تستمر الحوارات السياسية حول تأليف حكومة محمد توفيق علاوي، في وقت أعلن أنه بصدد طرح تشكيلته على البرلمان العراقي، في 24 فبراير (شباط) الحالي، للحصول على الثقة. وفيما رجَّح مراقبون احتمالية إمرار حكومته، بينوا أن مخاوف حلفاء إيران داخل البرلمان من احتمالية أن تذهب صلاحيات رئيس الوزراء إلى رئيس الجمهورية قد توفر دافعاً كبيراً للدفع نحو التصويت لعلّاوي.
وأعلن رئيس الوزراء المكلف أمس الأربعاء، أنه انتهى من تشكيل حكومته التي وصفها بـ"المستقلة من دون مشاركة مرشحي الأحزاب".
ودعا البرلمان إلى عقد جلسة استثنائية الأسبوع المقبل للتصويت عليها لمنحها الثقة. فيما تعهد أن يكون التحقيق في قضية قتل المتظاهرين ومحاسبة المتسببين أول إجراء له في حال إمراره في البرلمان، فضلاً عن تعهده بإجراء "انتخابات مبكرة حرة ونزيهة بعيداً من تأثيرات المال والسلاح والتدخلات الخارجية".
حرج سياسي
ولعل مطالبته بانعقاد البرلمان للتصويت على التشكيلة وضعت القوى السياسية المعترضة في حرج، بعد التسريبات التي تتحدث عن رفضه القبول بشروطهم.
ومن المرجح أن يستغل علاوي الوضع العراقي لمصلحته من خلال جرّ الأطراف السياسية المعترضة إلى صراع معلن داخل البرلمان، لإيصال رسالة للمحتجين أنه يحاول طرح توليفة مستقلة لكن القوى السياسية هي التي تمانع، ما قد يضيف ضغطاً جديداً على تلك الكتل.
"ثلاث شخصيات"
في غضون ذلك، تفيد تسريبات بأن موضوع تشكيل الحكومة المقبلة يجري بشكل سري جداً بين ثلاث شخصيات هم محمد توفيق علاوي وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وزعيم تحالف الفتح هادي العامري بشكل حصري.
وكشفت التسريبات أن علاوي سيحافظ على التوازنات المكوناتية داخل التشكيلة الحكومة، فيما تؤكد، أنه حاول تلافي حصول أي تسريبات لأسماء الوزراء، لذلك عمد إلى إرسال 70 اسماً لهيئتي المساءلة والعدالة والنزاهة، حتى لا يمكن معرفة من منهم سيكون وزيراً.
وتبين التسريبات أن هناك انقساماً كبيراً داخل كتلة البناء برئاسة العامري، بشقيها الشيعي والسني، حيث تحاول بعض أطراف الجزء السني من الكتلة الحفاظ على الوزارات ضمن آلية محاصصاتية، وكتلة طالبت بوزارة الإعمار لكنها قوبلت برفض من علاوي.
أما الكتل الشيعية داخل البناء، فبحسب تلك التسريبات فإن بعضها بات يشعر بأن هناك غبناً في حصصهم بالحكومة، ويطالبون بالبقاء على النمط السابق نفسه.
ويبدو أن الخلافات داخل الكتل الحليفة لإيران بدأت بالتوسع، قبيل تشكيل الحكومة المقبلة، حيث يقف زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي وزعيم "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي في سياق الاعتراض على تشكيل الحكومة، مقابل العامري وبقية الكتل القريبة منه.
خلو المنصب!
في سياق متصل، قال الخبير القانوني علي التميمي إنه "وفق المادة 76 من الدستور العراقي إذا أخفق علاوي ولم يحصل على الثقة سواء على الكابينة أو المنهاج الوزاري يقوم رئيس الجمهورية بتكليف مرشح جديد في غضون 15 يوماً".
وأضاف لـ"اندبندنت عربية"، "كان من المفترض أن يسلم عبد المهدي إدارة البلاد إلى رئيس الجمهورية وفق المادة 81 من الدستور والتي تنص على أنه في حال خلو المنصب يتسلم رئيس الجمهورية مهام رئيس الوزراء، لكنه استمر بالعمل".
وأضاف أن "أمام عبد المهدي خيارين، إما أن يسلم إدارة البلاد إلى رئيس الجمهورية أو أن يذهب إلى المحكمة الاتحادية لأخذ رأيها في الموضوع وحسم الخلاف"، مبيناً أن "النص الدستوري واضح لأن الاستقالة تعتبر خلواً وتركاً للمنصب".
وختم أن "مفهوم الكتلة الأكبر تم تجاوزه مع تشكيل حكومة عبد المهدي الذي اختير توافقياً"، لافتاً إلى أن "رئيس الجمهورية بات غير مقيد في تكليف من يراه مناسباً في ما لو فشل علاوي".
خشية من "الجبهة" الأميركية
في المقابل، قال الكاتب والصحافي مصطفى ناصر، إن "رئيس الوزراء المكلف استخدم أسلوباً مختلفاً في عملية التشكيل الوزارية مستفيداً من ضغط الشارع العالي، والتقارب الحاصل بين مقتدى الصدر وإيران، والذي أضعف كثيراً موقف كتلة البناء التي يتزعمها هادي العامري".
وأوضح لـ"اندبندنت عربية"، "تكتَم علاوي على أسماء مرشحيه لتولي المناصب الوزارية في الحكومة الجديدة، ورفض الإفصاح حتى لزعماء الكتل السياسية عن تلك الأسماء".
وتابع ناصر أن "المواقف السياسية المهددة بعدم التصويت لكابينة علاوي في الجلسة الاستثنائية المرتقبة، لا تتعدى كونها أدوات ضغطٍ فقط، لأن الكتل السياسية تشعر بخطورة عدم تمرير كتلة علاوي".
ولفت إلى أن "إفشال مهمة علاوي تعني نهاية عمر الكتل السياسية الكبرى في البرلمان، لا سيما تلك التي نفذت في مفاصل هامة في الدولة، واستحوذت على نسب كبيرة المناصب الهامة وشكلت دولة عميقة جديدة بديلة عن الدولة العميقة التي أسسها نوري المالكي في سنوات حكمه"، موضحاً أن "الكتل السياسية المدعومة من إيران والتي تشكل الغالبية في البرلمان، تخشى سيناريو تسلم رئيس الجمهورية مهام إدارة الحكومة وفقاً للدستور، وهو ما لا تريده طهران، التي تعتبر برهم صالح ضمن الجبهة الأميركية السياسية في العراق".
خروج "الحرس الثوري" من المعادلة
من جهة ثانية، أشار ناصر إلى أن "الكتل السياسية خسرت كثيراً بعد احتجاجات أكتوبر (تشرين الأول)، وهي غير مستعدة لمزيد من الخسائر، وسط رقابة دولية تنتظر ما ستؤول إليه الأمور، وضغط أميركي متأتي من الصراع بين واشنطن وطهران في العراق".
وبيّن أن "هناك إرادة إيرانية تدفع نحو تشكيل الحكومة الجديدة عقب استقالة عبد المهدي، لا تشبه الإرادة الإيرانية السابقة التي شكلت حكومة عبد المهدي، وهي إرادة تهدف قليلاً لإرضاء الشارع ومرجعية السيستاني وأميركا على حد سواء".
وأشار إلى أن "تحول ملف العراق من الحرس الثوري الإيراني إلى الدولة التي يهيمن عليها الإصلاحيون المتبنون لفكرة الحوار مع واشنطن، تمضي نحو إرضاء الإرادة الأميركية لتجنب المزيد من التوتر والتصعيد في العراق، فضلاً عن إرضاء مرجعية السيستاني التي وجهت صفعات عدة للطبقات السياسية المدعومة من إيران من خلال مواقفها الأخيرة".
معادلة "سائرون - الفتح"
في سياق متصل، يقول رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري إن "حلفاء إيران سبق أن دخلوا باحتكاك وتبادل اتهامات مع رئيس الجمهورية، وهذا يدلل بأن هناك قلقاً كبيراً جداً من أن تؤول الأمور إليه".
ويوضح لـ"اندبندنت عربية"، أن "دخول حلفاء إيران على خط التفاوض لتمهيد الطريق أمام محمد علاوي، محاولة لعدم ذهاب الأمور إلى برهم صالح مرة أخرى".
ويتابع أن "تلك القوى تعتقد أن برهم صالح يمتلك نهجاً وأداءً يختلفان عن طموحهم ومصالحهم، وهذا ما يعزز مخاوفهم".
ويشير إلى أن "بعض الفصائل عارضت علاوي بناء على حسابات زعاماتها الخاصة"، مبيناً أن "هناك قبولاً بنحو نصف زائداً واحداً داخل البيت الشيعي لإمرار علاوي لعدة عوامل وتخوفات".
ويبيّن أن "القلق من إمكانية تكليف شخص آخر قد لا يرضيهم في حال فشل علاوي، يأخذ مساحةً كبيرةً من تفكيرهم"، مردفاً "هذا ما يدفعهم لمحاولة كسب جميع الأطراف لصالح الحكومة المقبلة".
ويعتقد الشمري أن "الاعتراضات الحالية هي جزء من مناورات الحصول على مكاسب أكبر داخل الحكومة".