منذ اجتياح تركيا مناطق في شمالي سوريا في التاسع من أكتوبر الماضي، لإخراج المقاتلين الأكراد السوريين المتحالفين مع الولايات المتحدة، تلاحق الفصائل السورية المعارضة المدعومة من أنقرة اتهامات متزايدة بارتكاب انتهاكات بحق السكان المحليين، ما يناقض هدف تركيا المعلن إقامة "منطقة آمنة للمدنيين".
"الجيش الوطني السوري" يشكل رأس حربة الهجوم التركي، ويضم في صفوفه مقاتلين سوريين معارضين لنظام بشار الأسد، وخاضوا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، حملتين أخريين لأنقرة ضد أكراد سوريا.
كثير من النازحين من شمال سوريا، يحملون مقاتلي "الجيش الوطني السوري" مسؤولية الانتهاكات التي دفعت بآلاف المدنيين إلى النزوح.
ويصف النازحون ما حدث لهم بأنه شكل من أشكال التطهير العرقي، مصمم جزئيا لإبعاد السكان الأكراد والمتعاطفين معهم واستبدالهم بالعرب الموالين لتركيا. وقد تحدث المرصد السوري لحقوق الإنسان عن وجود خطة لإحداث تغيير ديموغرافي في عفرين ذات الغالبية الكردية، واتهم الفصائل الموالية لتركيا بارتكاب إرهاب يومي وجرائم حرب بحق المدنيي في عفرين.
صحيفة واشنطن بوست عرضت شهادات مواطنين اضطروا إلى النزوح بسبب الهجوم التركي في أكتوبر.
ونقلت عن مواطن من مدينة راس العين، اسمه فاتح (38 عاما) وهو عربي من أصل تركي فر مع أسرته إلى مدينة الرقة، قوله إنه يكن البغض للجيش الوطني السوري واصفا عناصره بأنهم "تملؤهم الكراهية والرغبة في سفك الدماء. لا يميزون بين عربي وكردي ومسلم وغير مسلم".
وأردف قائلا "اتصلوا بي قبل الهجوم، وأبلغوني أنه بصفتي عربيا مسلما، فإن من واجبي الانتفاض ضد الأكراد ومساعدة تركيا في احتلال مدينتي".
انضم فاتح وأسرته إلى أصدقاء أكراد وغادروا راس العين.
الأمم المتحدة تقول إن أكثر من 200 ألف شخص فروا من مناطقهم بسبب الهجوم التركي، في حين تقول العائلات الهاربة التي تشتت في أنحاء الشرق السوري، إن الوكلاء العرب السوريين لتركيا نفذوا عمليات تعذيب وإعدام خارجة عن نطاق القضاء، واختطفوا أو احتجزوا أقرباء لها ونهبوا منازلها ومحلاتها وممتلكاتها.
محمد عارف، طبيب أشعة، قال للصحيفة إنه تلقى تهديدا عبر اتصال هاتفي، "أحدهم اتصل بي وقال ببساطة ‘نريد رأسك’ وكأن سرقة منزلي وتهجيري من مدينتي لمجرد أنني كردي لم يكن كافيا".
وأوضح عارف (35 عاما) الذي نزح إلى كوباني، إن الاجتياح التركي يذكره باستيلاء داعش على مدينته في 2013، مشيرا إلى أن "عناصر الجيش الوطني حطموا أسدا حجريا عند مدخل بنايتنا اعتقادا منهم أنه صنم، وألقوا بسجاداتنا في الشارع لكي يسجدوا عليها خلال الصلوات العامة التي كانوا يقيمونها".
وفيما اعترف ضابط كبير من القوات المدعومة من تركيا بوقوع انتهاكات لحقوق الإنسان، إلا أنه قال إن قوات سوريا الديمقراطية تبالغ في حجم تلك الانتهاكات.
شهادات المدنيين والصور ومقاطع الفيديو عن الأوضاع هناك تؤكد صحة الرواية الكردية.
يذكر أن الجيش الوطني السوري واجه إدانة قوية بعد أن أظهرت مقاطع فيديو مصوّرة مقاتلين من فصيل "أحرار الشرقية"، يعدمون الأسرى قرب تل أبيض، واتهموا بقتل السياسية الكردية السورية في 12 أكتوبر.
مايكل محمد، صاحب محل ألبسة في تل أبيض، فر مع عائلته إلى الرقة حيث يقيمون مع ثلاث أسر أخرى في شقة مهجورة لا يتجاوز عدد غرفها غرفة واحدة.
وأكد لواشنطن بوست أن "تل أبيض ليست خاضعة لتركيا، بل إن مرتزقة أنقرة هم من يسيطرون عليها"، وأضاف "لقد احتلوا منازلنا نحن الأكراد واتخذوها مساكن لهم".
هجوم أنقرة في شمال شرقي سوريا ضد المقاتلين الأكراد، انتهى بسيطرتها على منطقة حدودية بطول نحو 120 كيلومترا.
وأوقفت تركيا الهجوم في 23 أكتوبر بعد وساطة أميركية واتفاق مع روسيا، نص على أن تسهل موسكو انسحاب وحدات حماية الشعب الكردية، التي تصنفها أنقرة "إرهابية"، من منطقة بعمق 30 كيلومترا من الحدود مع تركيا. وتم الاتفاق أيضا على تسيير دوريات مشتركة قرب الحدود، تستثني بشكل أساسي مدينة القامشلي.