تحديات كبرى محتملة بمواجهة العراق إذا انسحبت القوات الأميركية

آخر تحديث 2020-01-14 00:00:00 - المصدر: اندبندنت عربية

تستمر القوى العراقية الشيعية وتحديداً تلك القريبة من طهران بالضغط على الولايات المتحدة لإخراج قواتها من العراق، في وقت يرى مراقبون أن ذلك غير ملائم من النواحي السياسية والعسكرية والاقتصادية.
ولعل أكثر المسائل تعقيداً في ما يتعلق بالانسحاب الأميركي هي عدم القدرة على تطبيقه في المناطق الكردية والسنية في البلاد، ما قد يؤدي إلى انشقاقات كبيرة وتصدعات على الصعيدين السياسي والاجتماعي في العراق.
وترى القوى السياسية الكردية أن تحديات كبرى قد تواجهها في ما يتعلق بحماية حدودها مع إيران وتركيا، فضلاً عن تساؤلات حول شكل العلاقة المستقبلية مع الحكومة المركزية في بغداد، واحتمالات التصعيد في المناطق المتنازع عليها بين الطرفين.
في غضون ذلك، تتعالى الأصوات المطالبة بـ "إقليم سني"، إثر المخاوف من انسحاب القوات الأميركية، ما قد يجعل المدن الغربية ذات الغالبية السنية تحت سطوة الميليشيات الموالية لإيران، إلا أن تلك المطالبات قد تؤدي إلى تقسيم البلاد وإدخالها في حرب أهلية، وفق مراقبين.
تحديات عدة قد تواجه العراق فيما لو انسحبت القوات الأميركية من العراق، لعل أبرزها تتعلق في ملء الفراغ الذي يخلفه انسحاب تلك القوات من قبل فصائل مسلحة، ومخاوف من عدم قدرة القوات الأمنية العراقية في مواجهة التحديات العسكرية مستقبلاً، فضلاً عن احتمالية أن يواجه العراق حالة من العزلة مع محيطه الإقليمي.


انسحاب مشروط


في السياق ذاته، يشدد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وتحالف "سائرون" البرلماني، على ضرورة خروج القوات الأجنبية من العراق، مسنودين بكل القوى البرلمانية الموالية لطهران، وفي مقدمها تحالف "الفتح" بقيادة هادي العامري، في حين يواجه القرار معارضة الكتل السنية والكردية، فضلاً عن تحفظ كتلة النصر التابعة لرئيس الوزراء السابق حيدر العبادي.
وأظهرت صور على منصات التواصل الاجتماعي لقاء في إيران جمع الصدر بقيادات فصائل مسلحة موالية لطهران، هم زعيم "كتائب سيد الشهداء" أبو ألاء الولائي، وزعيم حركة "النجباء" أكرم الكعبي.
وعلّق أبو ألاء الولائي على حسابه في "تويتر" على الاجتماع، قائلاً إن "دماء الحاج قاسم والحاج أبو مهدي، تنتصر ثانية وتوحد جهود المقاومين"، مردفاً "شكراً لسماحة السيد مقتدى الصدر".
وعلى الرغم من الخلافات الكبيرة بين الصدر وبقية قيادات الفصائل المسلحة، إلا أن هذا التلاقي يأتي في سياق الحراك المحموم لإخراج القوات الأميركية من العراق.
في المقابل، قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إن "لا مشكلة لديه في الانسحاب من العراق، لكن على العراقيين أن يدفعوا في المقابل"، مشيراً إلى أن "هناك دولاً تدفع ملايين الدولارات مقابل نشر المزيد من القوات الأميركية على أراضيها". وأضاف في حديث إلى شبكة "فوكس نيوز"، إن "القادة العراقيين يطالبون بانسحاب القوات الأميركية من أراضيهم ولكنهم لا يقولون ذلك في المحادثات الخاصة التي نجريها معهم". لكن وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر، أكد أن الولايات المتحدة لا تخطط للانسحاب من العراق، وذلك بعد تسريب لرسالة من الجيش الأميركي تفيد بالتحضير للانسحاب.


إقليم "سني" مدعوم أميركياً


وتفيد تسريبات بأن اجتماعات عقدتها قيادات سنية مع رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي في دبي في الإمارات، تهدف إلى تكوين إقليم سني، وفيما تشير التسريبات إلى أن هذه الحوارات تجري بدعم أميركي وخليجي لمزاحمة النفوذ الإيراني في العراق، ترجح أن ما يعرقل إقامة هذا الإقليم هو نجاح الحراك الاحتجاجي بالضغط وتشكيل حكومة غير موالية لطهران.
وأفاد مصدر مطلع رفض كشف هويته بأن "الحراك السني في اتجاه تكوين الإقليم يحظى بدعم أميركي فضلاً عن دعم عربي وتركي، في سياق مزاحمة النفوذ المتصاعد للقوى القريبة من إيران". وأضاف المصدر لـ "اندبندنت عربية" أن "القيادات السنية وجدت فرصة مؤاتية لإعلان سلطة على مناطقها من خلال الإقليم السني المرتقب، للتخلص من نفوذ الفصائل المسلحة على تلك المناطق، مقابل تطمينات أميركية بالبقاء في تلك المناطق وعدم الانسحاب".
وأشار المصدر إلى أن "ما قد يعرقل إقامة هذا الإقليم هو نجاح الحراك الاحتجاجي بالضغط وتغيير الحكومة إلى أخرى غير موالية لطهران". وتابع أن "رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي، يستشعر أنه بات يحظى بمقبولية شيعية أوسع بعد عملية اغتيال المهندس وسليماني، ما أعطاه زخماً طائفياً حمله للذهاب في اتجاه الأكراد للتفاوض حول العودة إلى المنصب مرة أخرى".
 

دعوة انفعالية

في السياق ذاته أكد السياسي العراقي البارز أثيل النجيفي رفضه تكوين أقاليم مذهبية، فيما أعلن تأييده لما سماه "الأقاليم الإدارية لتحسين مستوى الأداء الإداري في العراق". وقال في تغريدة على "تويتر" إن "الأولوية بدعم المطالبة بالتعديل الشامل لمسار الوضع السياسي، وعدم تشتيت الجهود في إثارة قضايا خلافية لا يمكن حلها إلا في ظل حوار هادئ بين ممثلين يقبل بهم الشعب العراقي".
وتابع أن "الدعوة لتكوين إقليم مذهبي انفعالية، لا تختلف في انفعالها وتسرعها عن المطالبة بخروج القوات الأميركية من دون احتساب العواقب".
 

فراغ أمني
 

ويرى مراقبون أن انسحاب القوات الأميركية سيخلف فراغاً أمنياً في البلاد لا تستطيع القوات العراقية ملأه، وفيما عبّروا عن مخاوفهم بأن تستغل الفصائل المسلحة الموالية لطهران هذا الفراغ لتفرض سيطرتها، بينوا أن غاية التلويح بتكوين إقليم سني هي إعادة التوازن بين طهران وواشنطن من خلال إبقاء القوات الأميركية.
إلى ذلك، قال المستشار السابق في وزارة الدفاع العراقية معن الجبوري إن "الانسحاب الأميركي فيما لو حصل، سيخلف فراغا أمنياً في العراق، حيث أن القوات الأميركية تشكل جزءاً مهماً من المنظومة العسكرية في البلاد"، مبيناً أنها "توفر التسليح والتدريب فضلاً عن المعلومات الاستخبارية للقوات العراقية".
وأوضح لـ "اندبندنت عربية" أن "الانسحاب يعطي فرصة لبعض القوى لملء الفراغ الذي ستتركه قوات التحالف الدولي، ما يؤدي إلى خلل في ميزان القوى لصالح أحزاب على حساب أخرى".
وتابع أن "المستفيد الأكبر من هذا الانسحاب هي الأحزاب القريبة من إيران لأنها فاعلة وتملك سطوةً مسلحة ونفوذاً وهذا الانسحاب سيجعلها تتحرك بأريحية في تلك المناطق وتطبق برامجها وأجنداتها".


توازن مضاد
 

وتتزايد المخاوف من أن يكون الانسحاب الأميركي بادرة انقسام مجتمعي في العراق، مع عدم توافر الضمانات في عدم تسليم العراق إلى إيران بعد الانسحاب الأميركي، فضلاً عن عدم استعداد العراق لمواجهة التحديات الأمنية مستقبلاً، بحسب مراقبين.
في المقابل، يرى رئيس المجموعة العراقية للدراسات الإستراتيجية واثق الهاشمي، أن "هناك صعوبة بالغة بإخراج القوات الأميركية، لأن العراق لا يمتلك الاستعدادات العسكرية لحماية البلاد وتغطية الأجواء ومكافحة داعش".
ويضيف لـ "اندبندنت عربية"، أن "القوى السياسية الكردية والسنية تعتقد أن وجود القوات الأميركية هو لإقرار توازن أمام الجانب الإيراني"، مبيناً أنه "بالتزامن مع صدور قرار بخروج القوات الأجنبية بدأ السنة يتحركون في سياق تكوين الإقليم بدفع خليجي وأميركي".
وأشار إلى أن "بعض الأطراف الكردية بدأت تتحدث عن الانفصال وتكوين دولة كردية، وهذا لن يتحقق لكنه يأتي ضمن وسائل الضغط التي تتخذها"، لافتاً إلى أن "الغاية من تلك التلويحات هي إعادة التوازن، إثر المخاوف من أن تنفرد إيران بالساحة العراقية بعد خروج القوات الأميركية".
ولفت إلى أن "بعض القوى الشيعية أيضاً لها خشية من الجماعات المسلحة التي تمتلك القوة والتي قد تسيطر على الوضع في العراق فيما لو تم الانسحاب".
وتابع أن "تطبيق القرار يعني أن انقساماً مجتمعياً سيحدث في العراق، حيث أنه لا يرضي السنة أو الأكراد"، مردفاً "البرلمانيون السنة يتساءلون ما هي الضمانات في عدم تسليم العراق إلى إيران بعد الانسحاب الأميركي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


ضامن للديمقراطية

وتتعالى الدعوات من بعض القوى السياسية لعقد شراكات اقتصادية وعسكرية مع الصين وروسيا، إلا أن خبراء استبعدوا قيام تلك الدول بمزاحمة المجال الحيوي للولايات المتحدة الأميركية في العراق، وفيما أشاروا إلى أن هذا الحراك سيؤدي إلى تصعيد كبير بين أميركا من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى، بينوا أن وجود قوات التحالف الدولي في العراق ضمان لعدم انقلاب بعض القوى السياسية ذات الأذرع المسلحة على الديمقراطية.
في السياق ذاته، قال الباحث في الشؤون الإستراتيجية أحمد الشريفي إن "حسم المعارك في الحرب الحديثة يعتمد على تأمين السيادة الجوية، والعراق لا يمتلك تأمينها ويعتمد على القوات الأميركية في ذلك"، مشيراً إلى أن "من يتحدث عن انسحاب أميركي يفتح أجواء العراق لتحديات كبرى". وأضاف لـ "اندبندنت عربية" "الوجود الأميركي والتحالف الدولي هو الضامن الوحيد لبقاء العراق ضمن الأطر الديمقراطية، لأن الجيش العراقي مسحوب السلاح وخروج القوات الأميركية يعطي الفرصة لأحزاب سياسية تمتلك أذرعاً مسلحة بالسيطرة عليه والانقلاب على الديمقراطية".
وعن الحديث حول الدعوات للصين وروسيا إلى ملء الفراغ الذي قد يخلفه الانسحاب الأميركي عسكرياً واقتصادياً، بيّن الشريفي أن "هذه الدول لا تتحدى أميركا في مجالها الحيوي، والعراق جزء من هذا المجال الحيوي"، مشيراً إلى أن "مزاحمة أميركا يجعلها تفتح عليهم أبواب جهنم بمجالاتهم الحيوية، فضلاً عن عدم ميل الصين إلى التصعيد في هذا السياق".


لا طلبات أميركية بالتعويضات

وفي أول رد حكومي على طلب الرئيس الأميركي دونالد ترمب على تعويضات من العراق مقابل الانسحاب، قال سعد الحديثي، المتحدث باسم رئيس الوزراء العراقي في تصريحات صحافية، إن "هذه المواقف تصدر من خلال تصريحات إلى وسائل إعلامية، ونحن نتعامل من خلال القنوات الرسمية الدبلوماسية ومن طريق الاتصال المباشر بين البلدين، لا يوجد شيء رسمي من الجانب الأميركي طرح فيه أن هناك مطلباً بتعويض مالي للانسحاب".
وتابع أن "الانسحاب لا يخص القوات الأميركية، بل يشمل كل قوات التحالف الدولي، التي جاءت بناءً على طلب الحكومة العراقية في عام 2014".
يُذكر أن القائم بأعمال السفارة الأميركية في بغداد، جوي هود قال في تصريحات مطلع عام 2019 إن "وجود القوات الأميركية في العراق جاء بدعوة من الحكومة العراقية، وهذه القوات والتحالف الدولي والناتو ستغادر العراق في حال طلبت الحكومة العراقية ذلك".
وأشار إلى أن "القوات الأمنية العراقية ليست جاهزة حتى الآن لحفظ الأمن إلا بمساعدة من القوات الأجنبية الموجودة في العراق"، لافتاً إلى عدم وجود قواعد أميركية في العراق بل مدربين ومستشارين.