بعد مرور أكثر من عقدٍ على توقيع اتفاقية الإطار الاستراتيجي للدفاع المشترك بين العراق والولايات المتحدة، يجري الحديث الآن عن إمكان استخدام هذه الاتفاقية في سياق التدخل الأميركي في الأزمة الراهنة ومزاحمة النفوذ الإيراني.
وينصّ القسم الثالث من الاتفاقية على "ردع جميع التهديدات الموجهة ضد سيادة العراق وأمنه وسلامة أراضيه، من خلال تنمية الترتيبات الدفاعية والأمنية"، ما يعده خبراء إمكان للتدخل العسكري، فضلاً عن إلزام الاتفاقية الطرفين بالتعاون في مجال الأمن والدفاع بما يحفظ سيادة العراق.
وتعتبر الاتفاقية سارية المفعول ما لم يقدم أحد الطرفين إخطاراً خطياً للطرف الآخر لإلغائها، وتعتبر لاغية بعد مرور عام على الإخطار.
طلب إعادة نظر
وكانت كتلة "تحالف الفتح"، المدعومة من طهران تحدّثت عن ضرورة إعادة النظر بالاتفاقية العام الماضي، بعد تصريحات لنواب عن التحالف رفضوا فيها أن يسير العراق "تحت الركب الأميركي" فضلاً عن اعتبارهم تلك الاتفاقية انتهاكاً للسيادة العراقية، في حين حذّر مراقبون من إلغاء الاتفاقية، إذ إنها تتضمن بنوداً والتزامات عديدة على العراق، ولا يمكن إلغاؤها بسرعة.
وتضمّنت الاتفاقية الموقّعة عام 2008، الإبقاء على جزء من القوات الأميركية من أجل التوجيه والتدريب للجيش العراقي، وليس للقيام بمهمات قتالية.
طلب رئاسي
ويرى خبراء قانونيون أن لرئيس الجمهورية الحق بطلب التدخل الأميركي وفق الاتفاقية، فيما لو انتهت مهلة حكومة تصريف الأعمال، مبيناً أن الاتفاقية تشترط طلباً رسمياً من العراق.
ويقول الخبير القانوني علي التميمي، إن "الاتفاقية تؤكد التعاون الأمني والاستراتيجي، وتتيح للعراق طلب المساعدة من أميركا في هذا الإطار"، مضيفاً أن "الولايات المتحدة لا تتدخل إلا بطلب رسمي من العراق".
وكشف أن "رئيس الجمهورية يستطيع تفعيل الاتفاقية الأمنية والطلب من أميركا بالتدخل عند انتهاء مدة حكومة تصريف الأعمال، ووفق المادة 81 من الدستور يحل رئيس الجمهورية محل رئيس الوزراء بعد مضي شهر على حكومة تصريف الأعمال".
وأشار إلى أن "لمجلس الأمن الحق بالتدخل على إثر انتهاكات حقوق الإنسان، ويتدخل من خلال التدرجية التي تبدأ بالتنبيه والإنذار والعقوبات، وفي النهاية التدخل العسكري".
تدخل أميركي وشيك
ويستمر الجدل الدائر حول إمكان التدخل الأميركي عسكرياً لحل الأزمة العراقية وإعادة صياغة خريطة النفوذ في البلاد، وفي حين يرى مراقبون أن العراق لا يزال تحت الوصاية الدولية ما يتيح للولايات المتحدة الفرصة بالتدخل، رجحوا أن يكون هذا التدخل وشيكاً جداً.
في السياق ذاته، قال المحلل الاستراتيجي أحمد الشريفي، إن "احتمال التدخل الأميركي في العراق مدعوم من الأمم المتحدة لا يأتي عبر الاتفاقية وحدها، بل بوصفها الحامي للمشروع السياسي في العراق"، فالعراق لا يزال في الإطار العام "تحت الوصاية الدولية".
وأوضح لـ"اندبندنت عربية"، أن "العراق يوصف دولياً بأنه بؤرة تهديد للسلم والأمن الدوليين".
ولفت إلى أن "عدم استطاعة النظام السياسي قيادة البلد وإدارة موارده بما يضمن إزالة هذا التهديد الدولي، سيؤدي إلى تفويض دولي بإجراء تغيير بما يتناسب مع حفظ الأمن الدولي"، مشيراً إلى أن "اتفاقية الإطار الاستراتيجي إضافة أخرى في هذا الجانب".
شرعية باطلة
وبيَّن الشريفي أن "الطلب العراقي بتفعيل الاتفاقية يقدم من النظام السياسي، لكن النظام العراقي لم يعد يمتلك الشرعية والمشروعية، لأنه تقاطع مع الرأي العام والشارع العراقي يتظاهر عليه"، مردفاً أن "البعد القانوني وفق نظرية التفويض السياسي سقط عن السلطة العراقية".
وتابع أن "الطرف الأميركي لن ينتظر طلباً عراقياً، لأن التفويضين الدولي والمحلي قائمان، وستكون هناك شرعنة لإعادة الانتشار الأميركي بوصفه الضامن في مجال الإعمار والاستثمار وفي مجال الدفاع".
وأكد أن "الولايات االمتحدة ذاهبة باتجاه عمل عسكري، لفشل نظرية التوازن بالدولة"، مرجحاً أن يكون التدخل العسكري الأميركي "قريباً، وقد يكون قريباً جداً".
انتحار سياسي
وتعقد ثنائية التنافس الأميركي الإيراني المشهد السياسي العراقي، حيث إن صدام المصالح بينهما بات واضحاً على الساحة العراقية، ما قد يشكل أزمة مستقبلية أكبر، فيما يعتبر خبراء أن احتمال التدخل الأميركي "سيقوض مشروع الإصلاح الذي يقوده المحتجون المدعومون بعوامل محلية مؤثرة".
ويقول أستاذ الجغرافيا السياسية دياري الفيلي، إن "العراق محكوم بثنائية التنافس الأميركي الإيراني، ولا يمكن لأي طرف الاستنجاد بالقوات الأميركية، وهو يعرف أن إيران متغلغلة في الداخل العراق"، فيما عد تلك الدعوات بأنها أشبه بـ"الانتحار السياسي".
وأضاف لـ"اندبندنت عربية"، "شبه مستحيل أن يكون هناك انفراج في الوضع العراقي دون توافق أميركي إيراني، لأن الفصائل المسلحة مستفيدة من الصراع"، مبيناً أن "ازدياد الهوة بين الطرفين تسهم في تنشيط هذه الفصائل، وهيمنتها بطرق متعددة سياسية واقتصادية".
وأشار إلى أن "الاتفاقية تقوم على أساس رؤية مشتركة على تعزيز الأمن والاستقرار وردع التهديدات، لكن دون الإجحاف بسيادة العراق"، لافتاً إلى "عدم وضوح مصدر الطلبات التي تقدم في هذا السياق، وهل هي السلطة التنفيذية أم التشريعية".
طوق نجاة أخير
وعن احتمال أن تقوم بعض الفصائل الموالية لإيران بضرب المصالح الأميركية، أكد الفيلي "هذا واحد من أخطر السيناريوهات، حيث إن القوى المتضررة تشعر بعزلة اجتماعياً وسياسياً، وتحاول إعادة تسويق نفسها مرة أخرى"، مرجحاً أن "تكون لها ردود فعل كضرب المصالح الأميركية، كطوق نجاة أخير".
ولفت إلى أن "التدخل الأميركي سيضر بمستقبل الحركة الاحتجاجية، والتدخل الدولي سيعطي ذريعة للأطراف المتضررة بتخوين المحتجين وربطهم بالمشروعات الخارجية، وقد يقود إلى انقسامات داخل الحراك الاحتجاجي"، مشيراً إلى أن "القوى المتضررة من الحراك تراهن على هذا التدخل الدولي لإيجاد الذرائع".