بعد سليماني.. خيارات إيران بين سيء وأسوأ

آخر تحديث 2020-01-04 00:00:00 - المصدر: اندبندنت عربية

هل يؤدي مقتل الجنرال قاسم سليماني، قائد قوات نخبة فيلق القدس الإيرانية في العراق، إلى دفع التوتر المستمر منذ 40 عاماً بين طهران وواشنطن إلى كسر حاجز الانفجار؟ هذا هو السؤال الذي كان يدور في دوائر السلطة عبر أنحاء العالم على مدى الـ 24 ساعة الماضية.

استنادا إلى بيان آية الله علي خامنئي، "المرشد الأعلى" للجمهورية الإسلامية، قبل يوم واحد فقط من تقطيع جسد سليماني إرْباً إرْباً، فإن أفضل إجابة على هذا السؤال لا تزال هي: لا. وهذا ما تؤكده أيضاً سلسلة التصريحات الصادرة من المسؤولين الأميركيين الذين، رغم تبجحهم بعملية القتل في بغداد، استمروا بالتلويح بغصن الزيتون من خلال تكرار شعار المفاوضات حول مطالب بومبيو الإثني عشر.

 

حدود الألم

منذ أن بدأت طهران مسلسل قرع طبول الحرب الجاري حاليا، بدءاً بمهاجمة ناقلات النفط في خليج عُمان، ثم ضرب منشآت النفط السعودية بطائرات بدون طيار، كان من الواضح أن آية الله كان يختبر "حدود الألم" للرئيس دونالد ترمب. ويبدو أن الافتراض الأولي لخامنئي هو أن ترمب لن يرغب في الدخول في حرب شاملة في وقت قريب جداً من حملة إعادة انتخابه. لقد كان ذلك الافتراض صحيحا، لكن ما لم يتوقعه خامنئي هو أن يحاول ترمب تعزيز ملفه في الأمن القومي من خلال عملية محدودة ذات أهداف عالية. لقد أدت عملية بغداد إلى عكس الموقف، باختبار "حدود الألم" ليس لدى ترمب وإنما لدى خامنئي.

لكن، هل يعتبر قتل سليماني، الذي غالباً ما أشاد به خامنئي باعتباره أعظم جندي في الإسلام، أقصى ألم يمكن أن يتحمله آية الله في هذه اللحظة؟ إجابتي الحذرة هي: لا. وبعبارة أخرى، لا أعتقد أن خامنئي سيحاول تصعيد الموقف للانتقام لموت سليماني. وفي نهاية المطاف، لقد أشار خامنئي في رثائه لسليماني إلى الرغبة الشديدة لدى الرجل في الشهادة؛ بالتالي إذا كان الجنرال قد حقق رغبته القوية المفقودة، فلماذا يستهجن أصدقاؤه ومعجبوه تلك البركة التي ألمّت به؟

من بين أكثر من 300 عملية إرهابية في جميع أنحاء العالم التي يعود أثرها إلى الجمهورية الإسلامية منذ عام 1979، أقل من ستة منها ارتبطت بمواطنين إيرانيين أو يمكن إثبات صلتها بإيران في محكمة قضائية

هناك عدد من الاعتبارات العملية التي تحد من خيارات خامنئي. إن الطريقة المعتادة للانتقام من قبل الحكام الخُمَينيين في إيران كانت من خلال وكلاء خارج إيران. من بين أكثر من 300 عملية إرهابية في جميع أنحاء العالم التي يعود أثرها إلى الجمهورية الإسلامية منذ عام 1979، أقل من ستة منها ارتبطت بمواطنين إيرانيين أو يمكن إثبات صلتها بإيران في محكمة قضائية. لقد سُجن عشرات اللبنانيين والعراقيين والفلسطينيين والتونسيين وغيرهم من الجنسيات في أكثر من اثنتي عشرة دولة بسبب عمليات قاموا بها نيابة عن طهران.

ومع ذلك، فإن لعب هذه الأوراق اليوم ليس بالأمر السهل، إذ إن الفرع اللبناني لحزب الله، وهو الأفضل جهوزية من بين المجموعات الممولة من إيران لتنفيذ عمليات إرهابية، ليس مستعدا للمخاطرة بإلحاق أضرار جسيمة بنفسه، وربما حتى الدمار، بالشروع في عمليات انتقامية نيابة عن طهران. هذا ما يفسر أنه من بين تصريحات الوعد والوعيد التي أثارها موت سليماني، كانت تصريحات زعيم حزب الله حسن نصر الله هي الأقل عدوانيةً نسبياً.

وفي سوريا أيضا، تعد خيارات طهران محدودة. لدى الجمهورية الإسلامية حوالي 10,000 جندي في سوريا، بينهم حوالي 4000 إيراني، لكنهم منحصرون في زاوية صحراوية قريبة من الحدود العراقية وهم غالبا في وضع دفاعي، بسبب الهجمات المتكررة عليهم من قبل الثوار السوريين وحتى من قبل بعض القوات الموالية لبشار الأسد. وعلى أي حال، سيجدون صعوبة في العثور على أهداف أميركية تستحق هجمات انتقامية في سوريا.

من جهة أخرى، لا يمكن للملالي توقع الكثير من حلفائهم العراقيين. لقد قطعت العديد من الجماعات الشيعية العراقية علاقاتها مع طهران في السنوات الأخيرة نتيجة تزايد الغضب الشعبي ضد الوجود الإيراني في البلاد. ففي زيارة حديث، تمكّنا من ملاحظة تدهور كبير في موقف الجمهورية الإسلامية في العراق، ويعزى ذلك جزئياً إلى عدم كفاءة سليماني وغروره. ربما كانت حرب بالوكالة ضد الولايات المتحدة في العراق ممكنة وبتكلفة منخفضة نسبياً قبل عامين. لكنّ ميزان القوى قد تغير اليوم ضد طهران. وبطبيعة الحال، يمكن لطهران أن تأمر بشن بعض الهجمات على إسرائيل من قبل حزب الله وحماس أو حتى تستهدف بعض الجيران العرب كما أشارت صحيفة كيهان اليومية، الناطقة باسم خامنئي. ومع ذلك، لا أحد من الخيارين سهل كما قد يبدو.

الصبر والاعتدال

هذا يترك خيار الهجوم المباشر على الولايات المتحدة، على قاعدة القيادة الوسطى في قطر أو منشآت في شبه جزيرة مسندم العمانية على سبيل المثال، من قبل إيران نفسها. لكن ذلك قد يمنح الأميركيين ذريعة للقضاء على قواعد الحرس الثوري الإسلامي على طول الخليج وبحر عمان. وهذا من شأنه أن يُغير ميزان القوى لصالح الجيش النظامي الإيراني في صراعه الصامت على السلطة ضد الحرس الثوري وحُماته بين الملالي.

قد يتطلب التعامل مع الجمهورية الإسلامية مزيجاً غير عادي من الصبر والمرونة والاعتدال. إذا أمكن للمنطقة تأمين قدر من الاستقرار، فمن الضروري تفكيك الإمبراطورية المتهالكة التي بناها الملالي في العراق وسوريا ولبنان. لكن هذا ليس سهلا كما يبدو.

قد تستغرق عملية إعادة عشرات الآلاف من المرتزقة من سوريا والعراق سنوات وتتطلب موارد مالية تفتقر إليها إيران. من ناحية أخرى قد تكون إعادة تعريف حزب الله اللبناني كحزب سياسي، وليس كجيش أجنبي، أكثر تعقيدًا.

يعود جزء من الفوضى التي نشأت إلى انعدام مطلق للكفاءة لدى سليماني، وباعتباره بارعاً في الترويج لنفسه، انتهى به الأمر إلى تصديق الأساطير التي تم اختلاقها حول اسمه من قبل وسائل الإعلام والدعاية الإسلامية والإسرائيلية والغربية.