يتندر العراقيون بأن بلادهم تستضيف "كأس العالم للحرب"، إثر العمليات العسكرية المتبادلة على أرضهم بين إيران وحلفائها من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى.
الصواريخ لا تغيب عن الأجواء
منذ مقتل المتعاقد الأميركي من أصول عراقية نورس حميد في هجوم صاروخي على قاعدة عسكرية في مدينة كركوك في 27 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، اتُهمت بتنفيذه "كتائب حزب الله العراق"، التي توصف بأنها الذراع العراقي للحرس الثوري الإيراني، لم تغب الصواريخ عن الأجواء العراقية مطلقاً، إذ شهدت ثلاث عمليات عسكرية كبرى، وبعض العمليات الصغرى.
وبدأت التداعيات بضربة أميركية مزلزلة استهدفت خمسة مواقع "كتائب حزب الله العراق" على الأراضي العراقية والسورية، أدت إلى مقتل وجرح العشرات، ثم الغارة القاتلة التي استهدفت موكب قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني قرب مطار بغداد، وأسفرت عن مقتله مع نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس وأربعة ضباط إيرانيين ومرافقَين عراقيَين، ولم تنته بالرد الإيراني الذي اشتمل على إطلاق 22 صاروخاً بالستياً ضد مجموعة قواعد عراقية تستضيف قوات أميركية.
عمليات كبرى وصغرى
وكانت هذه العمليات الثلاثة، هي البارزة خلال الأيام القليلة الماضية في العراق، لكن العمليات الصغرى تركت أيضاً أثرها، وآخرها الهجوم الصاروخي الذي استهدف مبنى السفارة الأميركية ببغداد في وقت متأخر من يوم الأربعاء 8 يناير (كانون الثاني) الحالي، ولم يخلف أضراراً. إلا أن الهجوم الصاروخي الكبير الذي جرى ليل الثلاثاء - الأربعاء على القواعد العسكرية العراقية، هو الوحيد الذي اعترفت به إيران من بين هجمات عدة ضربت مواقع تستضيف قوات أميركية طيلة الأشهر الثلاثة الماضية، ونُسبت إلى ميليشيات عراقية موالية لطهران.
لماذا لا تصاب السفارة الأميركية؟
وطرح هجوم ليل الأربعاء - الخميس على مبنى السفارة الأميركية الواقع في المنطقة الخضراء المغلقة شديدة التحصين وسط العاصمة العراقية، أسئلة بشأن الأسباب التي تدعو الصواريخ المصنّعة إيرانياً إلى أن تخطأ أهدافها على الدوام.
وإذا كانت صواريخ الحرس الثوري التي انطلقت من مدينة كرمنشاه الإيرانية ثأراً لسليماني، سقطت في قاعدة عين الأسد غرب الأنبار باعتراف الجميع، من دون أن تقتل أحداً، وفق الروايتين الأميركية والعراقية، فإن صواريخ الكاتيوشا التي تطلقها الميليشيات الموالية لإيران من مناطق شرق العاصمة بغداد على مبنى السفارة الأميركية منذ ثلاثة أشهر لا يصيب أي منها هدفه. فهل تخشى الميليشيات التصعيد؟
يعتقد مراقبون أن الميليشيات العراقية الموالية لإيران تتجنب عمداً إصابة السفارة الأميركية أو أي منشأة أخرى تستضيف قوات أميركية في العراق خشية مقتل رعايا أميركيين، بعدما اختبرت رد الولايات المتحدة على هجوم كركوك.
يكاد هذا التفسير ينطبق على حالة الهجوم الصاروخي الإيراني ليل الثلاثاء - الأربعاء على القواعد العراقية، إذ انتهى من دون إصابة عسكري أميركي واحد، وفق الرواية الأميركية، على الرغم من اطلاق 22 صاروخاً خلاله، ما عزز فرضية أن إيران تتجنب إراقة دماء أميركية، خشية رد كبير من الولايات المتحدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الميليشيات تتبرأ!
مع أن العراقيين وحكومتهم وساستهم، يعلمون أن الميليشيات التي تحركها إيران، هي التي تنفذ الأعمال العدائية ضد مصالح الولايات المتحدة في البلاد، إلا أن قادة هذه الميليشيات يصرون على نفي أي صلة لهم بهذه الأعمال.
كانت "كتائب حزب الله" أعلنت يوم الثلاثاء 7 ديسمبر (الماضي) أنها غير مسؤولة عن هجوم صاروخي على المنطقة الخضراء يُعتقد أنه استهدف السفارة الأميركية ولم يصبها، لكنها تسبب بمقتل فتاة بعد سقوط أحد الصواريخ على منزلها في منطقة الجادرية القريبة.
وعادت ميليشيا "عصائب أهل الحق" بزعامة قيس الخزعلي، المطلوب للولايات المتحدة بقضايا إرهاب، لتعلن فجر الخميس أنها وكل الميليشيات العراقية التي تموّلها إيران، التي يفوق تعدادها الـ 50، غير مسؤولة عن الهجوم الذي استهدف السفارة الأميركية بصاروخين.
وأكد القيادي في "العصائب" جواد الطليباوي، أن "لا صلة لفصائل الحشد بالهجمات الصاروخية التي تُطلق على المنطقة الخضراء أو غيرها"، نافياً وجود "أي نشاط أو عمليات لفصائل المقاومة منذ استشهاد القادة (قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس) وإلى الآن".
واستعاد الطليباوي تهديدات أطلقها زعيمه الخزعلي بأن رد الميليشيات العراقية على مقتل المهندس سيكون قاسياً، بعدما "ثأرت" إيران لمقتل سليماني عبر قصف قاعدة عين الأسد، مشيراً إلى أنه "من المعيب" أن تُنسب الهجمات بصواريخ الكاتيوشا إلى "فصائل المقاومة".
وتُعد الكاتيوشا، السلاح الصاروخي الرئيسي الذي تجهز به إيران كل الميليشيات المرتبطة بها في العراق، ولا يُعرَف أي طرف آخر يملكها.
نتائج عرضية
ومن النتائج العرضية للتصعيد على الأرض العراقية، إعلان اليابان إغلاق سفارتها في بغداد، داعيةً رعاياها إلى مغادرة البلاد في أقرب وقت ممكن "بسبب التوتر المتزايد في المنطقة واحتمال حدوث حالة غير متوقعة في المستقبل القريب". وقالت الخارجية اليابانية إنها ستساعد في إجلاء المواطنين من خلال القنصلية في محافظة أربيل.
سبق ذلك، إعلان شركة الطيران الأسترالية والخطوط الجوية الماليزية والسنغافورية والفرنسية والألمانية، إضافة إلى إدارة الطيران الفيدرالية الأميركية، تغيير مسار رحلاتها عبر الشرق الأوسط وتجنب المجالين الجويَين الإيراني والعراقي، تحسباً لأي خطر.