مع استمرار عمليات القمع التي تمارس ضد المحتجين العراقيين على مدى خمسة أشهر منذ بدء الاحتجاجات العراقية، طالب معتصمو ساحة التحرير، وسط العاصمة العراقية بغداد، الجمعة 6 مارس (آذار)، من أسموهم بـ"الضباط الوطنيين" في وزارة الدفاع بالتدخل لحمايتهم من عمليات الخطف والقمع، مجدّدين رفضهم إعادة طرح "الأسماء المرفوضة" لمنصب رئيس الوزراء المقبل، إلاّ أنّه لم يصدر حتى لحظة إعداد هذا التقرير، أي رد من وزارة الدفاع بخصوص هذه الدعوة.
ويتزامن رفض المحتجين لخيارات الكتل السياسية مع إعادة طرح مرشحين لمنصب رئيس الوزراء سبق رفضهم من قبل الحراك، أبرزهم محافظ البصرة أسعد العيداني، والوزيرين السابقين علي الشكري ومحمد شياع السوداني ورئيس جهاز الاستخبارات مصطفى الكاظمي.
استمرار تحاصص الدولة
ودعا معتصمو ساحة التحرير في بيان "الضباط الوطنيين في وزارة الدفاع إلى التدخل المباشر لحماية المتظاهرين والساحات، بعدما توالت حالات الاختطاف والقمع، من دون أن يكون لوزارة الداخلية، وهي المعني بحفظ الأمن، أي دور في حماية ساحات الاعتصام".
وأضاف البيان "الكتل السياسية مستمرة بخوض صراع تحاصص الدولة وتقاسم ثرواتها، متجاهلةً مطالب الشعب بتصحيح مسار العملية السياسية وإنهاء عرف المحاصصة الطائفية وتوافقات قوى السلطة التي تخدم مصالحها الضيّقة على حساب مصلحة البلاد، وهذا ما جسدته ثورة أكتوبر (تشرين الأول) عبر مطالبها، ونضال شبابها السلمي".
وعن التحركات السياسية المستمرة لاختيار رئيس جديد للحكومة، أكد المعتصمون وقوفهم "بالضد من أية محاولة لإعادة طرح أسماء قد رفضتها ساحات الاعتصام من قبل لتسلّم منصب رئاسة الوزراء، ولهذا فإن الثورة ليست بوارد تقديم حل أو طرح أسماء من أجل إخراج السلطة من مأزقها، وهي متمسكة بالشروط التي رفعتها الساحات كخطوة أولى صوب الحل".
وجددوا مطالبهم باختيار رئيس وزراء جديد "يتعهد بتنفيذ ما حددته الثورة من قبل، لجهة تنظيم انتخابات مبكرة يكون أقصى موعد لها نهاية العام الحالي، وفرض الأمن وحصر السلاح بيد الدولة وتقديم قتلة المتظاهرين إلى العدالة لينالوا جزاءهم العادل".
صرخة استغاثة
في غضون ذلك، رأى المستشار السابق في وزارة الدفاع العراقية معن الجبوري أن "الغاية من هذه الدعوة هو حدوث شيء شبيه لما حدث في مصر من حركة السيسي"، لافتاً إلى أن "الوضع العراقي مختلف نسبياً لأن الانتماءات والاتجاهات موجودة داخل المؤسسة العسكرية وهي ليست مؤسسة مستقلة، بل خاضعة إلى مزاج السلطة ولأكثر من جهة".
وأضاف لـ"اندبندت عربية" "في حال تدخل ضباط وطنيون لحماية المحتجين وتطبيق القوانين، فهناك أذرع مسلحة، سواء كانت موالية للدولة أو لإيران، لكنها في النتيجة موالية للأحزاب وقد تشكل خطراً على هذه الحركة".
وأشار إلى أن "هذه الخطوة صعبة التطبيق حتى إن كانت مشاعر الضباط مع المحتجين، لكنهم غير قادرين على اتخاذها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووصف الجبوري، دعوة المحتجين بأنها "صرخة استغاثة بعدما وصلوا إلى قناعة أن القوات الأمنية غير قادرة على حمايتهم"، مردفاً "حتى هذه اللحظة، لم يتم القبض على من يُسمى بالطرف الثالث أو المندسين أو القناصين، والدولة ليست غافلة وتعرفهم وتعرف قياداتهم لكنها عاجزة عن القيام بأي خطوات".
ولفت إلى أن "ما يُسمى بالدولة العميقة هي التي تفرض إرادتها على الحكومة، وهذا النداء يعبر عن فشل المنظومة الأمنية والعسكرية في تحقيق مطامح المحتجين".
دعوة "تمرد"
من جانبه، قال الباحث في الشأن الاستراتيجي سرمد البياتي، إن "هذه الدعوة أشبه بالدعوة إلى التمرد، والعسكر ملتزم بالأوامر العسكرية. وبدلاً من ذلك، كان يُفترض أن يوجه الخطاب إلى رئيس الجمهورية والعسكريين القدامى المتقاعدين، الذين يمتلكون خبرة سياسية وعسكرية لتشكيل حكومة مصغرة من هؤلاء العسكريين، لتمرير البلاد إلى انتخابات بإشراف أممي"، مبيناً أن "هذه الدعوة بتدخل الضباط للحماية، بالإمكان أن تؤدي إلى صدامات أكبر بين القوات الأمنية نفسها".
وأوضح لـ"اندبندنت عربية" أن "المحتجين محقين، ويمرون بحالة يأس ممّا يرونه من الكتل السياسية التي تتفاوض من دون الرجوع لهم، فضلاً عن حالة اليأس من عدم توفر الحماية اللازمة".
وتابع أن "المشكلة هي أن هناك طرفين يكيلان الاتهامات لبعضهما، طرفٌ مكلّف بأوامر عسكرية لحماية المنشآت والدولة والمواطن، وطرفٌ آخر يعتقد أن هناك تعسفاً وانتهاكات لحقوق الإنسان"، لافتاً إلى أنّ "الحل لهذه الإشكالية من خلال الزج بقوات مهنية نظامية بعيدة من وسائل القتل وتكتفي بالأساليب المتّبعة في دول العالم في التعاطي مع الاحتجاجات".
وعن احتمالية أن تمضي القوى السياسية بخيارات بمعزل عن إرادة المحتجين، بيَّن البياتي أن "هذه القوى تهتم بشكل ضئيل بمطالب المحتجين وترى أن مصالحهم فوق كل شيء وهذا سيدفع البلاد إلى هاوية ومصير لا تحمد عقباه".
مواجهة حتمية
في السياق ذاته، قال أستاذ الإعلام في الجامعة العراقية فاضل البدراني، إن "الأحزاب السياسية لم تعد تخشى ساحات الاعتصام وأصبحت تخطط وتفكر بمعزل عن أي مخاطر وتعتقد أن هذا الأمر أصبح من الماضي".
وأوضح لـ"اندبندنت عربية"، أن "جملة عوامل أدت إلى التغاضي عن صوت ساحات الاحتجاج، أهمها انتشار فيروس كورونا الذي أدى إلى انحسار التظاهرات، ما جعل تأثيرها في القرار السياسي العراقي يتضاءل".
ولفت إلى أن "الطبقة السياسية كانت تخشى من حالات ردع دولية بعد تصاعد أعداد الضحايا، لكن بعد مرور خمسة أشهر على الاحتجاجات من دون أي رد فعل دولي، أعطى القوى السياسية إمكانية التحرك من دون العودة إلى مطالب المحتجين".
ورجّح أن "تكون هناك حركة شعبية كبيرة ناقمة بعد انتهاء أزمة كورونا"، مردفاً "المواجهة المقبلة ستكون حتمية".
انعكاس خلافات أميركا وإيران
في هذا الشأن، أوضح الأستاذ في العلوم السياسية قحطان الخفاجي أن "الأطراف السياسية لا تأخذ بمطالب المتظاهرين، واختيار علاوي الذي يُعدُّ جزءًا من المنظومة السياسية على الرغم من رفض المحتجين، يؤكد هذا"، مبيناً أن "عدم إمرار علاوي كان بسبب المصالح السياسية وليس استجابة لمطالب المحتجين".
وتابع "باتت الثقة بين المحتجين والكيانات السياسية معدومة، لذلك سيستمر الرفض لكل مخرجات تلك العملية السياسية".
ورجّح عدم نجاح القوى السياسية في التوصل إلى اتفاقات حول المرشحين لمنصب رئيس الوزراء المقبل، معلّلاً ذلك بـ"انعكاس الخلافات بين أميركا وإيران على الحراك السياسي العراقي وعرقلة التوافقات".
وأضاف "الموقف الصارم لساحات الاحتجاج إزاء اتفاقات الكتل الحاكمة يؤدي أيضاً إلى تعقيد مسألة اختيار رئيس الوزراء"، مردفاً أنّ "السياسيين يشعرون بأن التأخير والمماطلة يصبّان في صالحهم، لكن بقاء الوضع الحالي من دون حلول قد يؤدي إلى زيادة ضغط المجتمع الدولي واتخاذ خيارات صارمة تجاه العراق".
إفشال مرشحي الساحات
في سياق متصل، قال الناشط محمود حميد إنه "لا توجد نية لطرح أسماء من الساحات وذلك لإيمان الشباب بأن القوى السياسية ستتوافق على إفشال أي شخصية ترشحها الساحات لرئاسة الوزراء".
وعن توجيه الخطاب إلى الضباط بمعزل عن قياداتهم، بيّن حميد أن "مخاطبة ضباط الجيش العراقي بمعزل عن الحكومة التي كانت إقالتها مطلب رئيس للمحتجين، وكذلك لأن الوزير جزء من منظومة الكتل السياسية المتحاصصة والتي تعمل على إعاقة مسار الثورة التصحيحي لحفظ مصالحها".
وتابع أن "مخاطبة المؤسسة العسكرية بوصفها ركن من أركان الدولة العراقية، وهي أوْلى بحماية الوطن والمواطنين ممّن تنصّل من مسؤوليته القانونية والوطنية".