لم يكن حدث اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، مدوياً في الأوساط السياسية المحلية والدولية فحسب، بل أن انعكاساته على ساحات الاحتجاج العراقية تبدو واضحة للمراقبين.
ومنذ انطلاق الاحتجاجات العراقية، تواصل بعض القوى السياسية محاولات إنهائها مستخدمةً وسائل عدة، أبرزها استخدام الذخيرة الحية من قبل القوات الأمنية وعمليات اغتيال وخطف يُتهم بتنفيذها عناصر أحزاب سياسية تمتلك أذرعاً مسلحة، فضلاً عن اتهامات وجهتها القوى القريبة من طهران للحراك بأنه مدعوم خارجياً وتحديداً من قبل الولايات المتحدة.
ولعل أبرز السيناريوهات المحتملة في ما يتعلق بالحراك الاحتجاجي تتمحور حول سياقين، هما التصعيد أو التسوية، ويرجح مراقبون أن التسوية ستكون سيدة الموقف في المرحلة المقبلة. وفي حين أشاروا إلى أن ما حصل سيحفز الحوارات السياسية لتشكيل حكومة مقبلة بشكل سريع، أكدوا أن استمرارية الحراك معتمدة على رسائله الوطنية خارج إرادات المعسكرين الإيراني والأميركي.
ويلقى التصعيد بين الولايات المتحدة وإيران، أصداءً في الأوساط السياسية العراقية عبر محاولة استغلاله لإنهاء التظاهرات.
وكانت قوى بارزة في الحشد الشعبي حذرت من أن الاحتجاجات العراقية قد تقود إلى حرب أهلية، في سياق العمل على تخويف المحتجين وإنهاء تظاهراتهم، لكن ذلك لم يؤثر في ساحات الاحتجاج، التي يشدد ناشطوها على أنهم يمثلون خطاً وطنياً سلمياً ويرفضون زجهم كطرف في صراع المحاور الدولية والإقليمية في العراق.
المتظاهرون وسيادة العراق
بعد ساعات من الهجوم الأميركي، شهدت ساحة التحرير وسط بغداد احتفال بعض المتظاهرين بتلك الحادثة، لكن الموقف في الساحة كان مغايراً، حيث دان متظاهرون عبر منصة "المطعم التركي" الهجوم، مؤكدين ضرورة احترام سيادة البلاد.
ودان هؤلاء بشدة ما وصفوه بـ"رعونة وهمجية السياسة الأميركية، بانتهاك سيادة بلدنا الحبيب، من خلال ارتكاب جرائم اغتيال لشخصيات عراقية."
دعوات إلى ضبط النفس
وتباينت ردود الأفعال السياسية، بين دعوات إلى ضبط النفس وأخرى تحذر من تصعيد كبير مقبل، إلا أن موقف المرجعية الدينية في النجف المتمثلة بالمرجع السيستاني يبقى الأكثر تأثيراً في الساحة العراقية، ففي حين دان العملية الأميركية ووصفها بـ"الغاشمة"، دعا إلى ضبط النفس، محذراً العراقيين من "أوضاع صعبة جداً".
موقف زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر كان مختلفاً، حيث نعى سليماني، مؤكداً جاهزية أنصاره للدفاع عن العراق، واعتبر العملية بمثابة "استهداف للجهاد والمعارضة والروح الثورية من قبل الاستكبار العالمي". وأعطى الصدر أوامر لـ"المجاهدين لا سيما جيش المهدي ولواء اليوم الموعود لتكون على استعداد تام لحماية العراق".
كذلك دان رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، الضربة الجوية الأميركية التي أدت إلى مقتل سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس، معتبراً ذلك عدواناً على البلاد. وقال عبد المهدي في بيان إن "العراق يعتبر الضربة الجوية خرقاً فاضحاً لشروط الوجود الأميركي في البلاد"، فيما اعتبر أن العملية "تهدد بتصعيد خطير يشعل فتيل حرب مدمرة في العراق والمنطقة والعالم".
ودعا إلى عقد جلسة استثنائية للبرلمان من أجل "تنظيم الموقف الرسمي العراقي واتخاذ القرارات التشريعية والإجراءات الضرورية".
في السياق، نعى وزير الخارجية العراقي السابق إبراهيم الجعفري، كل من سليماني والمهندس، مشيراً إلى أن "إعصار ما بعد الحدث لن يكون أقل من إزاحة رؤوس الجريمة والمتسببين بهتك الحرمات".
وصايا للمحتجين
إلى ذلك، كتب النائب المعارض فائق الشيخ علي في تغريدة على تويتر "وصايا" للمتظاهرين، قال فيها "أبنائي، بناتي المتظاهرين، لا تُبدوا أي مظاهر فرح أو احتفال باستهداف السيدين سليماني والمهندس... لأنكم ستُذبحون". وأضاف الشيخ علي "أيتها الميليشيات، لا تنفعلوا وتستعرضوا عضلاتكم على العراقيين. أخرجوا أسلحتكم من مناطق سكن الفقراء إلى الصحراء... أميركا ستقتلكم واحداً واحداً"، مردفاً "أبعدوا بلدي عن الحرب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مخاض عسير
ورأى مراقبون أن استمرار الاحتجاجات معتمد على إرسال رسالة وطنية خارج الإرادتين الأميركية والإيرانية، لافتين إلى أن التهديدات للحراك الاحتجاجي ستستمر لأن الطبقة السياسية عاجزة عن الخروج بحلول ترضي العراقيين.
في السياق ذاته، قال رئيس المجموعة العراقية للدراسات السياسية واثق الهاشمي، إن "الحراك الاحتجاجي مر بمخاض عسير هذا الأسبوع ابتدأ بالقصف الأميركي على قاعدة تابعة للحشد الشعبي وحادثة السفارة الأميركية، انتهاءً بمقتل سليماني والمهندس". وأضاف أن "هناك ضغوطاً كبيرة يتعرض لها المحتجون حيث أرسلت رسائل للحراك بضرورة أن ينتهي".
ولفت إلى أن "المحتجين لن يخضعوا لتلك الضغوط، وهم مصرون على الوصول إلى أهدافهم بإصلاح الوضع السياسي في العراق ومحاربة الفساد واستقلالية القرار السياسي"، مبيناً أن "تلك الرسالة وصلت إلى كل الأطراف المؤيدة والمعارضة للحراك".
وتابع أن "استمرارية الاحتجاجات معتمدة على إرساله رسالة وطنية خارج إرادات المعسكرين الإيراني والأميركي". وبيّن أن "الضغوط والتهديدات ستستمر من شتى الاتجاهات لأن الطبقة السياسية عاجزة عن التوافق في ما بينها لتقديم الحلول للعراقيين".
واستبعد الهاشمي قيام أي جهة بمحاولة إنهاء الاحتجاجات بالقوة، لأنه سيحظى بتأييد دولي وعربي فضلاً عن دعم المرجعية وقوى محلية أخرى له".
خطف الأضواء
إلى ذلك، قال صحافي عراقي إن "تلك الاستهدافات لا تصب بمصلحة المحتجين"، معللاً ذلك بأنها "تسرق الأضواء من الاحتجاج وتعطي التبرير للجهات التي تتهم التظاهرات بأنها محركة أميركياً لقمعها". وأضاف أن "قتل قادة بالحشد الشعبي سيكون مدخلاً لتبرير خيوط المؤامرة التي يتحدثون عنها. ساحات الاحتجاج طرحت موقفها الداعم للموقف الوطني المستقل والمعارِض لتحول العراق إلى ساحة حرب لدول خارجية".
وتابع أن "المحتجين لا سلاح لهم سوى سلميتهم التي رسخوها منذ انطلاق الاحتجاجات، واذا تم استهدافهم فهذا جزء من الاستهدافات المستمرة منذ 1 أكتوبر(تشرين الأول) الماضي".
تسوية محتملة
ويرجح باحثون في الشأن السياسي أن التسوية بشأن الحكومة المقبلة باتت وشيكة، مستبعدين أن تقوم أي جهة بالتصعيد بعد توجيهات المرجعية بضبط النفس. وقال الباحث في الشؤون الاستراتيجية أحمد الشريفي، إن "ساحات التظاهر لن تتضرر مما حدث من استهدافات أميركية، وكل المؤشرات تشير إلى أن التفاوض بشأن الحكومة المقبلة بات قريباً". وأوضح أن "العراق الآن أمام خيارين، إما التصعيد أو التفاوض مع الولايات المتحدة"، مستبعداً أن تقوم أي جهة بالتصعيد في العراق بعد دعوة المرجعية إلى ضبط النفس".
وأشار إلى أن "بدائل التصعيد هي حوار سياسي يفضي إلى توافق بشأن تشكيل الحكومة المقبلة، التي هي أساس المطالب الجماهرية".
ولفت إلى أن "الذهاب باتجاه التفاوض للتسوية سيصب بمصلحة المحتجين، لكن إذا أصبح التصعيد سيد الموقف ستختلف الأمور بالنسبة للتظاهرات".