لا توفر الجهات الرسمية في بغداد أية معلومات عن حجم الوجود العسكري الأجنبي على الأراضي العراقية، غير أن بيانات وإحصائيات جزئية، تشير إلى أن هناك أكثر من 17 ألف جندي أجنبي يمثلون 12 دولة، موزعين بين عدد من محافظات البلاد، يمارس معظمهم مهامه في إطار التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش.
يطرح مراقبون حالياً أسئلة بشأن إمكانية استجابة كل الدول المعنية لقرار البرلمان، الذي يلزم الحكومة العراقية بإخراج القوات الأجنبية من البلاد ومنعها من استخدام الأجواء المحلية لأي سبب.
وفقا لإحصائيات أجرتها "اندبندنت عربية"، بناء على معلومات من مصادر موثوقة وبيانات رسمية، فإن هناك قرابة 8 آلاف عسكري ومستشار ومدرب أميركي في العراق، ينتشرون حالياً في 3 قواعد عسكرية، بعدما أخلوا قبل أيام قاعدة رابعة كانوا يشغلون جزءاً منها.
الحصة الأكبر للأميركيين
يتركز الوجود العسكري الأميركي الأهم حاليا، ضمن محافظة الأنبار، ذات الأغلبية السنية، إذ تشغل قوات الولايات المتحدة أجزاء واسعة من قاعدتي عين الأسد والتقدم.
تقول مصادر خاصة، إن القوات الأميركية أجرت تعديلات جذرية على البنى التحتية في القاعدتين تضمنت تهيئة مرابض ومدارج جديدة، بما يسمح للطائرات الكبيرة بالهبوط والإقلاع.
ثالث المواقع التي تحظى باهتمام أميركي، يتمثل في قاعدة القيارة الجوية قرب مدينة الموصل، حيث تحتفظ الولايات المتحدة بقوة عسكرية تناهز الألف عسكري، لحماية عدد من المستشارين الذين يشرفون على تدريب قوات جهاز مكافحة الإرهاب العراقية.
عمليا، لم يعد هناك وجود عسكري أميركي في أي موقع آخر، داخل الأجزاء العربية من العراق، باستثناء محيط مبنى سفارة واشنطن ببغداد، بعد التطورات الأخيرة، ولاسيما مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس قائد الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس.
كانت القوات الأميركية أخلت نحو 200 عسكري من قاعدة في ناحية بلد شمال بغداد، بعد استهدافها من قبل الميليشيات العراقية الموالية لإيران خلال الأيام القليلة الماضية.
وجود إيراني سري
إذا كانت القوات الأميركية تملك العدد الأكبر من الجنود الأجانب في العراق، فإن إيران تأتي في المرتبة الثانية بستة آلاف عسكري.
يحاط الوجود العسكري الإيراني في العراق بسرية شديدة، إذ تتجنب هذه القوات الظهور علنا لأي سبب، وكل تحركاتها تتم برفقة عناصر الحشد الشعبي، مع الحرص على ارتداء الزي ذاته، لذلك لا يشغل الإيرانيون معسكرات خاصة.
مع ذلك، يمكن ملاحظة الكثير من المقاتلين الإيرانيين في عدد من معسكرات محافظة ديالى الخاصة بالحشد الشعبي العراقي، نظراً لقربها من حدود البلدين.
يحرص الإيرانيون كذلك على الانتشار في معسكرات الحشد الشعبي بمحافظتي صلاح الدين وكركوك، لكن اهتمامهم الأكبر ينصب على الوجود في معسكرات الحشد الشعبي غرب الأنبار، كي يكونوا قريبين من القوات الأميركية.
يقول الإيرانيون إنهم لا يقاتلون على الخطوط الأمامية بشكل مباشر، بل يقدمون مشورة التخطيط العسكري والقيادة لقوات الحشد الشعبي.
ماذا تفعل تركيا في العراق؟
الوجود العسكري الأجنبي الثالث في العراق على مستوى الحجم، يعود للقوات التركية، التي تتركز في منطقة واحدة داخل حدود محافظة نينوى، ومركزها مدينة الموصل.
ينتشر بشكل أساسي قرابة 700 جندي تركي في منطقة بعشيقة بنينوى، لكنهم يتلقون إمدادات ثابتة من خط تواصل مستمر، يديمه قرابة 300 عسكري، ما يرفع عدد الجنود الأتراك في معظم أيام السنة إلى ألف.
لا تعرف مهام القوات التركية في العراق على وجه التحديد، وتبدو بالنسبة الى بغداد أقرب إلى قوة احتلال، قفزت إلى أراضي دولة جارة بسبب الانهيار العسكري الذي شهدته البلاد عام 2014، عندما اجتاح تنظيم داعش ثلث الأراضي العراقية.
تقول أنقرة إن قواتها موجودة لتأمين جانبها الحدودي من مخاطر داعش، لكنها أعلنت عن مهمة مغايرة بعد زوال خطر التنظيم الإرهابي، تتمثل في تدريب 3 آلاف مقاتل سني من مدينة الموصل، ضمن قوات الشرطة العراقية.
فرنسيون وبريطانيون
تشير الإحصائيات الخاصة بـ "اندبندنت عربية"، إلى أن القوات الفرنسية تشغل نحو 400 عسكري في العراق، ضمن قوات التحالف الدولي، يتركز معظمهم في الجانب الشمالي من البلاد.
يدير جزء من هذه القوة بطارية صواريخ قدمت خدمات إسناد للقوات العراقية في معارك شهدتها محافظتا نينوى والأنبار ضد عناصر داعش، بينما ينشغل الجزء الثاني بملاحقة المتطرفين الذين يحملون الجنسية الفرنسية في العراق وسوريا.
القوات البريطانية هي الأخرى تملك عدداً مقارباً، تتمركز في معظمها في العاصمة العراقية وفي إقليم كردستان، مهمتها الرئيسية دعم عمليات التحالف الدولي ضد تنظيم داعش.
الروس بعيدا من المعسكرات
تقول مصادر مطلعة إن روسيا تنشر حاليا قرابة 200 خبير ومستشار وعسكري في العراق، في إطار اتفاق التنسيق الرباعي الذي يضم أيضا سوريا وإيران.
المصادر تؤكد أن العسكريين الروس لا ينتشرون في أي معسكرات قتالية، بل يقيمون في مرافق خاصة تتبع السفارة الروسية في بغداد وإقليم كردستان.
مهمة مختلفة للقوات الإيطالية
قد تكون القوات الإيطالية صاحبة الوجود العسكري الأوروبي الأكبر في العراق بـ 450 جندياً، لكن طبيعة المهام التي تضطلع بها هذه القوة مختلفة، إذ يتركز وجودها قرب سد الموصل، الذي يتعرض لخطر مستمر بالانهيار، لذلك أسندت مهمة صيانته إلى شركة إيطالية.
لذلك، فإن معظم مهام القوة الإيطالية في العراق، تتركز في حماية أفراد الشركة الهندسية التي تعمل على صيانة سد الموصل.
ينتشر أيضا في العراق قرابة 750 عسكرياً من ألمانيا وهولندا والدنمارك واستراليا والسويد والنرويج، وتقتصر مهامهم على إسناد مهام التحالف الدولي ضد تنظيم داعش.
يعتقد المراقبون أن قرار البرلمان العراقي الملزم للحكومة العراقية بإخراج القوات الأجنبية من البلاد، سيشمل كل القوات التي جاءت إلى هذا البلد في إطار التحالف الدولي للحرب على تنظيم داعش، إذ تراجعت مهام هذا التحالف مع تراجع المخاطر التي تمثلها المجاميع الإرهابية. ولكن، في حال القوات الأميركية والإيرانية والتركية الموجودة لمهام مختلفة وأهداف مختلفة، فإن الصورة لا تزال غامضة.