خيمة صفوان ، الحقيقة الغائبة ، وراء الحقيقة المغيبة

آخر تحديث 2019-08-22 00:00:00 - المصدر: وكالة الحدث الاخبارية

م. فهمي سعيد

وصلني قبل أيام على الواتس اب مقال للاخ صفوة كامل عنوانه ( خيمة صفوان الحقيقة المغيبة ) ...
وقد وددت هنا ( وفي ضوء الوثائق وما نشر عن هذا الموضوع في مذكرات من شارك به ) ، التعليق على بعض ما ورد في فقرات هذا المقال تثبيتا للحقيقة حول هذه (الحقيقة المغيبة) ، وحول ما جرى داخل هذه الخيمة , وكذلك ما جرى قبلها وبعدها لكي تتوضح الصورة الحقيقية للجميع حول هذا الموضوع ...

بداية أود أن أوضح عدد من الجوانب المهمة في هذا الخصوص :

*اولا / لم يكن لإجتماع خيمة صفوان أي أهمية سياسية لا بالنسبة للإدارة الأمريكية ، ولا للقيادة العراقية* .
( كان لكل من الجانبين مفهومه واعتباره ورؤيته وتقديره الخاص به في سبب عقد وحضور هذا الاجتماع ) ، ولذلك لم يحضر هذا الاجتماع اى شخصية سياسية من كلا الطرفين ، علما أن القيادة العراقية قد أبلغت الإدارة الأمريكية قبل انعقاد الاجتماع بأسماء ورتب الضباط الذين سيحضرون الاجتماع وكان ذلك عن طريق القناة التي تم الاتفاق عليها في ذلك الوقت وهي الحكومة السوفيتية ( كان الاتحاد السوفيتي لايزال قائما في ذلك التاريخ ) ...

*ثانيا / حرصت الإدارة الأمريكية على أن لا يعامل اجتماع خيمة صفوان على انه مراسم استسلام ابدا *
( على الرغم من أن الجنرال شوارزكوف أرادها كذلك لتحقيق مجد شخصي له ) ، وكذلك حرص الفريق خالد بن سلطان الشديد على أن تكون هذه المراسم أسوة بمراسم استسلام اليابان الى الولايات المتحدة على ظهر البارجة ميسوري عام ١٩٤٥ ( لكي نكسر شوكة صدام ونرغم انفه ونساعد على إسقاطه ، كما كتب في مذكراته ) , إلا أن الإدارة الأمريكية حرصت تماما على عدم التركيز على موضوع الاستسلام لأنها أرادت إبقاء الأمر ضمن إطار تحرير الأرض فقط طالما تم خروج القوات العراقية من الكويت ، وكذلك للمحافظة على جزء من هيبة وقوة السلطة في العراق امام ماحصل من اضطرابات واحتجاج شعبي في جنوب وشمال العراق والذي كان في الحقيقة مدعوما وبقوة من جانب إيران ، لأن الإدارة الأمريكية أرادت وحرصت على أن تقوم القوات العراقية بالتصدي لهذه العمليات والقضاء على الفوضى واعادة الاستقرار إلى المنطقة ، ليس لأجل سواد عيون العراق والعراقيين ولكن لأن المنطقة لم تكن مهيأة بعد إلى هذا النوع من التغييرات والأحداث *( والقرار الوحيد الذي اتخذ في اجتماع الخيمة يؤيد ذلك كما سيأتي ذكره )*...
وكذلك كان للامريكان في الحقيقة مخطط اخر أعمق واشمل بكثير مما كان معلنا في تلك الفترة ، بدءا من دخول وتمركز القوات الأمريكية بهذه الانواع من الصنوف وكميات الأسلحة الرهيبة الى المنطقة بشكل شرعي وبطلب من اهل المنطقة أنفسهم ، ومرورا بفرض الحصار القاسي والظالم والذي لم يشهد له التاريخ الحديث مثيلا على الشعب العراقي ، وانتهاء بما حصل في العراق عام 2003 من دمار وخراب ...

*ثالثا /* ما دار في اجتماع خيمة صفوان *لم يكن ( مفاوضات )* ولا يمكن ولا يصح ( لا فعليا ولا تاريخيا ) إطلاق هكذا صفة عليها ...
لأن مادار في هذا الاجتماع كان فقط *مناقشات* عسكرية صرفة حول وقف إطلاق النار وطرق تأمين ذلك ، ودون مناقشة أي أمور سياسية في هذا الجانب ، لأن الجانبين كانا طرفين عسكريين ، والفرق كبير بين مصطلحي ( مفاوضات ) ، و( مناقشات ) ، فالاولى سياسية والثانية مهنية ( بشكل عام ) ...
والجنرال شوارتزكوف يذكر ذلك بكل وضوح في مذكراته المعنونة ( الأمر لايحتاج الى بطل ) حين يقول :
{{ أن مقترحاتي حول ما سيتم مناقشته في اجتماع وقف إطلاق النار مع القيادة العسكرية العراقية ، والتي أرسلتها الى *كولن باول* رئيس الأركان في ذلك الوقت ،والذي ارسلها بدوره إلى البيت الأبيض لاستحصال موافقة الرئيس ، قد اعيدت الينا بعد الموافقة على كل ما جاء فيها *ماعدا فقرة واحدة* هو تغيير كلمة ( مفاوضات =Negotiations ) التي كنت قد اقترحتها اينما وردت الى كلمة ( مناقشات = Discussions ) لأن الخارجية الأمريكية هي من يقوم بإجراء المفاوضات السياسية ( Negotiations ) باسم الإدارة الأمريكية وليس الجيش }}
انتهى ماذكره شوارزكوف ...
وهذا تأكيد محدد على إن ماجرى في اجتماع الخيمة كان *تحديدا* مناقشات حول شؤون عسكرية تخص وقف إطلاق النار *وليس مفاوضات* ...

*رابعا/ لم يكن هناك أي مقررات نوقشت أو أقرت في هذا الاجتماع*
لأن جميع شروط وطلبات الإدارة الأمريكية كانت موافق عليها مسبقا من قبل القيادة العراقية ، وتم ارسال الموافقة اليهم عن طريق القناة السوفيتية ...
*خامسا / القرار الوحيد الذي تم التوصل إليه كان خارج بنود وأجندة هذا الاجتماع*
، وسنأتي على ذلك في موضوع الاجتماع ...

*لنعد الان إلى موضوع المقالة حول ( الحقيقة المغيبة ) كما يذكر الاخ صفوة*...
الحقيقة الغائبة عن الكثيرين والتي يجب ان يعرفها الجميع ( وبعد مرور ٢٨ عام على هذا الاجتماع ) هو أنه *لم تكن هناك اي حقيقة مغيبة عن أي أحد* كما يقول الاخ صفوة في مقاله ، ولا ادري كيف وصل الى هذا الاستنتاج ، فحقائق ووقائع هذا الاجتماع كانت معروفة للجميع وبكل تفاصيلها ، ولم يكن هناك أي شيء غائب عن أي أحد ...
لأن ما اتفق عليه في الاجتماع تم إعلانه بالتفصيل في مؤتمر صحفي عقده شوارزكوف وخالد بن سلطان امام الخيمة وبعد الاجتماع مباشرة ، وسمعها العراقيون من الإذاعات المختلفة ، ( ما لم يذاع كان فقط القرار الوحيد الذي تم الاتفاق عليه في نهاية الاجتماع ) ...
واعاد الاعلام الحكومي العراقي نشر ما دار فيه فيما بعد بشكل عام ودون تفاصيل فنية ، ( التفاصيل الفنية نشرت فيما بعد بشكل تدريجي ) ، وكذلك فإن هذه التفاصيل قد نشرها الجنرال شوارتزكوف بالكامل وبالتفصيل الممل في مذكراته التي نشرها باللغة الانگليزية عام ١٩٩٢ ، اي بعد عام واحد فقط من هذا الاجتماع ، وترجمت إلى اللغة العربية عام ١٩٩٣ ، وكذلك ذكرها الفريق خالد بن سلطان ( قائد القوات المشتركة في حينها ) بالتفصيل في مذكراته المعنونة ( مقاتل من الصحراء ) التي نشرها عام ١٩٩٥ ، ونشرت كذلك في ترجمة اكثر تفصيلا من الاولى لمذكرات شوارتزكوف صدرت عام ١٩٩٩ ...
وقد اشبعت الصحافة العربية هذه المذكرات وتراجمها بحثا وتفصيلا ، ولذلك لم تكن هناك أي حقيقة مغيبة عن أي أحد في هذا الموضوع ولم يستطع أحد أن يتحدث عن بنود سرية امام كل هذه التفاصيل ، وخصوصا أن هذا الاجتماع لم يكن أكثر من اجتماع عسكري لمناقشة جوانب تحقيق وقف إطلاق النار من الجانب الفني والمهني فقط ...
وكذلك فإن القيادة العراقية تعاملت مع هذا الاجتماع بذكاء اعلامي مهني وبما يستحقه من عدم تضخيم الأمور , ولكي لايبدوا وكأنه شبيه باجتماع خيمة ( الكيلو 101 ) في مصر بعد حرب تشرين 1973 ، وخصوصا أنه لم يكن أكثر من اجتماع عسكري مهني لمناقشة جوانب وقف إطلاق النار في ميادين القتال كما ذكرنا ...
*ولذلك لم تكن هناك حقائق مغيبة عن أحد بقدر ما كانت أن الموضوع برمته لايستحق الاهتمام الذي يعتقده البعض فيه* ...
وكون أن السيد هاشم الشبلي أو غيره ممن لايعرفون هذه الحقائق أو يعرفون عنها حقائق مشوهة ، فهذه مشكلة السيد هاشم الشبلي ومشكلة من لايعرفون بسبب عدم إطلاعهم على ما حصل في وقتها ( أو لأي سبب آخر ) ولايجيز ذلك صفة الإطلاق على الجميع بأن الحقائق كانت مغيبة عنهم أو أن هناك من حاول ترويج وجود تنازلات سيادية قامت بها القيادة العراقية في حينها* ، وخصوصا أن مذكرات شوارتزكوف وترجمتها العربية كانت متداولة في أوساط المثقفين العراقيين في ذلك الوقت أسوة بغيرها من الكتب التي نشرت عن الحرب ...
وكدليل اخر على عدم أهمية هذا الاجتماع وكونه مجرد لقاء مهني بين عسكريين يمثلون جيشين متحاربين للاتفاق حول آلية وقف إطلاق النار بينهما ، هو أن جميع الكتب التي نشرت بعد انتهاء حرب الخليج الثانية ( كما اسماها الإعلام في ذلك الوقت ) لم تأت على ذكر هذا الاجتماع ولا حتى بإشارة صغيرة ، ما عدا ثلاثة كتب فقط ( مذكرات شوارتزكوف ومذكرات خالد بن سلطان وكتاب الفريق الركن صلاح عبود المعنون ( ام المعارك حرب الخليج عام ١٩٩١ ، الحقيقة على الأرض ) بحكم علاقتهم المباشرة بهذا الاجتماع ...
اما الآخرون فلم يكن يعني لهم هذا الاجتماع شيء ولذلك لم يأتوا على ذكره ...
*الجانب الآخر الذي كان يجب تسليط الضوء عليه هو ( اسباب انعقاد هذا الاجتماع )، وهو ما كان يجب مناقشته وليس اي معلومة أخرى* ...
كان لكل طرف من طرفي النزاع غرضه وهدفه من عقد وحضور هذا الاجتماع :
كان هدف الإدارة الأمريكية من انعقاده وحضوره هو اعلامي صرف كاعلان لنهاية الحرب وإعلان الانتصار وتحرير الكويت ، وكذلك لتجميل صورتها أمام الرأي العام الدولي من أنها لاتهدف الى الاستمرار في القتال وتدمير العراق وقتل شعبه مثلما كان يروج في وسائل الإعلام ، ومن ان الهدف الوحيد كان هو تحرير الكويت ، ولذلك لم يكن يهمهم من سيحضر الاجتماع من الجانب العراقي ( وهو ما يذكره الفريق خالد بن سلطان في مذكراته بألم واضح ) طالما أن الاجتماع سينعقد بالمراسم التي خططوا لها ( استعراض القوة ) امام الإعلام الدولي ، وهذا ما حصل تماما كما خططت له الإدارة الأمريكية ...
أما هدف القيادة العراقية من الموافقة على حضور هذا الاجتماع فلم يكن مناقشة إجراءات وقف إطلاق النار لانها كانت اصلا قد أرسلت مسبقا موافقتها الكاملة وبدون قيد أو شرط على جميع طلبات الإدارة الأمريكية بدون استثناء الى الادارة الامريكية عن طريق ( القناة السوفيتية ) ،..
*ولكن الهدف الحقيقي كان الحصول على موافقة القيادة العسكرية الأمريكية على استعمال طائرات الهليكوبتر ( المسلحة ) بحجة نقل المسؤولين العراقيين في مناطق العراق كافة بسبب تدمير الجسور والطرق ، وكان هذا هو ما حصلت عليه * ..،
*وكان هذا هو القرار الوحيد الذي تم اتخاذه في هذا الاجتماع* علما أنه لم يكن جزءا من أجندة شوارتزكوف أو من طلبات الإدارة الأمريكية ( أو هكذا بدا في حينها ) ...
ويذكر الجنرال شوارتزكوف في مذكراته حول هذه الفقرة بالذات ويقول :
*{{ وأمام الموافقة العراقية الكاملة لجميع الشروط والطلبات الأمريكية فلم أر في الموافقة على مطلب واحد من مطالبهم أمرا خارجا عن المعقول طالما أن هذه الهليكوبترات لا تحلق قرب القوات الأمريكية*
وهنا قال الفريق سلطان هاشم ( فك الله اسره ) مخاطبا شوارتزكوف الجملة التي أتى من أجلها الى الاجتماع :
*اذآٓ ، انت تعني أنه حتى الهليكوبترات المسلحة تستطيع التحليق في الأجواء العراقية ؟*

شوارتزكوف : - نعم ، *وساوعز الى القوة الجوية بعدم إسقاط اي هليكوبتر تحلق فوق الارض العراقية حيث لاتوجد لنا قوات هناك* }} .
انتهى حديث شوارتزكوف ...
وكان هذا هو تماما ما تريده القيادة العراقية ولا شيء غير ذلك ، لان هذه الفقرة تعني ضمان استمرار السلطة وعدم تفكير الإدارة الأمريكية بإسقاطها ، ومن أجل ذلك وافقت القيادة العراقية على كل شروط وطلبات الادارة الامريكية وليذهب كل شيء آخر إلى الجحيم ...
وبالموافقة على استعمال الهليوكوبترات المسلحة ضمن صدام حسين القضاء على جميع القوى التي ثارت في المحافظات العراقية بدءا من الجنوب وحتى الشمال واستمرار سلطته زعيما للعراق *وكان هذا هو السبب الحقيقي والوحيد* لحضور إجتماع الخيمة والموافقة على جميع الشروط والطلبات الأمريكية بدون استثناء ...
وما حصل بعدها من أحداث كان كله معروفا للجميع ...

هذه هي حقيقة ما حصل قبل وأثناء وبعد اجتماع خيمة صفوان ، وهو ما يوضح تماما عدم وجود أي معلومات أو حقائق مغيبة حول هذا الحدث ، وان جميع الأطراف كانت تعلم ما جرى في الخيمة وما تم الاتفاق عليه ، وجيرها كل منهم لصالحه في ذلك الوقت ...