ترك الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه التأبيني لقائد "قوة القدس" في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني ونائب رئيس "الحشد الشعبي" في العراق أبو مهدي المهندس بعد ظهر أمس الأحد، الباب مفتوحاً لمشاركة حلفاء طهران من الميليشيات والتنظيمات العسكرية، بما فيها حزبه، بالرد العسكري الذي أعلنت أنها ستنفذه ضد الوجود العسكري الأميركي في المنطقة.
ومع أن نصر الله قال كما في خطاب سابق إن الرد الإيراني "ستقرره إيران" وأنها "لن تطلب شيئاً من حلفائها"، فهو أسهب في الحديث عن محور المقاومة على أنه المستهدف باغتيال سليماني معدداً الدول والساحات التي واجه فيها المسؤول الإيراني السياسة الأميركية.
وإذ كان خطاب نصر الله خطاباً تعبوياً هدف إلى رفع معنويات جمهوره والتنظيمات الحليفة لطهران، لا سيما بقوله إنه "لا يجوز أن ننهزم نتيجة سقوط قائد عظيم من قادتنا"، فإنه رمى على عاتق الحلفاء حِمل المشاركة في المرحلة الجديدة إزاء الخسارة الكبرى بشطب الأميركيين لقائد "قوة القدس".
وهو ذهب إلى حد القول "لو قامت أميركا مثلاً بضرب شخصية إيرانية غير الحاج قاسم سليماني، غير معنية بما يقوم به محور المقاومة، ممكن لأي منا أن يدعي ويقول هذا اعتداء على إيران، وهذا شأن إيراني فلتذهب إيران وترد".
وأضاف نصر الله "أما قاسم سليماني ليس شأناً إيرانياً بحتاً، بل يعني كل محور المقاومة. هو يعني فلسطين، لبنان، سورية، والعراق، واليمن، وأفغانستان... الإيرانيون يريدون أن يردوا هذا شأنهم، وهم يتخذون القرار. لكن هذا لا يعفي محور المقاومة من المسؤولية".
في المقابل، حدد نصر الله الهدف بأنه إخراج القوات الأميركية من المنطقة، أي أن مسرح العمليات الذي يشمل "الاستشهاديين"، كما أعلن أن مواجهة الوجود العسكري الأميركي، في البر والبحر، واسع جداً ويشمل دولاً عدة وصولاً إلى أفغانستان.
لكنه شدد بوضوح، مثلما أثبتته الأحداث منذ يوم الجمعة الماضي على أن الجهة الثانية التي يفترض بها الرد بعد طهران هي العراق، بإخراج الأميركيين عبر إلغاء الاتفاقية الأمنية التي تشرع وجودهم منذ 2014، أو بالقوة عبر استهداف قواعدهم ومراكزهم والذي كانت فاتحته الأسبوع الماضي تطويق السفارة في بغداد ثم إطلاق الصواريخ على محيطها يوم الأحد.
الأولوية الاستراتيجية في العراق
يسود الاعتقاد في بيروت بحسب قول أكثر من مصدر سياسي معني بمراقبة سلوك حزب الله حيال الضربة الأميركية التي تعرضت لها إيران لـ "اندبندت عربية"، إنه لم يكن أمام نصر الله إلا التعبير عن درجة عالية من الاستعداد للمشاركة في رد استراتيجي في مواجهة المرحلة الجديدة التي فرضها النهج الأميركي الجديد في التعاطي مع نفوذها في العراق والمنطقة. ويرجح أحد السياسيين الذي يستقي معطياته من مصادر دبلوماسية غربية أن تأخذ طهران وقتها في الرد على الضربة الأميركية، وأن تدرسها بتأنٍ في إطار استراتيجية سبق أن وضعها سليماني نفسه باستهداف الوجود الأميركي في العراق، بعدما ظهر لها أن واشنطن تتبع سياسة متعددة الوسائل ضدها.
ومن الخطوات التي تتبعها واشنطن ضرب محاولات إيران تثبيت أقدامها في سوريا عبر الغارات الإسرائيلية المتواصلة على قواعد تجمعات لها تنقل إليها أسلحة متطورة، بالاستفادة من نوع من تقاسم النفوذ مع روسيا وتركيا، البناء على تدهور الوضع الاقتصادي في الدول التي سعت القيادة الإيرانية إلى تثبيت نفوذها فيها خلال السنوات الماضية، وهو تدهور ساهمت العقوبات الأميركية فيه، ما أطلق انتفاضات في كل من العراق ولبنان وإيران نفسها، تؤدي إلى تقويض الحكومات التي يعتمد النفوذ الإيراني عليها.
وأخيراً التصدي العسكري الأميركي المباشر للميليشيات الحليفة لطهران، خصوصاً في العراق لردعها عن تكريس دورها الميداني والسياسي. وسبق اغتيال سليماني في هذا السياق عدة غارات بالطائرات المسيرة على مستودعات أسلحة وتجمعات لبعض تشكيلات الحشد الشعبي.
تعبئة "حزب الله" بانتظار تمهل إيران
في سياق متصل، يرى قيادي لبناني آخر، أن طهران ستتعاطى بصبر ونفس طويل قبل أن ترد ولن يكون ردهاً انفعالياً وسريعاً على الأرجح، خصوصاً أنها منشغلة الآن في استيعاب نتائج الاغتيال، وفي ترتيب وسائل التضامن الشعبي مع قيادتها لتعود لاحقاً فتبحث في توقيت ومكان الرد الأول، في سياق تحقيق هدف الضغط على القوات الأميركية في العراق أولاً كي تنسحب منه.
فطهران تأخذ في حساباتها أيضاً تأثير رد فعلها على الانتخابات الرئاسية الأميركية، إذا كان الرئيس دونالد ترمب نفسه يحتسب سلوكه حيالها في إطار تعزيز شعبيته بمواجهة الضغوط الكبيرة التي يمارسها الحزب الديمقراطي في أميركا من أجل محاكمته وعزله.
كما أن تخطيطها لردها يفترض أن يأخذ في الاعتبار الاتصالات الدولية الجارية معها سواء من موسكو أو بكين، أو من قطر أو من سلطنة عمان أو من سويسرا ودول أوروبية، والتي تركز على أن يكون الرد موضعياً لا يتسبب بحرب شاملة بينها وبين أميركا.
وعليه فإن انتظار التمهل الإيراني في رد الفعل يفرض على حزب الله أن يبقي التعبئة والاستنفار قائمين وفقاً للهدف الكبير الذي وضعته طهران باستهداف الوجود الأميركي في المنطقة ولا سيما في العراق.
لا حكومة مواجهة والعقدة بمطالب باسيل
كيف سينعكس المستوى الجديد من الصراع الأميركي - الإيراني على لبنان، وكذلك موقف الحزب على الوضع اللبناني الداخلي في المرحلة المقبلة؟
أمام استحقاق تأليف الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور حسان دياب والتي ما زالت تخضع لتجاذب الحصص فيها، خصوصاً مع إصرار رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل على تسمية الوزراء المسيحيين فيها، اعتبر بعض المراقبين أن انشغال الحزب بالتطورات الدراماتيكية سيدفعه إلى التشدد هو الآخر في تشكيل حكومة تقف إلى جانبه في معركة إيران مع الولايات المتحدة، وأنه سيفضل حكومة مواجهة بعد أن أبدى تساهلاً حيال فكرة تعيين وزراء غير حزبيين ومن التكنوقراط، ولو كانت لبعضهم ميول سياسية.
إلا أن الأوساط السياسية المواكبة لعقد تأليف الحكومة قالت لـ "اندبندت عربية"، إن انشغال الحزب عن المساهمة في إزالة العراقيل من أمام التركيبة الحكومية، بتفاعلات اغتيال سليماني، لا يعني أنه يميل إلى حكومة مواجهة بل ما زال على تأييده مع شريكه في الثنائي الشيعي رئيس البرلمان نبيه بري، لقيام حكومة مختلطة من الاختصاصيين والسياسيين غير الحزبيين حتى لو سمتهم أحزاب هم على صداقة معها من دون أن يكونوا في صفوفها.
وتؤكد هذه الأوساط أن الحكومة عالقة عند عقدة التمثيل المسيحي نتيجة إصرار باسيل على عدد من الحقائب والأسماء ورفضه أسماء أخرى يطرحها الرئيس المكلف، وبات معروفاً أن دياب يصر على إيكال وزارة الخارجية إلى الوزير السابق دميانوس قطار فيما يرفض باسيل ذلك، ويصر هو على تسمية الوزير الذي سيتسلم هذه الحقيبة، مثل إصراره على تسمية وزير الطاقة. كما تشير الأوساط المطلعة على موقف حزب الله إلى أنه مع تسريع تأليف الحكومة ولا صحة للتكهنات عن أنه يربط تركيبتها بالتطورات الإقليمية.
لكن السياسي المطلع على الموقف الغربي قال إن تهديدات نصر الله باستهداف الجنود الأميركيين في المنطقة، على رغم أنه ينتظر رد الفعل الإيراني ويركز على العراق، يزيد قلق الدول العربية والغربية من استمرار استغلال الساحة اللبنانية من قبل الحزب، خصوصاً أنه تحدث عن "استشهاديين" جاهزين لتنفيذ عمليات ضد هؤلاء الجنود، في وقت يتواجد الجيش الأميركي في أكثر من دولة عربية لا سيما خليجية، هي التي يعول عليها لمساعدة لبنان على النهوض من أزمته الاقتصادية المالية.
وينتهي السياسي نفسه إلى القول إنه فضلاً عن أن الدول التي تراقب تأليف الحكومة الجديدة لا تبدو مطمئنة إلى أنها ستلبي تطلعات اللبنانيين وستكون فعالة (كشرط وضعته هذه الدول لمساعدتها)، فإن تهديدات نصر الله لا تشجع على إعانة لبنان على تجاوز الأزمة التي يمر فيها.