منع الجهاز القضائي العراقي حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، من تطبيق قوانين مكافحة الإرهاب على المحتجين الذين تورطوا في مخالفات خلال مشاركتهم في التظاهرات، التي انطلقت منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وما تزال وتيرتها تتصاعد حتى الآن.
تطور الإجراءات الأمنية
لم تكن الإجراءات الأمنية والعسكرية التي اتخذتها الحكومة مواكبة لانطلاقة الاحتجاجات في موجتها الأولى مطلع أكتوبر، لكنها تطورت كثيراً في اليومين التاليين، حتى وصلت إلى حد قتل عشرات المتظاهرين بأسلحة قناصة في ساحة التحرير بالعاصمة بغداد، وسط استغراب شعبي كبير.
وفي اليوم التالي لانطلاق موجة الاحتجاجات الثانية خلال الشهر الماضي، وتحديداً في 26 أكتوبر، حيث سجلت بغداد تظاهرة مليونية، ووردت أنباء من العاصمة والمحافظات عن احتكاكات وشغب وإطلاق رصاص حي على المحتجين، أعلنت قيادة العمليات المشتركة العراقية، وهي أعلى سلطة عسكرية في البلاد، أن قواتها ستتعامل مع "المخربين" وفق قانون مكافحة الإرهاب.
ويشتمل قانون مكافحة الإرهاب، الذي شرع في العراق خصيصاً لمحاكمة عناصر تنظيم القاعدة ولاحقاً مقاتلي "داعش"، على عقوبات بالإعدام والسجن المؤبد، فيما تصل عقوبة المواد التي اعتقل المتظاهرون على أساسها إلى السجن 15 عاماً.
وقالت قيادة العمليات المشتركة، "في الوقت الذي تشهد فيه البلاد تظاهرات للمطالبة بالحقوق التي كفلها الدستور العراقي، فقد استغل البعض هذه التظاهرات وعمل على قتل المواطنين وإصابة آخرين وحرق الممتلكات العامة والخاصة ونهبها".
أضافت، "عليه، فإن قواتنا الأمنية البطلة بجميع صنوفها ستتعامل مع هؤلاء المخربين المجرمين بحزم وفقاً لقانون مكافحة الإرهاب، وتعتبر هذه التصرفات غير القانونية جريمة يجب التعامل الفوري معها بشكل ميداني وعاجل"، محذرة من "العبث بأمن المواطنين".
المتحدث العسكري
مثلما كان متوقعاً، لم يلق إعلان العمليات المشتركة صداه في ساحات الاحتجاج، ما دفع عبد المهدي إلى اتخاذ إجراءات تصعيدية، من بينها تعيين متحدث عسكري باسمه، ما كشف عن نيته بالتعامل مع التظاهرات بوصفها ملفاً أمنياً.
مع دخول الاحتجاجات العراقية مرحلة الاعتصام والعصيان المدني، أعاد المتحدث العسكري باسم عبد المهدي، اللواء عبد الكريم خلف، التلويح بقانون الإرهاب، مؤكداً أن بنوده ستطبق على المتظاهرين الذين يتسببون في إغلاق المدارس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خلف أعلن أن "أوامر صدرت باعتقال الذين يغلقون المدارس بموجب قانون مكافحة الإرهاب"، مشيراً إلى أن "إغلاق المدارس جريمة مشهودة، يحال مرتكبوها إلى المحاكم فوراً".
وتؤكد مصادر "اندبندنت عربية" أن مئات المتظاهرين اعتقلوا في بغداد والناصرية جنوباً، خلال الأسابيع الماضية، بتهم تتعلق بالتظاهرات، حيث كانت الحكومة تخطط لاتهامهم بجرائم إرهابية، بهدف تخويف رفاقهم في الساحات.
مفاجأة القضاء
لكن المفاجأة جاءت من محكمة التمييز الاتحادية، وهي الهيئة القضائية العليا التي تمارس الرقابة على جميع المحاكم، عندما أعلنت بطلان النهج الحكومي.
هكذا، قررت محكمة التمييز اعتبار الأفعال المخالفة للقانون المرتكبة من قبل بعض المتظاهرين أنها لا تشكل جرائم إرهابية، مشيرة إلى أن النظر إلى هذه المخالفات يتم وفق ظروف كل واحدة، ووفق القوانين النافذة.
وقال مجلس القضاء الأعلى، وهو السلطة الأولى في البلاد، وفقاً للدستور، إلى جانب البرلمان والحكومة، إن "الهيئة الجزائية في محكمة التمييز الاتحادية أصدرت قراراً اعتبرت بموجبه الأفعال التي ترتكب خلاف القانون من (بعض المحسوبين) على المتظاهرين جرائم عادية يعاقب عليها قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 بحسب ظروف وأدلة كل جريمة".
وشدد قرار الهيئة الجزائية على أن مخالفات المتظاهرين، "لا يسري عليها قانون مكافحة الإرهاب لانتفاء القصد الجنائي لدى مرتكبيها والمتمثل (بتحقيق غايات إرهابية) حسب نص المادة 1 من قانون مكافحة الإرهاب رقم 13 لسنة 2005".
واعتبر مراقبون هذا القرار القضائي انتصاراً للمتظاهرين، فيما ذهب آخرون إلى أن رئيس الوزراء العراقي فشل في توريط السلطة القضائية بقمع الاحتجاجات.