بينما تعتقد السلطات العراقية أنها توصلت إلى خلطة مثالية، تنفع في إنهاء حركة الاحتجاج التي بدأت مطلع الشهر الماضي، وتخللها عنف حكومي كبير، تسبب في مقتل أكثر من 300 متظاهر وجرح 15 ألف آخرين.
الخلطة الجديدة، اساسها حزمة إجراءات سياسية تستهدف تنفيس غضب المحتجين، وإقناعهم بجدية الطبقة السياسية في تلبية مطالبهم، وأخرى أمنية تحاول حصر المتظاهرين في ساحة التحرير، وسط بغداد، لضمان سير الحياة بشكل طبيعي في قلب العاصمة. ومن هذه الإجراءات السياسية، التعديل الوزاري، الذي من المعول أن يطال 11 وزيراً في حكومة عبد المهدي، قد يعلن عنه خلال أيام، على أن يكون الوزراء الجدد من الشباب وليسوا من الطبقة السياسية الحالية، على الرغم من أن الشرط الثاني ليس مأموناً، إذ من غير المألوف أن تتخلى الأحزاب السياسية عن مصالحها في السلطة التنفيذية بسهولة.
عودة العنف
ولكن رغم هذا الحراك السياسي الذي لم يفض الى نتيجة بعد، قُتل أربعة متظاهرين اليوم الخميس في بغداد، وفق مصادر طبية، بعدما أصيبوا بقنابل غاز مسيل للدموع تطلقها القوات الأمنية باتجاه المحتجين وينتقد مدافعون عن حقوق الإنسان استخدامها.
وأشارت المصادر أيضاً إلى سقوط 55 جريحاً قرب "جسر السنك" المتاخم لساحة التحرير بوسط العاصمة التي كانت منطلقاً للاحتجاجات التي بدأت مطلبية في الأول من أكتوبر (تشرين الأول)، وباتت تدعو إلى "إسقاط النظام".
وتدعو المنظمات الحقوقية القوى الأمنية إلى وقف استخدام هذا النوع "غير المسبوق" من القنابل التي يبلغ وزنها عشرة أضعاف وزن عبوات الغاز المسيل للدموع العادية.
وأسفرت الاحتجاجات عن مقتل 330 شخصاً خلال شهر ونصف، بعضهم قضى بالرصاص الحي، وآخرون اختناقاً بقنابل الغاز المسيل للدموع، أو بعد اختراقها جماجمهم.
وتتواصل التظاهرات والاعتصامات في بغداد ومدن جنوبية عدة، تزامناً مع ضغوط سياسية ودبلوماسية على حكومة عادل عبد المهدي للاستجابة إلى مطالب الشارع.
أبو جهاد الهاشمي
وامس الأربعاء، تسربت إلى وسائل إعلام محلية قريبة من السلطة، أنباء عن استقالة أبي جهاد الهاشمي، مدير مكتب رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، لكن وسائل إعلام مملوكة لفصائل عراقية مسلحة موالية لإيران، نفت الخبر.
الهاشمي هو عضو بارز في المجلس الأعلى الذي أسسته إيران من معارضين عراقيين لقتال جيش بلادهم في حرب الثمانينيات بين البلدين. وبعد العام 2003، عرف بقربه الشديد من قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني.
عندما كلف الرئيس العراقي برهم صالح، عبد المهدي بتأليف وزارته، جرت تسمية الهاشمي مديراً لمكتبه، بدرجة وزير، ليس مكافأة لجهوده فحسب، بل للمشاركة في بناء السلطة التنفيذية ومراقبة أدائها.
يقال الكثير عن نفوذ الهاشمي في الحكومة العراقية والأوساط السياسية، ولا يتردد ساسة في القول إن الرجل يلعب أدواراً كبيرة في تعيين الوزراء واختيار الجنرالات لقيادة وحدات عسكرية معينة، فضلاً عن العقود التي تمنح للشركات المحلية والأجنبية لقاء مليارات الدولارات.
عندما اندلعت الاحتجاجات العراقية قبل نحو 43 يوماً من الآن، وتصدت لها الحكومة العراقية بالعنف المفرط، ورد أن الهاشمي يقود خلية أزمة تشرف على التعامل مع التظاهرات.
وسيط بين سليماني وعبد المهدي
سربت مصادر عديدة معلومات تتعلق باجتماعات ذات طابع أمني في بغداد، ترأسها الهاشمي، خلال الأسابيع القليلة الماضية، شارك فيها مستشارون من الحرس الثوري الإيراني، لوضع الخطط الكفيلة باحتواء الاحتجاجات، فيما ذكرت مصادر متطابقة أن الهاشمي نقل إلى عبد المهدي تأكيد سليماني التزام إيران بدعمه الكامل لحين عبور الأزمة.
وقال مصدران في مكتب عبد المهدي وآخر في البرلمان العراقي لـ"اندبندنت عربية" إن "الهاشمي تقدم باستقالته من منصبه، مديراً لمكتب رئيس الوزراء، مساء الثلاثاء".
المصادر أوضحت أن "الاستقالة جاءت بعد جلسة عاصفة لتقييم التعامل الأمني الحكومي مع التظاهرات، شهدت خلافات كبيرة بين عبد المهدي ومدير مكتبه، الذي اتهم بإصدار أوامر مباشرة تنص على قتل المتظاهرين في حالات معينة، من بينها محاولة وصولهم إلى المنطقة الخضراء"، التي تضم مقر الحكومة العراقية وسفارات الدول الأجنبية المهمة.
وأضافت، أن جلسة التقييم، عقدت بعد اتصال هاتفي تلقاه رئيس الوزراء العراقي من وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، تضمن انتقاداً واضحاً للقمع الحكومي الذي تعرض له المتظاهرون، ما تسبب في مقتل المئات، وجرح الآلاف، واختفاء العشرات من النشطاء والمتظاهرين.
سبق هذا الاتصال انتقادات علنية في الداخل والخارج للعنف الحكومي المفرط ضد متظاهرين سلميين، يكفل لهم دستور بلادهم حق التعبير والتظاهر.