حيدر زكي عبدالكريم
لمحة تاريخية من الماضي القريب ..
ان هذا الموضوع قد أعّد في الاصل كمقالة صحفية سريعة ، الغرض منها القاء بعض الاضواء الكاشفة على صورة الجزر العربية الثلاث ..
ان احتلال الجزر العربية تعتبر احدى المشاكل القومية التي تعاني منها المنطقة العربية في حوض الخليج العربي . فقد ابعدت ايران الحكام العرب من الساحل الشرقي الذي يعتبر الان ضمن أراضيها وأخرجت ما تبقى من العرب من ميناء لجنة عام 1887 لتنهي الحكم العربي هناك .
واستمر الاحتلال الايراني بالقرن الماضي بشكل واضح باحتلال جزيرة قشم التابعة الى سلطان مسقط حتى القرن التاسع عشر (1800) ثم احتلت جزيرة هنجام عام 1928 ، ثم احتلت جزيرتيّ عريبي وقرزان السعودية عام 1957 ، ثم احتلت جزيرة جري التابعة الى ابو ظبي عام 1964 ، وانتزعت ثلاث جزر كويتية عام 1968 اثناء المباحثات على تحديد الجرف القاري وهي جزر فارس وحربي وحارق ، ثم احتلت ايران جزر خارص عربي عام 1968 . على ان ايران لم تقتصر ادعاءاتها على تلك الجزر بل شمّلت جزرا اخرى من الساحل العربي مثل جزيرة ابو موسى التابعة للشارقة التي بدأت محاولات الاستيلاء عليها منذ سنة 1964 بالرغم انها لا تبعد سوى 45 ميلا عن الشاطئ العربي . وقد بحثَ مؤتمر الدمام في المملكة العربية السعودية هذه التجاوزات حينذاك والذي حضره بعض حكام الامارات الساحلية .
ثم جاء استيلاء ايران للجزر العربية الثلاث ابو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى في عام 1971 والتي احدثت ضجة كبرى ولازالت لما تتمتع به هذه الجزر من موقع استراتيجي مهم يهيئ لإيران السيطرة على مدخل الخليج ، وفي عام 1972 سيطرة على جزيرة الغنم واعتبرت المنطقة الممتدة من مسقط الى الكويت ارضا ايرانية .
ولتوضيح هذه الاطماع التصريح الذي ادلى به ابو الحسن بني صدر رئيس الجمهورية الايرانية لمجلة النهار العربي والدولي في عددها رقم 151 في 2431980 : " ان الاقطار العربية – ابو ظبي ، قطر ، عُمان، دبي ، الكويت، السعودية – ليست مستقلة بالنسبة لإيران" .
وللتوثيق التاريخي نقتبس ايضا عن مجلة دراسات للأجيال وهي مجلة فكرية ثقافية تصدرها نقابة المعلمين العراقيين – السنة الاولى ، العدد (4) تشرين الثاني (نوفمبر) 1980 ، ص59 وما بعدها : يعود اسباب الاحتلال الايراني للجزر الثلاث الى مجموعة من العوامل منها :
- موقعها الجغرافي المهم على مدخل الخليج العربي وعلى خط الملاحة البحري ، فالسفن تمّر من هذه الجزء لتأمن الاصطدام بالعوائق الصخرية التي تظهر فوق السطح ،كما ان ارتفاع هذه الجزر اكثر من 500 قدم فوق مستوى سطح البحر ، جعلها تسيطر على جميع الجزر التي تحيط بها .
- السيطرة على مضيق هرمز الذي يربط بين خليج عمُان والخليج العربي ولأنه المنفذ الوحيد لأقطار الخليج العربي البحري وعن طريقه تمر اغلب صادراتها ووارداتها .
- العامل الاستراتيجي المتمثل بسيطرة الجزر الثلاث على الممر المائي المباشر ، وان وقوع هذه الجزر بيد ايران وتحويلها الى قواعد حربية ، اضافة الى القواعد الاخرى الموجودة في جزيرة قشم وهرمز ، سيجعل هذه المنطقة محصنة بشكل يؤمن مصالح ايران في الخليج ويجعلها قوة تهدد الدول الاخرى والاعتداء عليها . وان الموقع الاستراتيجي لهذه الجزر يؤلف قاعدة التوجيه والهجوم البري والجوي على الساحل العربي ، كما تستخدم سواحلها البرية ملجأ للغواصات ، وقاعدة انزال امينة ، وخصوصا وان عمق المياه الساحلية بهذه الجزر يصلح لإقامة قاعدة وميناء للسفن الحربية وقاعدة جوية امام الساحل العربي .
- العامل الاقتصادي المتمثل بالمعادن الموجودة فيها مثل اوكسيد الحديد واللؤلؤ والنفط والمعادن الاخرى ، اضافة الى صيد الاسماك والثروة البحرية ، والرعي . وقد اصبحت جزيرة بوموسى في بداية القرن العشرين محورا للصراع والمناقشة الدولية –الالمانية في الخليج العربي نتيجة حصول مؤسسة روبرت فرنكهاوس على امتياز استخراج اوكسيد الحديد .
- الدور الذي لعبته ايران مع امريكا في الخليج واعتبار ايران الشرطي الحامي لمصالح امريكا بعد انسحاب بريطاني من الخليج ، اضافة الى المعاهدات التي مكنت امريكا من السيطرة على الشؤون السياسية والاقتصادية والعسكرية في ايران الشاه حينذاك .
- احتلال هذه الجزر يؤدي الى توسيع البر الايراني ، وما يعقبه من سيطرة ايران على المياه الساحلية العربية عند حساب الخط الفاصل بين المياه الاقليمية العربية والفارسية وزيادة هيمنتها على الابار النفطية في هذه المياه بالإضافة الى توسيع نطاق مصائد الاسماك واللولؤ .
- الابتعاد عن مواجهة المشاكل الداخلية في ايران ، وتوجيه انظار الشعوب الايرانية واشغالها بقضايا خارجية ، نتيجة تزعزع موقف الشاه داخل ايران وتعزيز مركزه المتداعي في الداخل .
- اعطى الشاه (آنذاك) نفسه مسؤولية الدفاع عن مضيق هرمز ، خوفا من خطر الذين اطلق عليهم الارهابين الذين يحاولون اغراق ناقلة نفط في المضيق ، وتعطيل الملاحة الدولية في هذا المضيق الحيوي ، الذي يمر فيه ما قيمته 180 مليون دولار يوميا من النفط الايراني فقط (سابقا) ، وما يمر منه من النفط العربي اكثر من ضعف النفط الايراني . كما ان غلق المضيق الحيوي سيؤدي الى تعرض اقطار اوربا الغربية لخسارة فادحة . وكذلك اقطار جنوب اسيا والشرق الاقصى وجنوب غرب افريقيا ، ولازمة شديدة اذا استعملت مصادر نفطية جديدة لسد حاجتها . " انتهى الاقتباس
يتضح من كل ما تقدم ان حكم الشاه بعد احتلال الجزر العربية الثلاث ، لم يستطع التحرك في المنطقة بالمنهج المعادي المكشوف كما ان تردي اوضاعه الداخلية اصبح عبئاً على توجهاته في المنطقة ، وهذا يعني ان حركته لم تكن حرّة ( كما هو الحال اليوم ) وانما كانت تدور في الاتجاهات المناوئة الجزئية والتي تجري بأشكال ضيقة .
ان الاصطفاف العربي حينذاك ضد السياسة الايرانية ، كانت في موقع تبدو متماسكة ، سواء كان ذلك التماسك جديا او مظهرياً ، خصوصا وان احتلال الجزر الثلاث أوجد " غضبة عربية شعبية عارمة " .
يرى بعض المختصين : " لقد اتخذ الادراك الخليجي درجات عالية من الوعي بأهمية مخاطر التوسع الايراني وخطورة الشعارات والممارسات التي تطرح من قبل ايران وكان يمثل متغيرا على الساحة العربية وعلى طريق العمل العربي المشترك رغم انه لم يصل الى درجة مرجوة تنسجم وخطورة المؤامرة التي يتعرض الوطن العربي بمشرقه بغض النظر عن الصور التي تتخذها الحكومات العربية من مواقف سياسية عربية ودولية " .
وعلى صعيد متصل اقترن تعزيز التعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي بازدياد النشاط الدبلوماسي من اجل توجيه الاهتمام بمشاكل المنطقة . وعندما بدأت حكومة ايران بضرب البواخر في الخليج العربي . اتخذت دول مجلس التعاون اجراءات احترازية محلية . كما لجأت الى مجلس الامن الذي اعتمد قراره رقم (552) يوم اول حزيران (يونيو) 1984 مؤيداً موقف دول المجلس . ابان الحرب العراقية –الإيرانية (1980-1988) .
واخيراً ..
نتمنى ان نرى قضايانا تكون كما ينبغي ان تكون بإعادة الحق لأهلهِ سيما وان هنالك الكثير من تلك القضايا المُعّلقة الى يومنا هذا وتحتاج الى المزيد من الدعم السياسي والاقتصادي والثقافي (الفكري) مثلها مثل قضية الجزر الثلاث ومنها لواء الاسكندرونة السليب ومسألة الاحواز وقضيتنا الكبرى "فلسطين العربية" وعاصمتها القدس .