أثارت زيارة نائب الرئيس الأميركي مايك بنس، العراق وعدم لقائه رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، تساؤلات عدة حول موقف واشنطن من السلطة في بغداد، فيما رأى مراقبون أن واشنطن تبدو مستاءة من الحكومة العراقية التي تمثل النفوذ الإيراني في البلاد.
مشاكل قديمة
تعود الإشكالية بين واشنطن والحكومة العراقية إلى مطلع عام 2018، وقبل انطلاق الاحتجاجات العراقية، حيث يرى مراقبون أن الرفض الأميركي للحكم في بغداد يعود إلى عدم قبول نتائج الانتخابات التي شابتها إشكالات عدة، فضلاً عن كون الحكومة العراقية من وجهة النظر الأميركية باتت أحد مراكز السيطرة الإيرانية وجزءاً منها.
واعتبر المحلل السياسي قحطان الجبوري، أن "ملامح عدم اعتراف واشنطن بالحكومة العراقية بات جلياً، وهي لا تعترف بحكومة بغداد الحالية، بعد عملية الانتخابات التي شابتها مشاكل عدة". وأضاف أن "احتدام الصراع الإيراني - الأميركي في المنطقة واتساع سيطرة طهران على الحكومة العراقية، جعلت أميركا تدرك بما لا يقبل الشك أن حكومة بغداد جزء لا يتجزأ من سلطة طهران".
وتابع أن "الصراع وصل الى مرحلة لا يمكن فيها التلاقي بين بغداد وواشنطن والمقاطعة هي سيدة الموقف بين الطرفين".
وأشار إلى أن "هناك علاقة كبيرة بين الحراك الذي يطالب بإنهاء الوجود الإيراني في العراق وزيارة نائب الرئيس الأميركي للقواعد العسكرية"، مبيناً أن "هذه الزيارة هي رسالة على أن هناك استعداداً أميركياً أكبر وأوسع".
وعن الحراك السياسي الداخلي وإمكانية الدعم الأميركي له، أشار الخفاجي إلى أن "أميركا مستمرة في محاولة خلق جبهة سياسية وتوحيد القوى المناهضة للنفوذ الإيراني".
ولفت إلى أن "أميركا أدركت حقيقة أن التقاطع مع الوجود الإيراني لم يعد بمسميات طائفية، بل أصبح العراق برمته يسعى إلى إنهاء النفوذ الإيراني في العراق، ما أضاف بعداً وطنياً إلى هذه المهمة".
متظاهرون يجابهون العالم
من جهة أخرى، يرى مراقبون وناشطون أن زيارة نائب الرئيس الأميركي أتت ضمناً لدعم الحكومة العراقية، ويعتبرون أن المتظاهرين في العراق يواجهون العالم كله، حيث يرون أن أغلب القوى الدولية والإقليمية المؤثرة في الداخل العراقي، تملك مصالح مع السلطة الحالية، ولا تسعى إلى إسقاطها.
ويرى الروائي العراقي أحمد سعداوي أن "المتظاهرين العراقيين اليوم يقفون بوجه العالم كله". وأضاف في منشور على موقع "فيسبوك" أن "زيارة نائب الرئيس الأميركي هي ضمناً لدعم حكومة القناصين". ولفت إلى أن "أميركا وقوى أخرى كبرى ترى التظاهرات كحركة محرومين من الريع النفطي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تجاوز على السيادة
وعبّرت جهات سياسية عراقية عن إدانتها لزيارة نائب الرئيس الأميركي، معتبرةً أنها تشكل انتهاكاً وتجاوزاً للسيادة العراقية. ورأى مراقبون أنه كان يُفترض بدء الزيارة في بغداد، مشيرين إلى وجود رسالة ضمنية توحي برفع واشنطن الدعم عن الحكومة العراقية.
وقال "ائتلاف النصر" (الذي يرأسه رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي) في بيان "ندين الزيارة المخلة بالسيادة والتي قام بها نائب الرئيس الأميركي مايك بنس. ويذكّر ائتلاف النصر أن بغداد هي عاصمة العراق وليست أربيل". وأضاف "كما نرفض قبول الحكومة العراقية بترتيبات هذه الزيارة التي اقتصرت على قاعدة عين الأسد وأربيل".
وأشار إلى أن "قضايا السيادة الوطنية ليست ملكاً لأحد ليضحي بها، وكان الأولى رفض الزيارة إن لم تراع سيادة الدولة العراقية". في إشارة إلى رفض الائتلاف تعاطي رئيس الحكومة عادل عبد المهدي مع الزيارة، معتبرين ذلك "تضحية" بالسيادة العراقية.
من جهة أخرى، قال أستاذ الإعلام في الجامعة العراقية فاضل البدراني، أنه "من ناحية البروتوكولية تشكل الزيارة حالة تجاوز على السيادة العراقية لأنه كان يفترض أن تبدأ من بغداد". وأضاف أن "المغزى من عدم قدوم نائب الرئيس الأميركي إلى بغداد، هو إيصال فكرة أنه تجاهُل للحكومة العراقية ورفع يد الدعم عنها تماماً".
وأشار إلى أن "قاعدة عين الأسد في الأنبار تمثل الثقل الأميركي في العراق، وزيارتها رسالة تعبر عن قلق واشنطن من تصاعد النفوذ الإيراني فضلاً عن رفض السلوك الحكومي بالتجاوز على المتظاهرين".
وقال البدراني أن "الاتصال الهاتفي بين بنس وعبد المهدي، لم يكن كما نُقل وفق البيان الرسمي، فالإعلام الحكومي دائماً ما يضع تلك البيانات في إطار بروتوكولي"، مشيراً إلى أن "الحكومة العراقية لم تكن على علم بتلك الزيارة".
ولفت إلى أن "إيران حكمت على الحكومة العراقية بالموت أمام الدعم الأميركي، عندما قالت إنها سجلت ثلاثة أهداف بالمرمى الأميركي في فترة اختيار الرئاسات الثلاث العام الماضي".
رسالتان أميركيتان
واعتبر خبراء أن التأثير الإيراني تضخم منذ صعود القوى السياسية والميليشيات الموالية لطهران، ووصولهم إلى السلطة، مبينين أن هذا ما وضع واشنطن أمام إشكالية عميقة في التعاطي مع رئيس الحكومة الحالية. ويرى الباحث السياسي، باسل حسين أن "زيارة نائب الرئيس الأميركي حملت رسالتين ضمنيتين إلى القوى السياسية العراقية، الأولى إلى القادة في بغداد تتضمن أن الإدارة الأميركية ممتعضة من السلوك السياسي العراقي سواء في علاقتها مع إيران أو التعامل مع المتظاهرين، والثانية وجِهت إلى القوى الكردية باتخاذ موقف مغاير من حكومة عبد المهدي وألا يكونوا داعمين لمسارها". وأضاف أن "الوجود الأميركي في العراق خسر الجغرافيا والسياسة عام 2011 وعندما عاد النفوذ في السنوات الماضية إلى الأرض، يحاول الآن استعادة النفوذ على السياسة".
وتابع "النفوذ الإيراني تضخم بعد صعود أجنحة سياسية وميليشيات قريبة من إيران إلى مراكز صنع القرار السياسي، وتم إخضاع عبد المهدي لهذا النفوذ".
وأشار إلى أن "محاولات أميركية لإعادة السيطرة على الأجواء السياسية، وهو جزء من عملية التدافع الإيراني - الأميركي لكسب النفوذ".
وأوضح أن "واشنطن غير راضية وتعتقد أن عبد المهدي ذهب كثيراً في اتجاه إيران، وهذا هو السبب وراء فشل محاولة رئيس الوزراء العراقي زيارة واشنطن ثلاث مرات".