قال ستيفن كوك في مقال له على موقع فورين بوليسي: إن "الرد الضعيف من جانب واشنطن على السلوك الإيراني في الخليج بعث رسالة خاطئة إلى طهران".
وأوضح كوك أنه لطالما أكدت الخارجية الأمريكية أنه في حالة قيام أية دولة بحظر أو عرقلة الملاحة في مضيق هرمز، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها سيستخدمون القوة الهائلة المتاحة لردع تلك الدولة. ومع ذلك، ومثل أشياء كثيرة أخرى في هذه الحقبة، تحولت المسلمات والقوانين الصارمة إلى قصص خيالية معقدة.
استثمرت الولايات المتحدة مبالغ كبيرة في الشرق الأوسط على مدى عقود عديدة للقيام ببعض المهام المهمة – لا سيما حماية الخطوط البحرية – ولكن يبدو أن الرئيس الحالي لا يعتقد أنه من مصلحة أمريكا الاستمرار في ذلك. في 24 يونيو (حزيران)، غرد دونالد ترامب قائلًا: "تحصل الصين على 91% من نفطها من المضيق، وتحصل اليابان على 62%، والعديد من الدول الأخرى بالمثل. فلماذا نحمي ممرات الشحن لصالح البلدان الأخرى بدون مقابل. يجب أن تحمي كل هذه الدول سفنها الخاصة في رحلة كانت دائمًا خطرة".
إن أي شخص لا يزال يعتقد أن الولايات المتحدة ستتصدى لإيران مباشرة يجب أن يعيد قراءة تغريدة ترامب. فهي تشي بما ستكون عليه السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
تعتزم الولايات المتحدة الانسحاب من منطقة الخليج – بحسب كوك. ربما لا يعرف أحد متى، ولكن لا شك أن الولايات المتحدة في طريقها للانسحاب. وبصرف النظر عن تغريدة الرئيس، فإن أفضل دليل على ذلك هو تقاعس واشنطن في مواجهة استفزازات إيران. غالبًا ما يرد المسؤولون والمحللون على هذا باستحضار عدد الأفراد والطائرات والسفن التي تحتفظ بها الولايات المتحدة في الخليج وحوله، لكن القادة في الرياض وأبوظبي والدوحة والمنامة ومسقط يفهمون ما يحدث.
لقد كانوا قلقين بشأن التزام الولايات المتحدة بأمنهم لبعض الوقت، وقد اتخذوا احتياطاتهم ضد الرحيل الأمريكي بعدة طرق، بما في ذلك تقديم مبادرات إلى الصين وروسيا وإيران وتركيا. يوم الأربعاء الماضي، التقى الإماراتيون والإيرانيون لأول مرة منذ ست سنوات لمناقشة الأمن البحري في الخليج. إن هذا تطور إيجابي.
وبينما يصر الجانبان على أن الاجتماع كان روتينيًا ومنخفض المستوى، فلا شك في أن التقاعس الأمريكي عن العمل يدفع المسؤولين في أبوظبي إلى إعادة التفكير في كيفية التعامل مع التحدي الإيراني، وهو ما قد يتعارض مع الجهود الأمريكية لعزل طهران، كما يرى الكاتب.
شهد الخليج هدوءًا منذ أن احتجزت إيران تسعة بحارة أمريكيين وضابط بحري لحوالي 24 ساعة بعد عبور سفينتين صغيرتين إلى المياه الإقليمية الإيرانية في يناير (كانون الثاني) 2016. ولكن بحسب كوك فالأمور تغيرت في مايو (أيار). فمنذ ذلك الحين، تزعم الولايات المتحدة وغيرها أن القوات الإيرانية هاجمت ست ناقلات نفط؛ وحاولت القوات البحرية في الحرس الثوري الإيراني عرقلة سفينة بريطانية تعبر مضيق هرمز؛ وأسقط الإيرانيون طائرة أمريكية بدون طيار.
في المقابل تؤكد واشنطن أنها أسقطت طائرة إيرانية بدون طيار. واستولى الإيرانيون على ناقلة النفط ستينا إمبيرو التي تحمل العلم البريطاني، وقد جاء الاستيلاء على السفينة كرد مباشر على الاستيلاء البريطاني على ناقلة عملاقة ترفع العلم الإيراني في 4 يوليو (تموز) بالقرب من جبل طارق للاشتباه في أنها كانت متجهة لسوريا.
إذا صدقنا السياسة الرسمية للولايات المتحدة وحلفائها – يؤكد كوك – كان من المفترض التصدي للتهديد الإيراني لحرية الملاحة في الخليج وحوله برد قاسٍ، لكن الرد أتى باهتا. فعندما جرى الاستيلاء على السفينة البريطانية، تعهد وزير الخارجية البريطاني آنذاك بأنه ستكون هناك "عواقب وخيمة" على إيران، لكنه أكد في الوقت نفسه أن الحكومة البريطانية "لا تضع الخيارات العسكرية في الحسبان". وتجاهل وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أسئلة حول الحادث، قائلًا: إن "السفن التي ترفع علم بريطانيا هي مسؤولية المملكة المتحدة".
منذ ذلك الحين وضعت الولايات المتحدة خطة لضمان الأمن في الخليج، ولكن يبدو أنها خطة لدولة مترددة وتفضل ألا تتورط في المنطقة. من أجل لجم الإيرانيين، ستنشر القوات البحرية الأمريكية سفن القيادة والسيطرة، في حين ستتولى الدول الأخرى مسؤولية حراسة سفنها بنفسها.
لكن البريطانيين لديهم خطط أخرى – يستدرك كوك – فهم يريدون إنشاء تحالف من القوات البحرية الأوروبية "مع دور أمريكي" لمرافقة سفن الشحن في الخليج. ولذلك، عقدت البحرية الملكية اجتماعًا في البحرين يوم الأربعاء مع الفرنسيين والألمان لمناقشة الخطة. لا أحد يريد الحرب، وهناك رأي يقول: إن "التصعيد في مواجهة استفزاز الحرس الثوري الإيراني غير حكيم، لكن خطط الأمن البحري هذه لا تبدو جادة".
إن من الصعب اكتشاف نوايا الإيرانيين – بحسب الكاتب – فربما يحاولون فرض مفاوضات لتخفيف سياسة "الضغوط القصوى" التي تطبقها إدارة ترامب، أو ربما تعكس أفعالهم ببساطة عداء طهران الأساسي للأعراف الدولية. من جانبه أعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن إيران تدعم تعدد الأقطاب في العالم.
على أية حال لا بد أن قادة الحرس الثوري الإيراني الآن يظنون أن بوسعهم فعل أي شيء يريدونه في الخليج دون خوف من الانتقام – يقول كوك – وهذا لأن ترامب أوضح من حيث القول والعمل أن الولايات المتحدة في طريقها للخروج من المنطقة. إذا كانت الولايات المتحدة تنوي البقاء في الخليج والوفاء بما اعتقد الكثيرون منذ فترة طويلة أنه التزام بالإبقاء على الممرات البحرية مفتوحة، فلن يكون ذلك عديم الجدوى.
وافقت إدارة ترامب على نشر حوالي 1500 جندي في الخليج، وأرسلت طائرات حربية إضافية إلى قواعد هناك، لكن يبدو أنها لم تشكل رادعًا لطهران – بحسب كوك – ويبدو أن الرئيس لا يميل إلى استخدام القوة. فقد ألغى ترامب ضربة عسكرية ردًا على إسقاط إيران طائرة بدون طيار أمريكية؛ لأنه يخشى أن يقتل 150 شخصًا.
هذا تفكير صائب – يقول الكاتب – ولكن من الصعب تصديق أنه لم يكن هناك رد آخر غير قتل الكثير من الإيرانيين أو عدم الرد. خلاصة القول هي أن الولايات المتحدة مستعدة فقط لتحمل الحد الأدنى من التكلفة لحماية خطوط الشحن في الخليج، وهو ما تدركه إيران.
لقد نفذ ترامب ما عبر عنه الرؤساء السابقون، جورج دبليو بوش وباراك أوباما ومسؤولون أمريكيون آخرون، بطرق مختلفة على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية – يؤكد كوك: لقد أصبح لدى الولايات المتحدة مصادر مستقلة للطاقة، ولم يعد الخليج مهمًا كما كان. قد لا يكون ذلك دقيقًا تمامًا، لكن ترامب لا يهتم. إنه يريد مغادرة الشرق الأوسط، والولايات المتحدة لا تحتاج إلى النفط، والخليج لم يعد مشكلة واشنطن. وهذه الرسالة هي دعوة للحرس الثوري الإيراني لافتراس المزيد من الناقلات.