أعلنت قيادة العمليات المشتركة، الأربعاء 1 يناير (كانون الثاني)، انتهاء الاحتجاجات أمام السفارة الأميركية داخل المنطقة الخضراء، مع انسحاب محتجي "الحشد الشعبي" استجابة لمطالبات بذلك، صدرت من هيئة الحشد ورئيس الوزراء العراقي.
واستقبل العراقيون العام الجديد باحتملات تفجر أزمة كبيرة، إثر اقتحام حشود كبيرة تابعة لـ"الحشد" المنطقة الخضراء الحكومية، وتمركزها أمام السفارة الأميركية في بغداد، بحضور كبار قادة الهيئة، فضلاً عن ممثلي كتل برلمانية، مهددين بالدخول إليها وتاركين البلاد أمام احتمالات تصعيد خطيرة، وأزمة جديدة تمس المصالح الأميركية في البلاد.
سيناريو مثير للجدل
لكن ما جرى أثار تساؤلات عدّة عما ستقوم به الولايات المتحدة رداً على ذلك الهجوم، واحتمال أن تصدر عقوبات ضد الحكومة العراقية وشخصيات رئيسة فيها، من بينهم رئيس هيئة الحشد فالح الفياض، إضافةً إلى زعيم تحالف "الفتح" هادي العامري، أحد أكبر الكتل البرلمانية، لمشاركتهم في تلك الاحتجاجات.
ولعل أكثر السيناريوهات إثارة للجدل سياسياً، هو قدرة تلك المجموعات على اقتحام المنطقة الخضراء شديدة التحصين والوصول إلى السفارة الأميركية، بينما كانت القوات الحكومية تطلق النار على من يقترب منها من محتجي ساحة التحرير، ما يجعل الحكومة العراقية في دائرة الاتهام بأنها سهّلت أو تغاضت عن دخولهم.
وبعد حصار دام ساعات طويلة، أدى إلى إحراق بوابتين من بوابات السفارة، لم تقم الحكومة العراقية بأي تحرك أمني على الأرض لحماية البعثة الدبلوماسية، وأرسلت وزير الداخلية الذي قوبل برفض من جمهور الحشد، ما أعطى انطباعاً بأن "الحشد الشعبي" بات مؤسسة أقوى من الحكومة العراقية وباقي مؤسساتها الأمنية، ولا يمكن التأثير فيه من قبلها.
في غضون ذلك، دعا زعيم تيار "الحكمة" عمار الحكيم إلى ضبط النفس وتجنب التصعيد وعدم الانجرار للفوضى، إلاّ أنّ رد فعل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر كان مختلفاً، إذ اعتبر أن الغاية ممّا حدث، إنهاء الاحتجاجات الشعبية الإصلاحية.
ردود فعل أميركية
واتهم الرئيس الأميركي دونالد ترمب إيران بتدبير محاولة اقتحام السفارة الأميركية في بغداد، مجدداً اتهامه لها بأنها قتلت متعاقداً أميركياً وجرحت آخرين في القصف الذي استهدف قاعدة كي - وان في كركوك، شمال العراق.
وأبلغ ترمب بغداد بمسؤوليتها عن تأمين السفارة الأميركية، متوقعاً أن تستخدم قواتها الأمنية لتحقيق ذلك.
وقال في تغريدة على "تويتر"، "نُقل عدد من مقاتلينا وأسلحتنا الأكثر فتكاً في العالم إلى موقع السفارة في بغداد"، محملاً "إيران المسؤولية الكاملة عن أية خسائر بشرية أو مادية في سفارتنا ببغداد".
وتابع "إيران ستدفع ثمناً باهظاً... هذا تهديد وليس تحذيراً".
إلاّ أنّ طهران رفضت عبر خارجيتها الاتهام الأميركي بوقوفها وراء الاحتجاجات أمام السفارة.
4 إرهابيين
واتهم وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بدوره، أربع شخصيات سياسية بالوقوف وراء مهاجمة سفارة بلاده في بغداد، واصفاً إياهم بـ"الإرهابيين ووكلاء إيران".
وقال بومبيو في تغريدة على "تويتر"، إن "الهجوم على سفارتنا خطّط له إرهابيان، هما أبو مهدي المهندس وقيس الخزعلي، وبتحريض من وكيلَيْ إيران، هادي العامري وفالح الفياض، وجميعهم ظهروا في صورة خارج سفارتنا".
ونشر بومبيو صوراً تظهرهم وهم يشاركون في التظاهرات التي حاولت اقتحام السفارة.
عقوبات محتملة
ويرى سياسيون أن واشنطن لن تترك هذا الحادث يمر من دون عواقب، مرجّحين أن تصدر عقوبات بحق شخصيات سياسية وحكومية بارزة.
في هذا السياق، قال رئيس حزب "الحوار والتغيير" حامد المطلك، إن "الإدارة الأميركية حذرت مرات عدّة واتخذت إجراءات حاسمة سابقاً".
وأوضح لـ"اندبندنت عربية" أنه "من المتوقع إصدار عقوبات على شخصيات سياسية تعتقد واشنطن أنها تعترض مصالحها وتشترك في الاعتداءات عليها"، معبّراً عن أمله في أن "تكون الحكومة واعية وحذرة وتمنع حصول مثل هكذا اعتداءات على البعثات الدبلوماسية مستقبلاً".
ولفت إلى أنه "نظراً إلى ما حدث ويحدث، لا يمكن ضمان عدم شمول العراق ببعض العقوبات".
تهديد للقوى الدولية
في المجال ذاته، قال رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية واثق الهاشمي إن "قوى الحشد ومجموعات مسلحة تابعة له، باتت لها اليد الطولى في العراق بعد الانتخابات الماضية، ما يشكّل تهديداً للقوى الدولية"، محذراً من احتمال صدور "مراجعات وقرارات من مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي في هذا السياق".
وأوضح لـ"اندبندنت عربية" أن "أميركا تعتقد أن الحكومة العراقية تلكأت في الدفاع عن السفارة، ما أدى إلى إعلان تصريحات رسمية تؤكد أنها ستفعل ذلك بنفسها، فضلاً عن تهديدات مباشرة للحكومة باتخاذ موقف ممّا يجري"، لكنّه استبعد أن توجّه الولايات المتحدة العقوبات على الدولة العراقية، مبيّناً أنّها "تعتبر العراق حليفاً لا يمكن تركه".
في المقابل، رجّح أستاذ العلوم السياسية حازم الشمري أن "يصدر الكونغرس عقوبات على العراق على إثر ما جرى"، موضحاً أن "أميركا تدرك أن الفعل ليس حكومياً وإن كانت الحكومة العراقية صامتة ودعواتها خجولة".
وأضاف لـ"اندبندنت عربية"، "الولايات المتحدة كانت تدرك بعد قصفها مقراً تابعاً للحشد أن رد الفعل مقبل لا محالة"، مؤكداً أنها "تعرف أن الحادثة ليست عفوية، وكان لديها خبر باحتمال مهاجمة السفارة قبل يوم من حصوله، لذلك أخلتها".
إجراءات سياسية وعسكرية
ورأى الباحث في الشؤون الاستراتيجية أحمد الشريفي من جانبه، أن "المعطيات تشير إلى أن هناك إجراء أميركياً محتملاً، لكنه لن يكون عبر العقوبات على الحكومة العراقية"، مرجحاً أن يكون رد الفعل سياسياً وعسكرياً على حد سواء. وأوضح في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن "أميركا تنظر إلى العراق عرفاً وبموجب القانون الدولي، على أنه حليف استراتيجي وأن النظام السياسي فيه يتحرك وفقاً لذلك".
وتابع "سياسياً، ستستهدف القيادات التي ظهرت في أماكن التظاهر أمام السفارة بعقوبات اقتصادية على الأقل، ومن المحتمل أن تشمل العقوبات المقبلة هادي العامري وفالح الفياض وأبو مهدي المهندس".
وفي سياق الإجراءات العسكرية، توقّع الشريفي أن "تقدم أميركا على رد عسكري بذريعة أن تلك القوى متمردة لا تمثل العراق، فهي تستثمر كون البلاد تحت الفصل السادس وتستخدم حق الوصاية الدولية، لكنها لن تذهب باتجاه العقوبات إزاء دولة تريد أن تؤسس فيها نظاماً سياسياً حليفاً بشكل متكامل".
وعن التصريحات المتعلقة بالدعوة إلى محاصرة القواعد الأميركية، بيّن الشريفي أن "هذا التصريح تهديد إعلامي غير قابل للتطبيق ميدانياً، ولن تتعاطى معه الحكومة العراقية ولا واشنطن بشكل حقيقي".
جهات أقوى من الدولة
في المجال ذاته، قال الكاتب والصحافي مشرق عباس، "لا توجد خريطة واضحة لسياق العقوبات الأميركية، إذ بدأت بإصدار عقوبات على قضايا تتعلق بدعم الإرهاب. بعدها، تطورت لتشمل الخلاف الأميركي الإيراني، وآخرها تجاوزت هذا المفهوم إلى عقوبات على قضايا فساد وانتهاكات حقوق الإنسان".
وأضاف لـ"اندبندنت عربية"، "ما حصل بالأمس كان يمكن تفسيره كلحظة غضب شعبي على القصف لولا أن قيادات أمنية رسمية في الدولة العراقية وقيادات سياسية ورؤساء كتل ونواباً وسياسيين معروفين شاركوا فيها، وحُسبت تداعياتها عليهم"، مبيناً أن "مشاركة تلك الشخصيات غير مفهوم وأدى إلى إعطاء صفة التداخل السياسي في التظاهرة".
واستبعد عباس أن تكون الحكومة العراقية متواطئة في إدخال محتجي "الحشد الشعبي" إلى المنطقة الخضراء، مشيراً إلى أن "الدخول كشف الحقيقة التي تقول إن هذه الجهات أقوى من مؤسسات الأمن العراقية، وما حدث إجبار وانتهاك للحكومة العراقية والمؤسسات الأمنية".
ولفت إلى أن "هذا المشهد أعطى تصورات للعالم أن الدولة العراقية لا تستطيع ضبط مسؤولياتها بحماية السفارات ومؤسسات الدولة وهي غير قادرة على ضبط منتسبيها".
وأوضح أن "ما حدث هو سلسلة من العمليات لإضعاف قدرة القوات الأمنية، فضلاً عن تواطؤ سياسي لتفريغ المؤسسات الأمنية من قيمتها"، معتبراً أنّ "ما حدث يؤثر في سمعة العراق وثقة المجتمع الدولي به".