علاءالدين صالح
كاتب وصحفي ليبي
أكد الناطق باسم عملية “البنيان المرصوص” محمد الغصري في مقابلة مع وكالة الأخبار المحلية أن فريقًا من القيادة العسركية الأمريكية في إفريقيا وصل إلى القاعدة الجوية لكلية الدفاع الجوي في مدينة مصراتة الليبية في 22 يوليو/تموز الماضي.
وقال إن طائرة سلاح الجو الأمريكي والتي تحمل على متنها القوة من الأفريكوم جاءت إلى ليبيا في إطار تعاون مع المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني المدعوم من الأمم المتحدة في مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية. وأضاف: “نرحب بأي تعاون في هذا المجال”.
كما تداولت التقارير السابقة أن الطائرة الأمريكية C17-A Globemaster III، وهي طائرة نقل عسكرية كبيرة مع رمز النداء RCH157، غادرت مطار العقبة بالأردن متجهةً إلى مصراتة، ثم هبطت فيها.
وهذا هو أول تصريح الذي أدلى به مسؤولون من كلا ليبيا والولايات المتحدة بشأن عودة القوات الأمريكية إلى ليبيا بعد أن أعلنت الأفريكوم في بيان صحفي أصدرته في أبريل الماضي نقلاً مؤقتًا لجميع أفرادها الأمن من ليبيا.وثم ألمحت إلى “زيادة الاضطرابات” التي أعقبت العملية العسكرية من أجل السيطرة على طرابلس التي أطلقتها القوات التابعة للقائد الليبي خليفة حفتر.
وأفاد البيان الصحفي أن “يقوم القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا بإجراء تعديلات على الأفراد إستجابةً لتطور الوضع الأمني.ستواصل الأفريكوم مراقبة الأوضاع على الأرض في ليبيا ، وتقييم جدوى إستئناف الوجود العسكري الأمريكي ،حسب ما يقتضيه الأمر.”
تصريحات متناقضة
بالنظر إلى الوعود التي قطعت القيادة الأمريكية بإعادة إنشاء المهمة العسكرية في ليبيا، فإن التقرير عن وصول القوة الأمريكية لم يكن المقصود منه في الواقع أن يكون مصدراً لسوء التفاهم أو الإلتباس.
ومع ذلك، خلطت المتحدثة باسم الأفريكوم بيكي فارمر الأمور فيما قالت في 25 يوليو/تموز لصحيفة “الشرق الأوسط” التي تتخذ من لندن مقراً لها أنه لم يتم إرسال أي قوة عسكرية إلى مصراتة.
وهكذا، يبدو أنها الرواية الرسمية، التي أعلنتها الناطقة الأمريكية، تتعارض تمامًا مع ما قد ذكره سابقاً ممثل رفيع المستوى لـ”البنيان المرصوص”. وتم تشكيل هذا التحالف، المتكون أساسًا من المجموعات المسلحة من مصراتة، في عام 2016 ولعب دوراً مهماً بالتعاون مع الولايات المتحدة في القضاء على إرهابيي الداعش في مدينة سرت.
وتعطي هذه التناقضات الواردة في تلك التصريحات الإنطباع بأن واشنطن لا تزال تحاول رسمياً الحفاظ على موقف احترازي حيال ليبيا وتتردد في تصعيد المواجهة بين حكومة الوفاق الوطني والجيش الوطني الليبي بقيادة القائد خليفة حفتر التي تخوض معارك دامية في جنوب عاصمة طرابلس لأكثر من أربعة أشهر.
يرى العديد من المحللين أن الولايات المتحدة ليس لديها نهج واضح وموحد لحل النزاع الطويل الأمد في البلاد التي مزقتها الحرب وتظل في مواجهة معضلة حقيقية: أي من الطرفين المتحاربين ينبغي أن تدعمها.
التحول الأمريكي الى حكومة الوفاق الوطني والدولة المدينة مصراتة
ومن المهم الملاحظة أن مدينة مصراتة تتمثل المعقل الرئيسي للقوات العسكرية الإسلامية والمناهضة لخليفة حفتر في ليبيا منذ دخوله المشهد السياسي في عام 2014.
في هذا السياق، قد يشكل قرار إرسال موظفيها وأفراد الأمن بالتحديد إلى مصراتة مؤشراً على تحول كبير في سياسات الولايات المتحدة وطريقة عملها تجاه الدولة الواقعة في شمال إفريقيا. يمكن أن يعني هذا التحول أن الأميركيين اتخذوا جانبًا من حكومة الوفاق الوطني التي تعتمد منذ فترة طويلة على طائفة واسعة من الميليشيات المؤثرة بالداخل، وعلى المساعدة من قطر وتركيا بالخارج.
بالإضافة إلى ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه لم يتم إصدار أي تعليق بشأن تصريح من جانب “البنيان المرصوص” حتى الآن على الموقع الرسمي للقيادة الأمريكية ولا على صفحتها على تويتر. ويبدو إهمال هذه الادعاءات المضللة، التي عممها المسؤول العسكري الرفيع المستوى في القوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني، مثيراً للشكوك لأنه كانت الأفريكوم معتادة على إيلاء إهتمام وثيق لصورتها في ليبيا وكذلك التصور العام لمهامها المؤداة. كما بذلت جهدها لمنع إساءة تفسير أفعالها أو نشر المعلومات المضللة عنها.
وفي هذه الحالة، الصمت كان له تأثير عكسي بالضبط وألقى الضوء على محاولة ضعيفة على ما يبدو لإخفاء تورط مشكوك للجيش الأمريكي في الصراع الليبي. إذا كان هذا صحيحًا، فقد يعرض ذلك للخطر سمعة الولايات المتحدة باعتبارها فاعلاً خارجياً محايدًا ومؤهلًا بشكل فريد قادرًا على ممارسة التأثير على الأطراف المتنافسة والتوسط في إحلال السلام بينها.
علاوة على ذلك، لا يمثل أي تورط في أنشطة مشبوهة في إحدى البلدان المحورية في منطقة شمال أفريقيا دعايةً جيدة بحق للأفريكوم نفسها التي شهدت في أواخر يوليو/تموز تغيير القيادة. وأصبح الجنرال بالجيش الأمريكي ستيفن تاونسند خامس قائد الأفريكوم خلفًا للجنرال توماس والدهاوسر الذي عمل في هذا المنصب منذ يوليو 2016.
ستكون عودة الوجود العسكري الأمريكي في ليبيا نقطة الإنطلاق المثالية للتطوير الوظيفي لقائد الأفريكوم الجديد، الذي كان يدعو الى مشاركة أكثر نشاطًا للولايات المتحدة في المنطقة وسط تدخل أجنبي متزايد. وبيد أن يجب، في هذه الحالة، على واشنطن معرفة أن سيشكل نشر أفراد الأمن الأمريكيين في مصراتة تهديداً حقيقياً لطموحاتها ودورها المحتمل كوسيط دولي محايد في تسوية الأزمة الليبية.