مع اقتراب انتهاء المدة الدستورية لاختيار رئيس جديد للوزراء في العراق، تتجه الأنظار إلى رئاسة الجمهورية لتلقف كرة النار هذه. فبحسب الدستور وتحديداً المادة 76 منه، على رئيس الجمهورية أن يكلّف الكتل السياسية المعنية في البرلمان لتقديم مرشحها لشغل منصب رئيس الوزراء.
الكتلة النيابية الأكبر والمخاوف من الفراغ الدستوري، أمران يمثلان حاليا الشغل الشاغل للكتل السياسية والمرتقبين لشخصية رئيس الوزراء الجديد، التي ستقود العراق في أصعب مراحلة باتّفاق الجميع.
العودة إلى تفسير الكتلة الأكبر
طالبت رئاسة الجمهورية في رسالة للبرلمان بتوضيح الكتلة النيابية الأكثر عدداً والمسجلة في الجلسة الأولى من البرلمان الحالي ليتسنى لها تكليفها بترشيح رئيس جديد للوزاء.
رئاسة الجمهورية في رسالتها هذه، أعادت إلى الأذهان مجدداً إشكالية الكتلة النيابية الأكثر عدداً والتفسيرات المتعددة التي قيلت حولها.
وعلى الرغم من أن تحالف "سائرون" يُعـدون أنفسهم الكتلة الأكبر، وأنه تنازل عن هذا الحق وخوّل الشعب (كونه الكتلة الأكبر حسب رأيها) لاختيار رئيساً للوزراء، فإن هناك من يرى أن قضية الكتلة الأكبر التي أشارت إليها رسالة رئاسة الجمهورية، قد انتهت ولا يوجد لها أي مسوغ قانوني، لأن الجلسة الأولى من البرلمان الحالي، لم تشهد تحديد من هي الكتلة الأكبر، بل اختيار رئيس الوزاراء المستقيل عادل عبد المهدي جرى وفقا للتوافقات، وليس وفقا لحسابات الكتلة الأكبر.
في المقابل، يرى مراقبون أن المحكمة الاتحادية، وتحديداً عام 2010، حسمت نزاعاً قانونياً حول تعريف الكتلة الأكبر بعد حصول خلاف بين الكتلة الفائزة في انتخابات 2010، وهي ائتلاف "العراقية" بزعامة إياد علاوي والحاصلة على 91 مقعداً، وقائمة "دولة القانون" بقيادة نوري المالكي التي نالت 89 مقعداً، وفي ذلك الوقت اتخذت المحكمة قرارها بأن الكتلة الأكبر هي التي تتشكل داخل البرلمان وليس بالضرورة من حصدت أعلى نسبة من الأصوات في الانتخابات.
ووفقا للمحكمة تمكن ائتلاف "دولة القانون" من تشكيل الحكومة بعد تحالفه مع قوى أخرى، وشكل التحالف الوطني الذي جمع نحو 140 نائبا.
وبذلك، لم يأتِ مفهوم الكتلة الأكبر في وقتها من نتائج الانتخابات، بل كان من نتائج التوافقات داخل البرلمان. فاختلاف التفسيرات حول مفهوم الكتلة الأكبر قد يدخل البلاد مجدداً في جدل قانوني طويل يمدّ من حالة عدم الاستقرار السياسي.
رئاسة الجمهورية والمدة الدستورية لاختيار رئيسا للوزراء
في سياق متصل، يوضح الخبير القانوني، علي التميمي لـ"اندبندنت عربية"، أن المدة الدستورية لحكومة تصريف الأعمال تكون من (30 يوماً)، على أن يتم خلالها تقديم مرشح جديد لرئاسة الوزراء قبل انتهاء مدة 15 يوماً من خلو المنصب.
ويقول التميمي إنه "في حالة الإخفاق في الوصول إلى مرشح جديد بعد مرور 30 يوماً، تنتقل صلاحيات البلاد لرئيس الجمهورية برهم صالح، ويُكلّف خلالها لإيجاد مرشح جديد خلال مدة 15 يوماً مرة أخرى، وفي حال انتهاء هذة المدة، ولم يتم التوصل إلى الاتفاق على مرشح نكون أمام فراغ دستوري نحتاج أن نأخذ فيه رأي المحكمة الاتحادية".
وفي سياق متصل، يشير التميمي إلى أنه بإمكان رئيس الجمهورية وفقا للصلاحيات الحالية التي منحته إياها المادة 76، أن يختار شخصاً مستقلاً شرط أن يصوت له البرلمان بالأغلبية المطلقة، لكن التميمي يستبعد أن يقوم رئيس الجمهورية بترشيح أسماء، كونه - بحسب التميمي- لا يرغب أن يتصادم مع الكتل، فهو بين نار المتظاهرين ونار الكتل السياسية.
مرشحو الكتل يجابهون بالرفض
من جهة ثانية، يقول إحسان الشمري، رئيس مركز التفكير السياسي لـ"اندبندنت عربية"، إن الانغلاق السياسي هو الطبيعة السائدة لترشيح رئيس الوزراء، فغالبا ما تجابه الشخصيات التي يطرحها تحالف الفتح بالرفض من قبل "سائرون" و"الحكمة" و"النصر".
الشمري توقع أن تعجز القوى السياسية عن تقديم مرشحين، لكن قد تكون الساعات الأخيرة من انتهاء المدة الدستورية كفيلة بأن تنتج شخصية رئيس الوزراء المقبل، والتي يفترض أن تتوافق مع مطالب المتظاهرين في ساحات الاعتصام.
طرح الشمري أسماء معينة، مثل قصي السهيل ومصطفى الكاظمي، إلا أنها غير مقبولة من قبل ساحات التظاهر. عدم المقبولية وبحسب الشمري قد يدفع بالأحزاب إلى اختيار شخصيات من المستوى الثالث تظهرها على أنها شخصيات مستقلة لكي تحصل على القبول الشعبي.
الحل بحكومة إنقاذ وطني
يرى المحلل الاستراتيجي، سرمد البياتي، بأن هناك تنصلاً كبيراً من المسؤولية الملقاة على الجميع.
واستغرب البياتي مطالبة رئيس الجمهورية بالكتلة الاكبر، موضحاً أن مطالبته هذه تعني أن اختيار عادل عبد المهدي كان خرقا دستوريا كونه لم يأتِ من الكتلة الأكبر، مشيراً إلى أن مفهوم الكتلة الأكبر يفسرها كل شخص على هواه.
وأكد البياتي أن الكتل السياسية تترد في طرح اسم مرشح لرئاسة الوزراء، بل إنها تتخوف من إعلان ماهية الكتلة الأكبر، كون رئاسة الوزراء أصبحت -وبحسب وصفه- محرقة واضحة المعالم.
وأوضح أن ضبط الأمن وبسط هيمنة الدولة أهم تحدٍ في المرحلة الراهنة، فلا يمكن أن تكون هناك انتخابات دون وجود الأمن وإعادة هيبة الدولة، مشيراً إلى أن حل الأزمة الراهنة يكون بوجود حكومة إنقاذ وطني تستمر لمدة 6 أشهر مكونة من الضباط المقاعدين يشكلون 10 وزارات. يتم خلال هذه الفترة إقرار قانون الانتخابات وتعديل الدستور ونزع السلاح المنفلت وإرجاع هيبة الدولة، وبعدها يحل البرلمان نفسه وتتشكل الحكومة التي تأتي عبر الانتخابات .
لعل الأيام المقبلة ستشهد تسارعا بين الكتل السياسية لاختيار شخصية ترضي ساحات التظاهر، وهي تبدو مهمة ليست سهلة وسط تجاذبات سياسية وتدخل دول إقليمية. ورغم تأكيد رئيس الجمهورية برهم صالح في بيان له على ضرورة الترفع عن المصالح الفئوية والحزبية في ترشيح رئيس الوزراء واعتماد رضا الشعب، لكن على ما يبدو فإن عامل التوافقات لا يمكن أن يغادر خريطة العراق السياسية، في الأقل خلال الوقت الحالي.