تستمر الإشاعات بالتأثير في حركة الاحتجاج العراقية. فمنذ انطلاقها تخللتها مجموعة كبيرة من الأخبار المزيفة التي تنطلق من منصات التواصل الاجتماعي، وتجد صداها في أغلب ساحات التظاهر، الأمر الذي دفع بالعديد من الناشطين إلى مجابهتها والحض على عدم التعاطي معها، بينما تحول بعضها إلى مادة للسخرية.
ويرى مراقبون أن بث الإشاعات دليل واضح على فشل السلطة في حل الأزمة وتصدعها، مشيرين إلى أن الدليل الأكبر على انهيار تلك السلطة هي عمليات الخطف والتصفية الجسدية.
سيناريوهات عدة
تتمحور الإشاعات حول سيناريوهات عديدة لا يمكن حصرها، كمصادر تمويل الاحتجاجات من جهات أجنبية، و"انتشار ممارسات لا أخلاقية في المطعم التركي"، واحتمالات اقتحام الساحة من ميليشيات، و"نشوب شجار متكرر بين المتظاهرين تستخدم فيه آلات جارحة"، وتسريبات عن حضور قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني إلى ساحة التحرير، ووجود سلاح مخزن لسرايا السلام في محيط ساحة التحرير، و"قيام الشباب المتظاهر بالتحرش اللفظي والجسدي بالمتظاهرات".
ولعل "جوكر" كان أبرز ما تم استخدامه من قبل الجيوش الإلكترونية للتشويش على التظاهرات وضرب سلميتها. إذ عملت منصات لقادة بارزين، ومدونين مناهضين للحراك الاحتجاجي، وجيوش إلكترونية، على اتهام المتظاهرين بالتشبه بهذه الشخصية الهوليوودية والدفع إلى التخريب.
وكان من أبرز الشخصيات التي تناولتها وسائل التواصل الاجتماعي كمادة للسخرية والهجوم إثر هذه الإشاعات هو الناطق العسكري باسم رئيس الوزراء العراقي اللواء عبد الكريم خلف، حيث خصص الناشطون وسماً بعنوان "غرد مثل خلف"، فضلاً عن التعاطي الساخر مع الإعلامي نجاح محمد علي، الذي هاجمه ناشطون قالوا إنه يحرض على العنف الصريح ضد المحتجين، بعد اتهامه لهم بأنهم مندسون تقف خلفهم جهات أجنبية. بالإضافة إلى ذلك، عمل قادة سياسيون وزعماء للميليشيات، عبر صفحاتهم، على تشويه صورة الاحتجاجات والطعن بسلميتها.
ماكينة إعلام "ميليشياوي"
ويرى العديد من المتظاهرين أن السلطة وجيوش الأحزاب الإلكترونية، باتت تتبع أسلوب الترهيب من خلال بث الإشاعات لإنهاء الاعتصامات في بغداد والمحافظات الأخرى، بعدما فشلت في إنهائها بالطرق القمعية.
ويقول الناشط والصحافي علي رياض، إنه "منذ انطلاق ثورة أكتوبر والماكينة الإعلامية الحكومية والميليشياوية، المتمثلة بجيوش إلكترونية، تعمل في صفحات ممولة على مواقع التواصل الاجتماعي، لاسيما فيسبوك، على التخويف بالإشاعات وتخوين بعض المدونين والشخصيات الإعلامية، أو محاولة حرف الرأي العام العراقي عن تأييد الحراك الثوري".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف في حديث إلى "اندبندنت عربية" أنه "في الأيام الأولى، كان للتخويف بهجمات متوقعة على الساحة أثر طفيف، بسبب حرص عامة الناس على سلامة المعتصمين، لكن الأمر تم فضحه وتحولت صفحاتهم الممولة وبشكل ساخر إلى منصات للتحشيد الاحتجاجي والثوري".
ويذكر رياض مثالاً على الإشاعات والحرب الإلكترونية، قائلاً "نشرت إحدى الصفحات الممولة مقطع فيديو يدعي أن المتظاهرين يعطلون كاميرات المراقبة في محيط ساحة التحرير، وكان عدد التعليقات 595 تعليقاً، خمسة منها فقط كانت مؤيدة لتوجه الصفحة ضد المتظاهرين".
ويلفت إلى أن "وجود الهواتف المحمولة بيد الناشطين الموجودين في ساحة التحرير وتوثيقهم لكل ما يحدث هناك، قطع الطريق تماماً أمام الإشاعات، وجعل من مطلقيها مادة دسمة للسخرية".
اتهامات بالمؤامرة
ويرى مراقبون أن القوى الرامية إلى إنهاء الاحتجاج هي من تسعى إلى بث الإشاعات، في محاولة للتشويش على المطالب وعدد الضحايا الكبير، مشيرين إلى أن السلطة عاجزة عن تلبية مطالب المحتجين، لذلك باتت تعول على تلك الأساليب.
في المقابل، قال الكاتب والإعلامي أحمد الشيخ ماجد إن "الإشاعة بشكل عام وإن بُثت داخل ساحات التظاهر، تُبث من قبل القوى الرامية إلى إنهاء الاحتجاجات.
وأضاف أن "القوى المناهضة للاحتجاج تدعي وجود مؤامرة في الاحتجاجات، مع أن الجو السلمي هو الغالب".
وأشار إلى أن "أي إشاعة تتلقفها القنوات الحزبية والمدعومة من ميليشيات مسلحة، وكأنها معدة لها".
وقال المحلل السياسي قحطان الخفاجي، إن "مصدر الإشاعات هي الجهات المتضررة من الحراك". وأشار إلى أن "نهاية مطاف السلطة هي لجوء بعض أدواتها إلى القوة المباشرة ضد المحتجين وعمليات الخطف وغيرها"، مؤكداً أن "الحراك الاحتجاجي صار واعياً لتلك المساعي السلطوية، ووعيه هو من يهدم تلك المشاريع".