقة المسيطرة على الأسواق العالمية انتاجا وتسويقا وتصديرا واستهلاكا، وهذا هو واقع حال الاقتصاد العراقي منذ ان تأسست الدولة العراقية الحديثة وسيبقى للمدى المنظور. لذا على من يتصدى للشأن الاقتصادي العراقي ان يشرع بتأسيس صندوق سيادي نفطي على غرار الدول التي قامت  بهذا الفعل  فمن الخطا الاستراتيجي بقاء الامر على هذا المنوال فمنذ تأسيس العراق الحديث واكتشاف النفط فيه، ودخوله نادي الدول المنتجة والمصدرة للنفط الذي يحتل العراق فيه مركزا متقدما في احتياطيه العالمي، الى ان شهد اكثر من طفرة نفطية كبرى كالتي حدثت في سبعينيات القرن الماضي حقق منها نتائج اقتصادية ضخمة، ورغم كل ماتقدم فقد خلت الادبيات الاقتصادية العراقية من مفهوم تأسيس صندوق سيادي نفطي كفكرة واجراء، رغم ان من ايجابيات هذا الصندوق هي استثمار الفوائض المالية لتحقيق عوائد مالية مرتفعة تحافظ على قيمة النقود عبر الزمن من التآكل، وبالتالي تعدّ مؤهلة لتمويل التنمية لهذه الدول، وتعرّف الصناديق السيادية بانها عبارة عن فوائض الأموال أو المداخيل العالية لبعض الدول وهي الاحتياطات المالية في البنوك المركزية والتي تستثمرها في الدول الغنية بمعنى أن دولا نامية كدول الخليج والصين والبرازيل والهند والتي تمتلك فوائض واحتياطات مالية كبيرة تستثمرها للأجيال المقبلة وهذه الدول وغيرها سبقت العراق بعقود طويلة من الزمن واشواط كثيرة من العمل الجاد، ناهيك عن النروج التي سبقت العالم كله بتأسيس هذا الصندوق وحققت نتائج تاريخية في هذا المضمار. وللأسف غاب هذا المفهوم الاقتصادي الاستراتيجي عن مبرمجي الاقتصاد العراقي وواضعي موازناته العامة ومهندسي سياساته النفطية، في حين اسرعت الكثير من الدول الى تأسيس هذه الصناديق التي وقعت على عاتقها عدة مهام اقتصادية حيوية منها 1.انها ساهمت في امتصاص تذبذبات اسعار النفط وعدم ثبات مستويات العرض والطلب بين الدول المنتجة والمستهلكة له ما يؤدي الى تخلخل اسعاره 2. ساهمت في تقليل نسب العجز الذي يطرأ على الموازنات في حالة عدم كفاية الموارد المغذية لها، 3 ساهمت في رفع المستوى المعاشي لمواطني هذه الدول كونها شكلت دعما ماليا اضافيا للموازنات، 4. كانت خير ضمان للأجيال اللاحقة في حالة نضوب النفط، والمعروف ان لكل احتياطي نفطي عمرا افتراضيا يجب ان تُعد له العدة وهي ربما تكون نوعا من الضمان لهذه الدول ولأجيالها القادمة عبر توفير استثمارات ناجحة في الخارج وتوفير فرص العمل وضخ السيولة في السوق المحلية، ومن المتوقع ان يتم في اي وقت انحسار الطلب العالمي على النفط واذا ماتوجّه الطلب الى بدائل للنفط صديقة للبيئة واقل كلفة منه او في حالة تعرض خطوط انتاج وتصدير النفط الى خطر المناكفات السياسية جراء النزاعات الدولية التي لاتؤثر فقط على طرق امدادات النفط وانما على مناسيب العرض والطلب وبالتالي على اسعاره ايضا. وللأسف ان كل ذلك لم يتمّ في العراق وعلى امتداد عمر الدولة العراقية الحديثة فلم يتخذ خبراء الاقتصاد احتياطاتهم للمستقبل بحيث لم يكن مفهوم الصندوق السيادي واردا ابدا في برامج خبراء الاقتصاد العراقيين، فقد اهملوا هذه الفكرة والغوها من قاموسهم تماما، إذ معروف إن أحادية الاقتصاد (كالاقتصاد العراقي الريعي) تجعله اقتصادا هشا وغير متين ويتعرض للاهتزازات والتقلبات التي تصيبه باستمرار. من المؤسف له ايضا ان تخلو المؤشرات الدولية للصندوق السيادي من اسم العراق تماما، والذي بقي وطيلة العقود السابقة تحت رحمة سعر برميل النفط ومناسيب العرض والطلب المؤشرة ازاءه في البورصة العالمية، وكانت موازناته المالية خاضعة ومكبّلة بهذا السعر الذي بقي يوجّه بوصلة الاقتصاد العراقي الريعي ـ حسب مزاج كارتلات النفط العالمية التي تتلاعب باقتصادات الدول وخاصة القلقة منها كالعراق ـ والذي اعتمد اعتمادا شبه كلي على عائدات النفط ومعرضا نفسه لمخاطر تذبذب الإنتاج والتصدير والتوزيع ومن دون ان يفكر احد في تأسيس صندوق ادخاري / استثماري وهو الصندوق السيادي النفطي للحدّ من غلواء هذا التذبذب والتقليل من مخاطر ريعية الاقتصاد العراقي الذي بقي اقتصادا ريعيا، ومن دون التفكير ايضا وللأسف بتنويع مصادر الدخل القومي لكسر احتكار الريع النفطي ولذات الاسباب، مع علم خبراء الاقتصاد بان دور الصناديق السيادية في معالجة الاهتزازات والتقلبات كبير جدا، وهو مايتطلبه الاقتصاد العراقي بشكل حاد اسوة بتلك الدول التي خطّط خبراؤها الاقتصاديون لانشاء صندوق سيادي نفطي تحوّطا للمستقبل الذي قد لايكون مشرقا في حال لو نضب النفط، ولكي لاتكون الاجيال اللاحقة في موقف محرج حين لاتجد موردا ماليا يسد فجوة النفط لاسمح الله والكرة تبقى في ملعب الجيل الحالي.