مروة حسن الجبوري
(وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)، (فصلت:34)
مصادر ثقافة التسامح لدي المسلم كثيرة وأصيلة، وأعظمها بلا ريب هو: القرآن الكريم الذي أسس أصول التسامح ورسخها بأساليبه البيانية المعجزة، التي تخاطب الكيان الإنساني كله، لتقنع العقل، وتمتع العاطفة، وتحرك الإرادة. وسيرى القارئ الكريم أن الدعائم الشرعية والمنطقية التي سنعتمد عليها في الدعوة إلى التسامح وإشاعته وتثبيته مستمدة من القرآن أساساً. كما جاءت في التعاليم الإسلامية المحافظة على تربية الإنسان تربية أخلاقية ناجحة متصلة بالقرآن الكريم وبالإسلام الشريف من هذه التعاليم، حيث يعبر التسامح عن الاحترام والحب وترك العداوة والبغضاء وقبول اختلاف الرأي الآخر وترك الحقد والكراهية على كل من أساء وأخطئ العفو عند المقدرة، وهذا هو التسامح القرآني الكريم.
حيث نفتقد هذه الصفة اليوم في مجتمعاتنا التي تعيش في حالة من العداوة والبغضاء والعنصرية والطائفية بين البلدان العربية بل حتى في الوطن الواحد والبيت الواحد فهناك من يعيش حالة من العداوة والحقد ويبقى القلب حاملاً على الشخص الكره والإساءة، هذا إذا لم يتخطى مرحلة الشتم وهتك الأعراض والنفوس ومتاجرة الأموال، فقط لأنه تشاجر معه أو اختلف في قضية أو رأي حيث أدى إلى كل ذلك.
لنراجع أنفسنا كلنا بشر نعم نخطئ، قد نكره، قد نحقد، قد نسيئ الظن، وقد... لو تعامنا بحكمة على كل من يسئ لنا من اجل ان نجنب المجتمع من هذه الظاهرة السلبية. ولعل العلاج الوحيد لكل من هذه الحالات المرضية هو التسامح العلاج القرآني الذي جعله الله دواء لكل داء، كالعداوة والكره والحقد فهي طريقة ايمانية نفسية تربوية ناجحة بعيدة عن أي نوع من أنواع الأمراض الضارة بالعقل والقلب.
ما أحلى القلوب الكبيرة المفعمة بالغبطة المملوءة بالحب الكبير الذي يفيض على الآخرين، فتتحمل سفاهات الصغار، وتفاهات التافهين، وعصبية المتعصبين، فصاحب القلب الكبير اعتمد مبدأ السماح في حياته فهو يسامح ويصفح بلا حدود فالمحبة تغرد بقلبه بلا توقف والعطف الزاخر بأعماقه والحنان متفجر بداخله يزهي بكل كيانه..
وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مقدمة من سلك هذا المنهج، ومن اقتدى به فهو ذو نفس كبيرة وهمة عالية، احتمالاً للناس وصبراً عليهم وقبول ما تيسر من أخلاقهم وحسن تعاملهم والتغاضي عن هفواتهم فسعوا الناس بأخلاقهم وحسن تعاملهم.
خصائص ثقافة التسامح الإسلامي:
ولثقافة التسامح خصائص متعددة، بيد أن هناك خصيصة مهمة، وهي: أن صبغتها الدينية، ومصدرها الرباني، وانبثاقها أصلا من الأوامر الإلهية، والتوجهات النبوية: تجعل لها سلطة على المسلمين، نابعة من قلوبهم وضمائرهم، ويحرصون على تنفيذ أحكامها، بدافع من إيمانهم، وخشية لربهم.
وفرق بين سلطة القوانين الوضعية التي يحاول كثير من الأفراد التحلل منها، والتحايل على أحكامها، وبين الأحكام الإلهية، التي بشر المؤمنون بها: أنهم باحترامها وإتباعها، يكسبون رضوان الله تعالى، ومثوبته في الآخرة، وسكينة النفس، انها دعوة لحملة تسامحوا مع كل شخص فلنجرب التسامح لكل من اساء اليه مؤكدا ان ذلك سيولد في القلب طاقات من المحبة والسعادة تجعل كل شيء حولك جميلا ومردودا اليك بالفرح والسعادة الأبدية، تسامحوا لتفحلوا.
تسامحوا أيها الأحبة:
التسامح مع الآخرين من الزميلات والصديقات والعفو عند زلاتهم وأخطائهم يدل على الخلق الكريم والخصال الحميدة. وهو يدل على قوة الإنسان في السيطرة على نفسه من الهوى ونزعات الشيطان. فهو يحوّل الكره إلى محبة والبغض إلى مودة، ويحوّل العداوة إلى صداقة والخيانة إلى أمانة، والعنف إلى رفق والبلاء إلى الصلاح.
إن العفو والتسامح من أسباب المحبة والألفة بين الناس. وهو يقود إلى تنظيف القلب من الحقد وتصفية النفس من الغل.
أخواتي: التسامح يعين المسامح على البر والتقوى، وهو بذل للمعروف من غير مال. ويخلّص النفس من العنف إلى الرفق ومن الخيانة إلى الأمانة ومن الحسد إلى المحبة. والتسامح يكسب النفس راحة في الحياة ومتعة في العيش مع الناس. ويكسب الضمير حب العفو والسكينة. والكف عن أذية الناس. كما أن التسامح يخلص النفس من الظلام والقلب من العداوة ويكسبه نعيم الصداقة.
كما أن التسامح والعفو رافدان من روافد نقاء القلب وصفاء النفس من الحقد. كما أن كظم الغيظ يقرب العبد إلى الله ويكسبه محبة الناس ومودتهم. كما أن العافين هم أحباب الله وهم المحسنون، قال الله تعالى (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين).