صوّت البرلمان العراقي على قانون مفوضية الانتخابات الجديدة، وسط تأييد معظم الكتل البرلمانية. وينصّ القانون، على أن يكون أعضاء المفوضية من القضاة لا الأحزاب وتتم مراعاة المناطق الاستئنافية في اختيارهم. إلا أن ناشطين في الحراك الاحتجاجي عبّروا عن استيائهم ورفضهم للقانون الجديد، فيما رأى خبراء أنه يتضمن شكلاً جديداً من اشكال المحاصصة، مشيرين إلى أن القانون لم يحدد آليات الترشيح والوصول إلى القرعة.
وتضمن القانون الجديد حذف وتعديل فقرات عدة من القانون السابق، من بينها تحديد أعضاء مجلس المفوضين بـ9 اعضاء يتكونون من 7 قضاة ومستشارَين، يتم اختيارهم بقرعة ينظمها مجلس القضاء الاتحادي، مع مراعاة العدالة في التوزيع المناطقي، ويتم اختيار اثنين منهم من قبل مجلس القضاء في إقليم كردستان.
ولطالما شكّل تغيير قانون المفوضية وإجراء الانتخابات، أحد أبرز مطالبات المحتجين، وإذ يصفونها بأنها قوانين تتيح بقاء الطبقة السياسية الحالية وتضمن وصولها إلى السلطة.
محاصصة "مبطنة"
ويرى خبراء أن القانون الجديد للمفوضية يستبطن المحاصصة من خلال التوزيع المناطقي، فيما وصفوا نقل مدراء المفوضية السابقة إلى دوائر أخرى بـ"هدم المؤسسة بشكل كامل، فيها موظفين مهنيين لديهم خبرة لـ15 سنة".
وقال الخبير الانتخابي، عباس الشريفي، إن "القانون الجديد أعطى مواصفة واحدة، وهي أن من يتم اختيار أعضاء جلس المفوضية من قضاة، لكنه لم يشرح الالية التي يتم بها اختيارهم أو ألية القرعة". وأضاف الشريفي إن "الفقرة المتعلقة بمراعاة العدالة في التوزيع المناطقي للمناطق الاستئنافية، تعني اننا تجاوزنا السياق الطائفي ودخلنا في سياق محاصصاتي مناطقي، وهذه محاصصة ضمنية"، مبيناً أن "القانون استبطن المحاصصة فعلاً، وتوزيع القضاة على المناطق الاستئنافية هو بالحقيقة ليس توزيعا مناطقياً بل محاصصاتياً".
وأشار إلى أن "القانون يتحدث عن طريقة اختيار بالقرعة لكنه لم يحدد مَن يرشح هؤلاء القضاة وآلية هذا الترشيح".
ولفت إلى أن "المسودة التي أرسلتها الحكومة كانت مختلفة، تتضمن قضاة من مجلس شورى الدولة وأكاديميين وأعضاء من ديوان الرقابة المالية فضلاً عن قضاة من مجلس القضاء الأعلى".
تلاعب لا يمكن رصده
وأوضح الشريفي أن "التلاعب الأكبر الذي لا يمكن رصده يتم في قاعدة المعلومات الخاصة بالناخبين وادخال البيانات، والتي بالإمكان التلاعب بها، ومن الصعب جداً الكشف عنها، والسؤال هنا، هل يقدر القضاة على مراقبة عمليات الادخال والتراكم في عد الأصوات". وأشار إلى أن "نقل المدراء العامين والكادر الوسطي حتى مدراء الاقسام، يُعد هدماً للمؤسسة بشكل كامل لموظفين مهنيين لديهم خبرة تراكمية لـ15 سنة وهذا خلل كبير"، متسائلاً عن كيفية ضمان عدم استقدام مدراء عامين بدلاء غير خاضعين للمحاصصة.
وصوّت البرلمان ايضا على نقل أعضاء مجلس المفوضية الحاليين والمديرين العامين إلى دوائر الدولة بما يتناسب مع اختصاصاتهم أو يُحال مَن يرغب منهم على التقاعد.
مواقع حساسة بالـ"قرعة"!
وعبّر قانونيون عن استغرابهم من اعتماد القرعة كآلية لاختيار أعضاء مناصب مهمة كمفوضية الانتخابات، داعين إلى أن تكون تلك الآلية واضحة وضمن شروط رصينة تضمن عدم وصول المتحزبين.
وقال الخبير القانوني، حسين السعدون، إن "من غير المنطقي ان يكون التعيين في مناصب حساسة كمفوضية الانتخابات عن طريق اجراء القرعة، هي ليست سلفة او مسابقة!".
وأضاف لـ"اندبندنت عربية" "الشعب يطمح الى مجلس مفوضين مستقل يضمن عملية انتخابية نزيهة وسليمة، لذا يجب ان تكون الية التعيين واضحة وضمن شروط رصينة تمنع مرور المتحزبين".
وأوضح أنه "لا بأس من تمثيل كافة شرائح الشعب العراقي في مجلس المفوضين، لكن اليات الاختيار رصينة".
أشار إلى أن "نسخة رئاسة الوزراء المرسلة للبرلمان كانت أفضل، مع اضافة شرط ان لا يكون المرشح لمجلس المفوضين فد سبق وان رشح للانتخابات التشريعية او مجلس المحافظة.. وان يكون من قضاة الصنف الاول".
محتجون يصوغون "قوانينهم"
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعبّر ناشطون عن رفضهم لكل اشكال المحاصصة في قانون المفوضية، وفي حين بينوا أن كل ما يصدر عن الكتل السياسية لا يمثل المحتجين، أشاروا إلى أن الناشطين في ساحات الاحتجاج يعملون على اعداد صياغات لقوانين المفوضية والانتخابات والاحزاب.
في سياق متصل، قال الناشط المدني، زيدون عماد، إن "كل ما يصدر من الاحزاب والكتل السياسية في البرلمان، مشكك بها من قبل المحتجين". وأضاف "نحن كمعتصمين ومتظاهرين، نرفض كل اشكال المحاصصة سواء كانت طائفية أو حزبية أو مناطقية".
وأشار ألى أن "المحتجين مستاؤون من عدم التطرق لرؤاهم قبل إقرار تلك القوانين". ولفت إلى أن "الناشطين في ساحات الاحتجاج يعملون على اعداد صياغات لقوانين المفوضية والانتخابات والاحزاب بالتشاور مع قانونيين".
طريق تحاصصي جديد
من ناحية ثانية، قال الصحافي مصطفى ناصر إن "قانون مفوضية الانتخابات المصوَّت عليه هو طريق محاصصة جديد". وكتب ناصر على صفحته في "فيسبوك" أن "المادة الثانية من القانون تنص على كوتا الأكراد، وذلك يعني أن اثنين من قضاة الصنف الأول يختارهم مجلس القضاء الاعلى من مرشحين يرسلهم مجلس قضاء كردستان مع مراعاة توزيعهم على المناطق الاستئنافية في الاقليم"، لافتاً إلى أن "هذه الفقرة تعني العودة الى المحاصصة".
تعهدات رئاسية
وكان رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي تعهد الخميس، بأن تكون آلية اختيار قضاة مفوضية الانتخابات "شفافة"، مؤكداً أن البرلمان سيقر قانون الانتخابات الجديد خلال الأسبوع المقبل.
وقال الحلبوسي في مؤتمر صحفي الخميس، إن "آلية اختيار القضاة في المفوضية ستكون شفافة"، مؤكداً "حل مجلس المفوضية الحالي ونقل المديرين العامين خارج المفوضية، تمهيداً لاختيار اربعة مدراء عامين فقط للمفوضية الجديدة".
وتابع أن "القوى السياسية تجتمع بشكل متواصل لإقرار قانون الانتخابات، وسيتم تشريع قانون انتخابات منصف، وسيشهد الأسبوع القادم التصويت عليه".
وأكد على أن "المفوضية الجديدة ستكون مستقلة ولن تخضع لأي سلطة سياسية أو حزبية"، متعهداً بأن "قانون الانتخابات الجديد لن يخضع لأي إرادة غير إرادة الشعب".
انتقالة باتجاه الاصلاح
ويرى نواب في البرلمان العراقي أن القانون الجديد، يمثل انتقالة نوعية باتجاه تحقيق الاصلاح في المنظومة السياسية، معبرين عن أملهم في اقرار قانون الانتخابات واصفينه بالخطوة الثالثة بعد اسقاط الحكومة واقرار قانون المفوضية.
وكتب النائب في البرلمان العراقي، مزاحم الكنعان، على صفحته في "فيسبوك" أن "قانون مفوضية الانتخابات الجديد انتقالة نوعية باتجاه تحقيق الاصلاح في المنظومة السياسية المنغلقة وتخليص المجتمع والقرار الوطني من أسرها لهما".
وعبر عن أمله بأن ينتهي المجلس خلال الأسبوع القادم من اقرار قانون الانتخابات، واصفا القانون الانتخابي بأنه "سيكون الخطوة الثالثة في طريق الاصلاح بعد اسقاط الحكومة واقرار قانون المفوضية".
وأشار إلى أنه "يتبقى على المجلس مهمة كبيرة قد تكون صعبة عليه وهي التصويت على حل نفسه تمهيدا لاجراء انتخابات مبكرة في حالة عدم التوافق على رئيس جديد لمجلس الوزراء أو في حالة صدور قرار بالحل من رئيس الجمهورية".
ولفت إلى أن "بتحقيق الخطوة الأخيرة يكون النواب قد أدوا ما عليهم من مهام لتحقيق مطالب الاصلاح ويتبقى على المواطنين أن يقوموا بدورهم الأهم بالنسبة لهم وللوطن عموما في المشاركة في الانتخابات القادمة بكثافة وهمة لأجل اخراج المفسدين والفاسدين من المشهد ووضع البلاد على خط البداية لبناء عراق جديد".