سقوط "هالة" الحاكمين قبل إسقاط الأنظمة

آخر تحديث 2019-11-27 00:00:00 - المصدر: اندبندنت عربية

لا "قداسة" في السياسة، ولو كان يمارسها رجال دين مباشرة أو بالواسطة من وراء أسوار "المرجعيات" في الأنظمة الطائفية. لا ديمقراطية في الأنظمة الدينية، وإن كانت تجري انتخابات نيابية ورئاسية، ولا عدالة ومساواة في الأنظمة الشمولية، سواء كانت في اليمين مثل الفاشية والنازية أو في اليسار مثل الشيوعية.

وفي المشهد الممتد من إيران إلى لبنان مروراً بالعراق وسوريا خليط من كل ذلك، وبين ما فعلته الانتفاضات الشعبية الدائرة حالياً في هذا المحور الذي يأخذ شكل "قوس الأزمات" هو إسقاط "هالة" الحاكمين، ولو لم تصل إلى إسقاط النظام: تجاوز "قداسة" الملالي المسيطرين على إيران تحت عنوان "الحكم الإلهي"، كشف خواء الديمقراطية وهزال التركيبة الحاكمة في النظام الطائفي في كل من العراق ولبنان، وكشف الوجه الحقيقي للأنظمة القائمة على القمع وغياب العدالة والمساواة، والتي تغطي الوجه بقناع من الشعارات البراقة. ومن قبل، كان انكشاف الفارق الكبير بين الأيديولوجيا والممارسة الواقعية في الفاشية والنازية والشيوعية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ذلك أن التطهير العرقي لم يكن سوى حلقة في سلسلة جرائم مارسها موسوليني وهتلر تحت عنوان "الوطنية" في حق الشعب الإيطالي والشعب الألماني وشعوب العالم.

وفي كتاب "لينين غير المعروف: من الأرشيف السري"، الذي نشرته جامعة ييل بعد انهيار الاتحاد السوفييتي قصة معبرة جداً.

في عام 1918، قال قائد الثورة البلشفية لرفاقه "علّقوا على الأعمدة 100 من الكولاك، رجال أغنياء معروفين ومصاصي دماء، وارفعوهم بحيث يراهم الناس من بعد كيلومترات، فيغضب الشعب ويشنق مصاصي الدماء". فقال له أحد رفاقه "ما دمنا نمارس إعدام الخصوم بلا محاكمة، فلماذا نحتاج إلى مفوّض عدل؟ لماذا لا نسميه مفوض الإبادة الاجتماعية؟". ردّ لينين بالقول "معك حق، لكننا لا نستطيع أن نقول ذلك علناً".

في كتاب "الدولة الإسلامية"، قال الإمام الخميني "كل ما هو خارج الإسلام شرك". سيد قطب المنظّر المتشدّد للإخوان المسلمين رفض الديمقراطية لأن "الحاكمية لله". بيانات داعش والقاعدة تعتبر أن "الديمقراطية كفر". راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة في تونس ورئيس مجلس النواب حالياً، يقول في كتاب "الحريات العامة في الدولة الإسلامية" إن "نظام الحكم صادر عن الله".

وباسم الحكم الإلهي، بعد الحكم الأيديولوجي، تُرتكب المجازر بلا شفقة. آلة القمع في إيران هائلة. والقرار السياسي الذي يأمر باستعمالها يُغلَّف بمقتضيات "الحكم الإلهي". وهكذا استخدم النظام الديني كل ما في يده ضد المتظاهرين احتجاجاً على رفع أسعار البنزين، إذ سقط مئات القتلى وآلاف الجرحى، وجرى اعتقال الآلاف. آلة القمع في العراق مزدوجة: السلطة تقتل المئات من المتظاهرين، وهي تدعي تلبية مطالبهم وتنكر أنها قتلت أحداً، و"الطرف الثالث" الذي يديره الحرس الثوري الإيراني يقتل المئات ويبقى "مجهولاً".

في لبنان يصعب الذهاب في قمع الثورة الشعبية السلمية إلى النهاية. والبديل عن القمع، وما يرافقه في إيران والعراق وسوريا، هو اتهام ملايين المتظاهرين بأنهم "أدوات في أيدي الأعداء". وأكثر من يتهم الثوار بـ"العمالة" لأميركا هم الذين يعترفون بأن أموالهم وأسلحتهم من إيران، ويقولون صراحة إنهم من أتباع "ولاية الفقيه".

وما كشفته الوقائع، قبل الانتفاضات الشعبية، هو فشل ما يسميه علماء السياسة "المقايضة السلطوية". ما هي؟ "الدولة تؤمّن الوظائف والأمن والخدمات مقابل الولاء السياسي"، كما تقول الدكتورة مها يحيى، التي قادت جهود الأمم المتحدة لتطوير الديمقراطية في 17 بلداً عربياً. ففي مقال نشرته "فورين أفيرز"، ترى الدكتورة مها يحيى المديرة في كارينغي "أن المناخ تغير الآن. الأكثرية صارت منخرطة في السياسة وتريد رفع صوتها المعارض".

والواقع أن الأنظمة في إيران والعراق وسوريا ولبنان فشلت، ليس فقط في إجراء الإصلاحات، بل أيضاً في تقديم الخدمات وتأمين الوظائف وتنشيط الاقتصاد. فما تركز عليه جمهورية الملالي في إيران، وكذلك التيارات الأصولية المتشددة، هو "معركة الهويات" بدل معركة الحداثة والتنمية والديمقراطية. وما تقود إليه معركة الهويات هو حروب داخلية وخارجية ومجازر إلى ما لا نهاية. وأي مستقبل للمنطقة وشعوبها حين يكون شعار الأنظمة الدينية أن أعلى مراتب الحياة للشباب هي القتال حتى الموت؟ إلى أين الهرب من حقائق الحياة ويقظة الشعوب؟

يقول جيفري غولدبيرغ، رئيس تحرير "أتلانتيك" في العدد الأخير من المجلة، إن "أكبر تحدٍ أمامنا هو الفشل البنيوي لنظامنا الديمقراطي الذي سمح لغشّاش بالوصول إلى البيت الأبيض". أما نحن في الشرق، فإن التحدي الكبير أمامنا، بعد إسقاط هالة الحكام، هو إسقاط الأنظمة التي لا تسمح إلا للغشاشين بالوصول إلى السلطة.