لا تزال اللقاءات التي تجمع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر مع زعماء الفصائل المسلحة الموالية لإيران واحدة من أبرز ما يشغل الرأي العام العراقي، في وقت تستمر فيه الحوارات بشأن الوجود الأميركي في البلاد، فضلاً عن الاحتجاجات المستمرة والمطالبة برئيس وزراء مستقل، بالتزامن مع حالة انسداد سياسي كبير.
إلى ذلك، تشير تسريبات سياسية إلى أن وساطات تجري من قيادات سياسية في محاولة لإعادة ترميم التحالف السابق بين الصدر وهادي العامري في سياق تشكيل الحكومة المقبلة. يأتي هذا الحراك بالتزامن مع مصالحة تهدف إلى ترميم علاقة التيار الصدري مع خصومه من قادة الفصائل الموالية لإيران تحت شعار المقاومة.
وعلى الرغم من ذلك، يشدد تحالف "سائرون" الذي يتزعمه الصدر على أن يكون رئيس الوزراء المقبل مستقلاً، فيما يتمسك تحالف "البناء" الذي يشكل فيه تحالف "الفتح" الجزء الأكبر بأحقيته بتسمية رئيس الوزراء المقبل لكونه الكتلة الأكبر، بحسب قياديين في التحالف.
إلى ذلك، أعلنت تنسيقيات الحراك الاحتجاجي في مدينة الناصرية عن إمهالها القوى السياسية مدة أسبوع لحسم منصب رئيس الوزراء وفق شروط المحتجين، فيما حذروا من تصعيد إذا لم يتم حسم القضية في هذا الإطار الزمني.
في سياق آخر، يجري حراك سياسي في إطار إعادة تكليف رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي بالمنصب مرة أخرى، لكن هذه المساعي تواجه رفضاً شعبياً وسياسياً كبيرين، فضلاً عن موقف مرجعية النجف الرافض لعودته إلى المنصب.
وبحسب مراقبين، فإن ما يدفع الصدر إلى ترميم علاقته مع الفصائل المسلحة الموالية لإيران، هو أنه مني بخسائر عدة في سياق الاحتجاجات، من خلال مقتل عدد من أتباعه، فضلاً عن عدم تمكنه من السيطرة على المزاج العام فيها، حيث يبين ناشطون خشيتهم من اختطاف الصدر للاحتجاجات واستثمارها سياسياً لصالحه، ما قد يدفعه إلى محاولة التسوية مرة أخرى مع الأحزاب السياسية الموالية لطهران.
وكان الصدر قد أعلن في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أنه لن يشترك مع تحالف "الفتح" في إطار تشكيل الحكومة العراقية مرة أخرى.
مليونية "مقاومة"
وبعد انقطاع عن التعليق على الاحتجاجات العراقية منذ مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، عاد الصدر ليدعو، اليوم الثلاثاء، إلى تظاهرة مليونية ضد الوجود الأميركي في البلاد، لكنه لم يتطرق في الدعوة إلى مطالب المحتجين ولا حراك ترشيحات رئيس الوزراء المقبل، ما يرجح التسريبات التي تحدثت عن تسويات بينه وبين "الفتح".
وقال الصدر في تغريدة على "تويتر"، إن "سماء العراق وأرضه وسيادته تُنتهك من قبل القوات الغازية، فإلى ثورة عراقية لا شرقية ولا غربية… فهبوا يا جند الله وجند الوطن إلى تظاهرة مليونية سلمية موحدة تُندد بالوجود الأميركي وانتهاكاته".
وأضاف "ولنا بعد ذلك وقفات شعبية وسياسية وبرلمانية تحفظ للعراق وشعبه الكرامة والسيادة".
وبعد ساعة من تلك الدعوة، أعلن العامري تأييده لتلك التظاهرة، فيما دعا أنصاره "للخروج بتلك التظاهرة والتعبير عن رفضهم للاحتلال الأميركي والأجنبي وتحقيق السيادة الوطنية".
نصف قرار
وبالتزامن يتزايد الحديث عن إمكانية أن يكون هذا الحراك التصالحي مدخلاً لإعادة خلق الشراكات السياسية بين تحالفي "سائرون" و"الفتح" لتشكيل الحكومة المقبلة. لكن هذا قد يصطدم بمواقف المرجعية الشيعية المساندة لمطالب المحتجين باختيار حكومة مستقلة لا دور للأحزاب فيها.
في السياق ذاته، قال الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي باسل حسين، إن "الهدف من الحديث عن المقاومة أبعد من قضية تشكيل الحكومة المقبلة"، مبيناً أن "إيران تحاول البحث عن نقاط تأثير أخرى خارج النسق السياسي من خلال استخدام الميليشيات كورقة تفاوض جديدة".
وأضاف لـ"اندبندنت عربية" أن "التحرك الإيراني في العراق يجري في سياقين، سياسي وعسكري، تحاول من خلاله إرباك الساحة العراقية، والتأثير على القرارات السياسية والأمنية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار إلى أن "التسويات بين الصدر والعامري جارية ومستمرة في سياق تشكيل الحكومة المقبلة"، لافتاً إلى أن "تغريدة الصدر التي طالبت المتظاهرين بعدم العناد على مرشحي منصب رئيس الوزراء المقبل تأتي في سياق هذا الاتفاق".
ورجح أن تدور التسوية ضمن إطار اختيار الفريق عبد الغني الأسدي كمرشح لمنصب رئيس الوزراء المقبل أو أحد القضاة، باعتبار أن هذا الخيار قد يحظى بالقبول، مستبعداً أن يتم الاتفاق على القاضي رحيم العكيلي.
ووصف حسين التيار الصدري بأنه "مؤسسة النصف قرار"، موضحاً أنه "لن يمضي في مشروع المقاومة إلى النهاية وسيتركه على النصف وسيلعب في ساحة الكسب الجماهيري والسياسي، حيث أنه سواء في التظاهرات أو غيرها من القضايا السياسية لم يكمل خياراته".
معادلة جديدة
ويرى متابعون أن أفضل وسيلة كسب سياسي للصدر هي محاولة الظهور كوسطي، مضاد لنفوذ إيران في العراق ومساند لها في صراعها مع أميركا، مشيرين إلى أن الصدر يحاول إعادة إنتاج نفسه وفق هذه المعادلة.
من جانبه، يستبعد الكاتب والباحث سليم سوزه، أن يذهب الصدر كلياً مع محور إيران، مرجحاً أنه "يسعى لترميم إرثه وتأميم المقاومة عراقياً، من أجل أن تتاح له الفرصة بتسيد الساحة السياسية في البلاد".
ويضيف، "الصدر أدرك أن موقفه السابق المضاد لإيران تسبب بخسارته عدد من أتباعه، وفي المقابل ربح عدداً من المستقلين وقتها، لكنه اليوم يريد أن يوائم بين جمهوره المتدين السابق، الذي خرج عنه وذهب مع الفصائل الأخرى، وبين جمهوره الآخر الذي بقي معه بمن فيهم بعض المستقلين".
ويبين أن "الصدر يحاول أن يسير بين هذين الخطين بحذر على ألّا ينسى خطابه المقاوم للوجود الأميركي، لأنه الخطاب الذي بنى عليه رأسماله السياسي والديني والاجتماعي"، مردفاً "لهذا السبب تبدو مواقفه متذبذبة وغير حاسمة".
عودة التفاهمات
لعل أكثر ما يعقد خيارات الصدر السياسية في المرحلة المقبلة، هو الاتفاق الذي جرى بينه وبين العامري عند تشكيل الحكومة السابقة، الذي يحمله الشارع العراقي مسؤولية إخفاقها، فضلاً عن تجاوز مسألة الكتلة الأكبر، ما قد يعيد التفاهمات بين الطرفين إلى محاولة ترميم ما حصل من اخفاقات، ضمن إطار لا يتجاوز شروط المحتجين في المرشح المقبل للمنصب، بحسب مراقبين.
إلى ذلك، قال رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، إنه "على الرغم من إعلان الصدر أنه لن يتحالف مع الفتح مرة أخرى، إلا أن العودة إلى التفاهمات أمر ممكن".
وأضاف، أن "قضية إعادة تشكيل ما يطلق عليه بالعمل المقاوم، قد تسهم في صياغة الخريطة السياسية المقبلة"، فيما لم يستبعد الشمري أن تكون هناك حوارات بين ممثلين عن العامري والصدر في هذا الإطار.
وتابع "لكن هذا التقارب إذا لم يتماه مع مطالب الشارع العراقي فلن يكون له أثر كبير على مستوى اختيار رئيس الحكومة المقبلة".